📄 وثائق تكشف عن: دول عربية وسعت التعاون العسكري مع إسرائيل خلال حرب غزة
اجتمع مسؤولون عسكريون إسرائيليون وعرب في اجتماعات وتدريبات، بتسهيل من القيادة المركزية (الوسطى) الأمريكية، لمناقشة التهديدات الإقليمية، وإيران، والأنفاق تحت الأرض.
11 أكتوبر 2025
بقلم ديفيد كينر
حتى في الوقت الذي أدانت فيه دول عربية رئيسية الحرب في قطاع غزة، فقد وسعت بهدوء تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي، وفقاً لما كشفته وثائق أمريكية مسربة. ورغم أن هذه العلاقات العسكرية واجهت أزمة بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على قطر في سبتمبر الماضي، إلا أنها قد تلعب الآن دورًا رئيسيًا في الإشراف على وقف إطلاق النار الناشئ في غزة.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبمساعدة وتسهيل من الولايات المتحدة، التقى كبار المسؤولين العسكريين من إسرائيل وست دول عربية للتخطيط لاجتماعات في البحرين ومصر والأردن وقطر.
اتفقت كل من إسرائيل وحماس يوم الأربعاء على المرحلة الأولى من إطار للسلام من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس وانسحاب إسرائيلي جزئي من غزة. وأعلن مسؤولون أمريكيون يوم الخميس عن إرسال 200 جندي أمريكي إلى إسرائيل لتقديم الدعم لاتفاق وقف إطلاق النار، وسينضم إليهم جنود من عدد من الدول العربية المشاركة في هذا التعاون الأمني طويل الأمد.
حتى قبل هذا الإعلان، كانت الدول العربية المشاركة في هذا التعاون الأمني قد أبدت دعمها لخطة الرئيس دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة لإنهاء حرب غزة. وتدعو الخطة الدول العربية إلى المشاركة في نشر قوة دولية في غزة تتولى تدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة في المنطقة.
تعاون هادئ وتحدي إيران (Quiet Cooperation and Challenging Iran)
في بيان مشترك، قالت خمس من الدول العربية الست إنها تدعم إنشاء آلية "تضمن أمن جميع الأطراف"، لكنها امتنعت عن الالتزام العلني بنشر قوات عسكرية.
كانت قطر ـ التي تعرضت عاصمتها لضربة بصواريخ إسرائيلية في 9 سبتمبر استهدفت قادة حماس ـ إحدى الدول التي عززت علاقاتها مع الجيش الإسرائيلي بهدوء. وتظهر الوثائق أن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين والعