قائمة المدونة محتويات المدونة

07‏/05‏/2020

العلم والإلحاد

يناقش هذا المقال:
* علاقة الإلحاد الفلسفي بموقف الكنيسة من العلم في العصور الوسطى. * الفرق بين الفلسفة الإلحادية والعلم التجريبي. * موقف الإسلام من العلم التجريبي. * الإلحاد المستتر والعلمانية.
لتحميل البحث نسخة (PDF).. لطفاً (اضغط هنا).

ارتبط عصر النهضة الأوروبية، بمحاولة هدم سلطان الكنيسة، والكفر بدين الكنيسة، أو تحييده، واعتباره مجرد موروث ثقافي تاريخي، ومجرد دين في مقابل أديان أخرى.. اتخذ العلم الغربي هذا الموقف المتطرف والعنيف كرد فعل على طغيان الكنيسة، وجهلها بحقائق العلوم وسنن الحياة، فارتبط العلم هناك بالإلحاد أو بالعلمانية.
الإلحاد: كالكفر الكلي بوجود إله أو خالق لهذا الكون، وإنكار أي فكر غيبي، والكفر بكل الأديان.
والعلمانية: وهي صورة مخففة ـ أو مُستترة ـ من الإلحاد، حيث تجعل وجود إله أو خالق، مسألة شخصية، ثانوية في دنيا الحياة، والدين لا دخل له بشؤون الحياة الدنيوية، وليس له أدنى علاقة بالعلم، والعلم انتصر على الدين، فهو عصر العلم.
فكانت الكنيسة تعتبر أن كتبها المقدسة تحتوي كل ما يحتاج إليه البشر في المعاش والمعاد(1). "ولم يقتصر تعصب الكنيسة على الأمور الدينية وحدها، فإن الشيوخ الحصفاء، المولعين بالأبهة، السريعي الهياج، الحقودين، الذين من الجلي أنهم كانوا الأغلبية المتسلطة في مجالس الكنيسة، كانوا يضيقون ذرعا بأية معرفة عدا معرفتهم، ولا يثقون بأي فكر لم يصححوه ويراقبوه، فنصبوا أنفسهم للحد من العلم، الذي كانت غيرتهم منه بادية للعيان، وكان أي نشاط عقلي عدا نشاطهم يعد في نظرهم نشاطا وقحا"(2) ولذلك حصل الصدام، والافتراق، ولم يكن أمام العلماء إلا إحدى أمرين: إما الإلحاد، وإما الدخول في الإسلام! وقد عملت الكنيسة الأوربية ـ خاصة ـ جهدها في صد الناس عن الإسلام وتشويه صورته، ففتحت الطريق للإلحاد، ولما ذهب سلطان الكنيسة.. راحت تنافق العلم الإلحادي، وتقر بنظريات داروين ـ على سبيل المثال ـ حتى تظهر بمظهر المتحضر! وذهبت أبعد من ذلك فأقرت "زواج الشواذ" للسبب نفسه! فبأس ما قدمت لهم أنفسهم، وقد صدوا عن سبيل الله كثيرا! ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا...﴾ [الأعراف (51)]
ومع الثورة الصناعية التي حصلت في الغرب، وانهزام المسلمين التاريخي، أصبح للغرب الهيمنة في مجال العلوم والثقافة.. رغم أن المسلمين كانوا هم أصحاب السبق في اكتشاف العلوم والطب والهندسة والكيمياء... إلخ! ولهم فضل على أوروبا في هذه العلوم لا يُنكره إلا كاره للإسلام والمسلمين.
"فبدأت أوربا تخرج من ظلمات قرونها الوسطى المظلمة على طرقات الإسلام، سواء في الحروب الصليبية، أو عن طريق العلاقات التجارية بين جنوة والبندقية والعالم الإسلامي، أو بتأثير الحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية الإسلامية وغيرها من مراكز الحضارة، أو بتأثير حركة الترجمة وخاصة في المجال العلمي، في الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات"(3)
ولكن تم تصدير إن عصور أوروبا المظلمة، كانت مظلمة على العالم أجمع! وجاء التنوير الأوربي الغربي ليُضيء العالم! رغم أن هذا الظلام، كان يخص أوروبا وحدها، وكانت عصور تقدم وتنوير عند المسلمين سطعت في الأندلس وفي غيرها.
لأنه لم يكن هناك من صراع بين العلم والإيمان.. بل على العكس كان هناك دفعاً من الإسلام نحو العلم واكتشاف السنن، والسير في الأرض، واكتشاف سنن الله في الخلق والكون.. كان الإسلام يُحرر العقل البشري من الخرافة والجهل، ويُطلقه ليكتشف ويلاحظ ويعمل في المجال الذي وهبه الله له، ولكنه كان يريد من وراء هذا الإطلاق للعقل البشري أن يعرف الإنسان مدى عظمة الله، ومدى فضله، ونعمه، وقدرته، ولطفه.. كان يريد من وراء هذا العلم، الإيمان بالله، وبيان الحق.
لم يكن الإسلام يتدخل في قوانين الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الفلك.. أو يؤيد قانون، ويرفض آخر كما كانت تفعل الكنيسة؛ عندما حاكمت "جاليليو" لأنه قال بكروية الأرض ووضعته قيد الإقامة الجبرية، وأجبرته على التراجع عن أقواله، وحاكمت برونو، وكوبرنيكس للسبب نفسه، وأقامت "محاكم التفتيش للعلماء" وقتلت وحرقت الكثير من العلماء مع كتبهم؛ واعتبرت كل ما تجهله من علوم ـ وغير مذكور في كتبهم المقدسة ـ فهو من السحر، الموصوم صاحبه بالهرطقة !
بينما كان الإسلام يترك هذه المساحة من العلوم للبحث والملاحظة والاستكشاف والتتبع، وشجع القرآن الكريم على ذلك، فقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[العنكبوت (20)] ومع إن النظرة الإنسانية في كيفية بدء الخليقة سوف يعتريها النقص، والتطور، والتحسن، والتجدد.. ترك هذه المساحة للعقل، دون أن يحدد للعقل قوانين معينة.. بل ألمح القرآن إلى عظمة الله في الكون كله؛ ليستحث الإنسان على النظر والمشاهدة ومتعة اكتشاف هذه العظمة: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[الأنعام (99)]
لكن الذي لم يترك فيه الإسلام مساحة للاكتشاف، هو الغاية من وراء هذا كله، والقوى التي أنشأت هذا كله، وهو الله سبحانه وتعالى، والإيمان به، والإقرار بذلك من أول لحظة: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ[الأعراف (185)]
فقد جعل الإسلام قاعدة العلوم البشرية كلها.. على أساس الإيمان بالله، الخالق، المالك، المدبر، الحي، القيوم، اللطيف، العليم، القادر على كل شيء، صاحب الإرادة الحرة، والمشيئة المطلقة؛ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[يس (82، 83)] فأراد الإسلام تحرير الإنسان من عبودية البشر بعبادة الله وحده، وتحرير الإنسان من الخرافة والجهل، بإطلاق العقل ليكتشف الأرض، وما سخره الله له، وما أودع في الكون من قوانين، من يكتشفها فقد أمسك بزمام العلم والمعرفة، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الجاثية (13)] وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحج (65)]
***
ولما تم تصدير العلوم الغربية سواء الإنسانية أو التطبيقية لنا.. حاول الغرب جعل المنهج العلمي هو "المنهج المادي" وحده، دون اعتبار للعامل الغيبي، والغيب هنا مقصود به "الإيمان بالله واليوم الآخر"، وتم اعتبار تحييد الأديان وجمعها مع الأساطير والخرافات من أصول "المنهج العلمي"!
وإذا كان دين الكنيسة في عصور أوروبا المظلمة كان من ضرب الأساطير والخرافات، فكيف إذن يمكن أن يقبل قلب مسلم أن يجمع الإسلام (كرسالة من عند الله، ومنهج حياة، وحضارة وسبيل نجاة) مع غيره من الأساطير والخرافات؟!
أليس هذا من أكفر الكفر؟!
أيُجمع الحق والباطل، والنور والظلام، والعلم والجهل في سياق واحد، وباسم "المنهج العلمي"؟!
أليس هذا ابتداء ضد المنهج العلمي، والسياق التاريخي، وإلصاق تهمة بالإسلام هو برئ منها، بل هو من دعى الإنسان إلى السير في الأرض واكتشاف السنن؟!
ولكنه حقد الغرب على الإسلام والمسلمين، وعدم الحياد العلمي عندما يتعلق الأمر بالإسلام! وتعمد القفز فوق المنتج الحضاري الإسلامي، ومحو آثر الإسلام والمسلمين في العلوم خاصة التجريبية منها.
ولأِن كان حقد الغرب مفهوماً ـ نتيجة الصدام الحضاري والتدافع بين الأمم ـ فكيف نفهم إذن تقليد بعض المسلمين لهم في هذه المغالطة العلمية، واعتبار أن الغرب وحده هو مكتشف الحضارة الحديثة! والمنهج العلمي؟! وليس هذا سوى الهزيمة النفسية أمام الأقوياء، ونجاح الغرب في الترويج لنفسه، والهيمنة على الشعوب الضعيفة.
***
كما إن كثيراً من العلوم الإنسانية الغربية قائمة أيضاً على خرافات وأساطير، وإذا كفر الغرب بخرافات الكنيسة، فقد اتخذ من خرافات الإلحاد ديناً جديداً، فمنهم من فسر السلوك الإنساني ونشاطه البشري كله في "الجنس" وتم تسمية تلك الخرافة بـ "التحليل النفسي" ولا يوجد دليل علمي عليها سوى خرافات بعض المرضى النفسيين، وأوهام من جعلوا الإنسان مجرد آلة جنس! وهناك من فسر السلوك الإنساني والوجودي كله في "الاقتصاد" ورأس المال، وتم تسمية تلك الخرافة بـ "الفكر المادي" الواقعي الذي ينكر الغيب والأساطير، وتم تفسير السلوك الإنساني والوجودي كله في اعتبار الإنسان مجرد فرد في قطيع لا إرادة له، وتم تسمية تلك الخرافة بـ "علم الاجتماع"!(4)
وتم اعتبار خلق الله سبحانه للإنسان مجرد عملية تطور لخلية ما، ظلت تتطور، وتتحور، وتنتقل من فصيلة إلى أخرى من الأنواع حيث وصلت إلى شكلها الحالي "الإنسان"، فتم اعتبار الإنسان مجرد مخلوق صدفة متطور من عدد لا نهائي من فصائل غير معلومة ووسيطة! لا خالق له، وهو يُصارع من أجل البقاء ـ والبقاء للأقوى والأصلح! ـ في موارد محدودة.. بلا أخلاق ولا رجعة إلى خالقه! وهذا حتماً يؤدي إلى الإباحية والتوحش البشري واستباحة الإنسان لأخيه الإنسان.. وسُميت هذه الخرافة بـ "نظرية التطور"، وغيرها الكثير، وكل ذلك ليس علماً تجريبياً ولا قوانين خضعت لصرامة البحث العلمي أو اكتشاف خصائص المادة التي أودعها الله في الكون، بل مجرد ظنون وملاحظات لا قيمة علمية لها، ولكن تم النفخ فيها، وتصديرها للناس باسم العلم.
وكل ما يعجز العلم الملحد عن تفسيره، فإنه يتجه إلى الخرافة والتوهم، والأدلة الساذجة؛ لإيجاد إجابة له، ويقول بكل وقاحة: هذا هو العلم!! ويمارس "الإرهاب العلمي" والتحيز المرضي والغلو ضد من يحاول نقد هذا العبث، ويوصم صحابه بالتخلف والرجعية، والجهل!!
وما أكثر نظريات نشأة الكون ، ولا مشكلة في النظرية من حيث محاولة الاجتهاد، ولكن المشكلة في اعتبار هذه النظرية ـ التي لا يوجد دليل حقيقي عليها، أو تكون مجرد ظن لا يُغني من الحق شيئا ـ وسيلة للكفر بالله، وإنكار وجود الله، والكفر بشريعة الله!!
وكل هذا الباطل والإلحاد لم يكن حبيس البحث العلمي فحسب، بل أنشأ "فلسفة إلحادية"؛ وكان له تطبيقات اجتماعية وأخلاقية وسياسية وحربية ذاقت بها البشرية الويلات ـ ومازالت ـ وقدمت تفسيراً للحياة والوجود، باسم "العلم العلماني"..
ومثال لذلك:
يقول داروين في كتابه (نشأة الإنسان): "في مرحلة ما من المستقبل ـ وليس بالمستقبل البعيد الذي نقسيه بالقرون ـ سيعمل العرق البشري المتحضر (The civilised races) ـ بشكل شبه أكيد ـ على إبادة واستبدال الأعراق الهمجية البربرية (The savage races) عبر العالم"(5)
ويقول داروين أيضاً في رسائله: "تذكر المخاطر التي تعرضت لها الأمة الأوربية ـ وليس ذلك من قرون عديدة ـ من طغيان الأتراك... ستهزم الأعراق المتحضرة والمعروفة بالأعراق القوقازية التركي الأجوف (Turkish hollow) في صراعها على الوجود. وسيبدو العالم ـ في وقت ليس ببعيد ـ وقد تخلص من عدد لا نهائي من الأعراق الدنيا، على يد الأعراق العليا، على امتداد العالم"(6)
ويقصد داروين بالأتراك (الدولة العثمانية، والأمة الإسلامية)؛ وهذا ما نقصده بأن هذه النظرية لم تكن مجرد بحث علمي بريء، أو رؤية عَاِلم لمشاهدة ما، وإنما "فلسفة إلحادية تدميرية مُعادية"، أنشأت "الدروانية الاجتماعية" والتي تسببت ـ بالفعل ـ في إبادة شعوب وأمم وحضارات، ورسخت فكر المحتل، والعرق المتفوق!
"فالصراعات والحروب... عند المُلحدين واللا دينيين ليس أكثر من صورة (البقاء للأقوى) أو (فرض سيطرة القوي على الضعيف) في معركة الحياة!! وهي الصورة التي لمعت على أيدي توماس مالتوس ثم نقلها عنه وأصَّلها داروين في أفكاره عن التطور، وبذلك تم ارتكاب أبشع الجرائم الجماعية والإبادة في التاريخ على أيدي (مُلحدين ولا دينيين) في حق شعوب هي في نظرهم أقرب للغوريلا أو الأورانجتان، وليسوا في بشرية الإنسان الآري أو الأوربي الأبيض (المتطور)!!
فتم قتل عشرات الملايين من سكان أستراليا الأصليين وزنوج أفريقيا والهنود الحُمر بأمريكا، وكان يتم إحضار أعداداً منهم لعرضهم في حدائق الحيوان في أوروبا وأمريكا أو لإجراء التجارب عليهم كالحيوانات أو تعقيمهم حتى لا يتناسلون!! بل ولعله من نافلة القول أنه في القرن الماضي فقط تم قتل (42,6) مليون إنسان في عهد جوزيف ستالين، و(37,8) مليون في عهد ماو تسي تونغ، و(20) مليون في عهد أدولف هتلر، و (10,2) مليون في عهد شيانغ كاي شيك، و(4) مليون في عهد فلاديمير لينين، و(3.9) مليون في عهد هيديكي توجو، و(2.3) مليون في عهد بول بوت، وأكثر من (70) مليون ضحايا في الحربين العالميتين".(7)
فيجب التفرقة الحادة بين النظريات الإلحادية ذات الممارسات التدميرية، وعدم قبولها بحجة البحث العلمي الغربي! وبين النظريات التطبيقية لعلوم المادة كالفيزياء، والكيمياء، والطب، والرياضيات... إلخ، وتطبيقاتها العملية (كالأدوية، والزراعة، والصناعة، والتقنية، والهندسة، والاختراعات...إلخ) وتسخير المادة في خدمة الإنسان، وخلافته على الأرض.. وحتى هذه يجب أن نضعها في إطارها "الإيماني"، الذي يرد كل شيء إلى الخالق سبحانه وتعالى، صاحب الخلق والأمر.
***
على إن هذا الكفر ليس بجديد ولا شيء سبقت به الحضارة الغربية، فقد سبقها فيه الأمم السابقة التي غرها العلم..
﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ[الجاثية (24)]
وقد كان قارون من العلماء أصحاب الثروة من وراء العلم، وهامان من أمهر المهندسين، وفرعون من أصحاب القوة والسلطان والحكم، ورغم هذا العلم والثروة والجاه، كانوا جميعاً خاطئين، كما قال تعالى: ﴿... إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ[القصص (8)]
وقال حاكياً عن قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِيۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًاۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ[القصص (78)]
وقد هلك فرعون وهامان وقارون ووقع عليهم العذاب في الدنيا والآخرة: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ[العنكبوت (39)]
وحكى القرآن الكريم عن استغناء الإنسان عن الله والدار الآخرة وطغيانه: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ[العلق (5، 6، 7)]
﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[الزمر (49)]
فالعلم قد يكون وسيلة للهلاك والشقاء والبوار والخسران في الدنيا والآخرة، عندما يستغني فيه الإنسان عن الله؛ فيطغى ويفجر.
والعلم يكون وسيلة للنجاة والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، عندما يرد النعمة إلى خالقها ورازقها؛ فيرضى ويشكر، ويتواضع، ويستقيم.
ولقد كانت نظرة الإسلام لأولئك الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وينتفشون ببعض المعرفة، والغرور باكتشاف بعض السنن والقوانين وهم في غفلة عن الآخرة.. كانت نظرة الإسلام لهم نظرة تحقيرية، دامغة لهم بالخسران، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ[الرّوم (7، 8)]
فموازين الفلاح والنجاة في الإسلام، تتمثل في رضى الله والفوز بالجنة، والنجاة من النار، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران (185)] وقال سبحانه: ﴿... وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب (71)]
وضرب القرآن الكريم مثلاً في العلم النافع: فقد صنع ذو القرنين سداً لصد عدوان قوم مجرمين: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُواۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا[الكهف (96، 97)] وبعد أن نجح في المهمة، قال: ﴿قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي...﴾ [الكهف (98)] فَرَد العلم والمعرفة إلى خالقها، ولم يكفر نعمة ربه.
وفي ملك سليمان الفريد بعد أن تعلم منطق الطير ـ والحشرات ـ ولغته وقدرته على محاورته وتسخيره، قال: ﴿... يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ [النمل] ورَد النعمة إلى المُنعم بها، فقال: ﴿... هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ  وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ [النمل]
ففي الإسلام: العلم التجريبي والإنساني المشهود "المادي" لصيق الصلة بالعلم الغيبي.. ولا يفصل بينهما، ولا يجعلهما في حالة تضاد أو تصارع، بل جعل العلم التجريبي مساحة حرة للعقل ليكتشف ويعرف ويَخلف الأرض الخلافة الربانية الراشدة، دون أن ينسى خالقه الذي جعل له: ﴿...عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ٩ [البلد] وخلق له العقل، وأود فيه خصائص المعرفة.. ثم يتخذ من خلافة الأرض عملاً يتقرب به إلى الله، وعباده يرجو بها ما عند الله.. فيسعد في الدنيا والآخرة.
***
ويروج أهل العلمانية في بلاد الإسلام الانبهار بالفكر المادي الغربي، ويجعل من الفكر الغيبي أحد مظاهر الجهل، بل يجعل تمسك المؤمنين بسنن دينهم من التخلف، ويجعل من حجاب المرأة المسلمة، عائقاً أمام التقدم العلمي! ويقولون: انظروا لقد صعد الإنسان (الغربي) القمر! ومازال المسلمون يتمسكون بسنن الوضوء، والمرأة بالاحتشام؟!
وعملوا غاية جهدهم لسلخ المسلمين عن دينهم، وغاية عملهم تعرية المرأة! جاعلين من أنفسهم "خدم الشيطان" يَنزع عن المسلمين لباس التقوى، وعن النساء لباس الحياء والحشمة، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء، ثم ماذا؟
لا شيء.. سوى العري والفجور والانبهار بالغرب، ولم يصلنا العلوم التجريبية الصحيحة أو تطبيقاتها التي تمكن الأمم من النهضة والاستقلالية؛ لنظل في حال من التبعية لهم!
ويتعمدوا خلط "الفلسفة الإلحادية" بـ "العلم التجريبي" وتطبيقاته العملية ـ التي تنفع الناس ـ ويُصورون للناس أنهما شيئاً واحداً، ولا علم تجريبي ولا اختراعات واكتشافات تنفعهم بدون "الفلسفة الإلحادية" التي يَسترون عورتها باسم "العلم" !
ومنهم من يروج إلى "الإلحاد المستتر" حيث الإلحاد الصريح أمر لا يمكن قبوله بسهولة، ويصعب تمريره في بلاد شعوبها مسلمة، فيلجأون إلى حيلة عدم الدعوة إلى الإلحاد الصريح، وإنما "التمهيد" له باسم العلم والبحث العلمي، وباسم الفلسفة العلمية، وباسم المصادر الأجنبية ـ التي تبهر نظر المستمع! ـ وتحبيب الناس فيه، وجعله حقيقة علمية ثابتة قاطعة كالشمس والقمر!! ويروجون إلى الأفكار والمذاهب الإلحادية، دون الدعوة إلى صريح الإلحاد، ويجعلون الشباب يُلحد من تلقاء نفسه، أو على الأقل يشك في أمر دينه، حتى إن المجلس الأعلى للثقافة في بلد عربي مسلم! روج للإلحاد في كتاب داروين عن نشأة الإنسان، ويقدمون الندوات الثقافية! عنه باسم "علمانيون"! حتى يظل الحديث مجرد حديث علمي فلسفي فقط.. وما هو إلا ترويج لدين الإلحاد..
عملاً بنصيحة "سام هاريس" وهو من دجاجلة الملحدين ـ وعدو لدود للإسلام! ـ إذ يقول: "يجب أن لا ندعو أنفسنا "المُلحدين". يجب أن لا ندعو أنفسنا "العلمانيين". ولا يجب أن ندعو أنفسنا "الإنسانيين"، أو "الإنسانيين العلمانيين"، أو "الطبيعيين"، أو "المشكّكين"، أو "مناهضي التوحيد والغيبيات"، أو "العقلانيين" أو "المفكّرين الأحرار"، أو "المتنورين". يجب أن لا نسمّي أنفسنا بأي شيء. يجب أن ننطلق تحت مدى الرادار لبقية حياتنا. وبينما نحن هناك، يجب أن نكون أناس مهذبين، ومسؤولين، في تدمير الأفكار السيئة حيثما نجدها... بدلاً من أن نعلن عن أنفسنا "ملحدين" في مواجهة الأديان، علينا أن نركّز على الترويج للعقلانية والصراحة الفكرية"(8)
وسيظل الإلحاد ديناً! وسيظل الملحد بنفسه ينقض الفلسفة العديمة والعشوائية والتطورية.. لأن مجرد بحثه وسؤاله وتأليفه وعلمه وصراعه النفسي والواقعي.. وضلاله في النهاية.. هو تعبير عن إنسان، ذات صفات فريدة، وذات كينونة روحية، تظل تبحث عن الغيب، والمصير ما وراء الموت، وعن إنسان له حرية الاختيار بين الهدى والضلال: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا[الإنسان (3)] ولا يمكن نسبة ذلك لمجرد الذكاء أو لمجرد "الغريزة الاجتماعية" ـ كما زعموا ـ فالذكاء ليس مجرد تلافيف في جمجمة الإنسان، فكثير من الحيوانات لديها تلافيف أكثر! وإنما هو "انفعال الروح" الذين يحاولون إنكاره من كل طريق، وجعل الإنسان مجرد مادة صلدة عدمية! ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ[الأنعام (67)]
وبعد تجريد الإلحاد من التهافت الفلسفي، وأدلته العبثية.. سنجد صورة الكفر المجرد التي كانت منذ رحلة الإنسان على الأرض، وهي "الاستكبار" عن الحق، واتباع الهوى، والإعراض عن الهُدى، واستحباب العمى على الهدى، وليس هو بالشيء المعقد المركب الذي يحتاج إلى كبير جهد لتفنيد أباطيله: ﴿... إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ[الأنعام (116)]
فالإلحاد دعوة متهافتة مُتهدمة بذاتها ـ تتنكر للإنسان ابتداء! وتحتقره، وتقذف به إلى العدمية ـ ولولا النفخ فيها، ما استحقت عناء الرد، فلا جدال في الإيمان بالخالق سبحانه، وإنما الدعوة هي: توحيد الله وعبادته، والتزام شريعته.
وما الهداية بكثرة الأدلة ـ على وفرتها الوفيرة ـ إنما هي بهداية الله سبحانه للقلوب المتفتحة للهدى، الباحثة عن الحق: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ[الحجر (15،14)]
***
ولقد كان المنهج القرآني يستجيش العقل البشري في معرفة الله، من خلال الحديث عن آيات الله في الكون، وينادي المشككين في الخلق، فيقول تعالى:
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ
ثم يُعدد عليهم شيئاً من أحوالهم:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ. أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ
﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ.  أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ[سورة الواقعة]
ليضعهم أمام الحقيقة، ويترك لهم حرية الاستجابة.. هل قبول الحق؟ أم الاستكبار عنه؟
وحتى عندما يَستكبر الإنسان ويَكفر نعمة ربه، لا يمنع الله عنه ما وهبه من نِعم، وما أودع فيه من خصائص المعرفة فقال تعالى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[الإسراء (20)] فنجد من سلك طريق العلم والمعرفة ـ مؤمناً كان أم كافراً ـ يصل إليها، وقد يصل إليها الكافر بجده وجهده ومثابرته، ولا يصل إليها المؤمن الكسول المتواكل المتخبط في طرق لا تؤدي إلى العلم الصحيح! وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ[هود (15)] ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا[الإسراء (18)]
وكل علم مهما بلغت عظمته يصد عن سبيل الله، فهو بوار وخسران وغفلة عن الآخرة.
***
ولردم الفجوة العلمية والحضارية لأمة الإسلام.. علينا تحصيل العلوم التجريبية التطبيقية والتقنية بأقصى جهد، وهذا من أعظم الجهاد، ومحاولة الاستفادة من عقول المسلمين التي تهاجر للغرب! لأن الأنظمة الباغية الخائنة تطردهم بأنظمتها المُتخلّفة، وليحافظ الغرب على تفوقه العلمي!
فالعلماء والعلوم لا يمكن أن تعمل وحدها، بل لا بد من محاضن ومؤسسات تتبنى العلم والعلماء، وإرادة سياسية تشجع هذا العمل وتدعمه، وتخصص له الموارد، وتحميه من العبث، وتنظمه التنظيم الصحيح؛ لبناء الحضارة العلمية الخاصة بالمسلمين، والتي يمكن لها أن تخدم الإنسانية لا أن تشقى بها، ومن وراء هذا العلم التجريبي، الإنسان المؤمن الذي يرد كل علم إلى خالقه: ﴿... وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ[يوسف (76)]
ويلتزم شريعته: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[الجاثية (18)]
ويتفكر في ملكوت الله، ويذكره سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[آل عمران (191)]
ويشكر نعمة الله على خلقه: ﴿... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم (7)]
الذي: ﴿... خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[الفرقان (2)]
وخلقه فأحسن خلقه: ﴿... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[المؤمنون (14)]
فسبحان: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ[الأعلى (2)]  ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ[النجم (47)]
﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[يس (83)]
فيسعد بذلك الإنسان في الدنيا والآخرة.
***



(1) [كما جاء في كتاب: "الإسلام والنصرانية.. مع العلم والمدنية" للشيخ الأستاذ محمد عبده (رحمه الله)]
(2) [معالم تاريخ الإنسانية، للمؤرخ البريطاني ويلز، نقلاً عن كتاب "مغالطات" للأستاذ محمد قطب، ص14]
(3) [مغالطات، محمد قطب، ص60، راجع كذلك التأثير الإسلامي على أوربا في عصر النهضة، من كتاب: "من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر"، وكتاب "شمس الله تشرق على الغرب" و"الله ليس كذلك" لزيجريد هونكه، و"حضارة الإسلام" لفون جرونيباوم]
(4) [راجع ـ إن شئت ـ كتاب: "حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية"، للأستاذ محمد قطب (رحمه الله)]
(5) (Charles Darwin, The Descent of Man, CHAP. VI. AFFINITIES AND GENEALOGY P.201) [النسخة العربية المترجمة، الجزء الأول، ص373]
(6) [The life and Letters of CHARLES DARWIN V1, July 3rd, 1881]
(7) [أقوى براهين د. جون لينكس، ص 563، ترجمة م. أحمد حسن، ونقلاً عن: Encyclopedia of war-3 Volume of set by Chareles Philips and Alan Axelrod 2004]
(8) [Harris, Sam.  The Problem with Atheism. September 28, 2007]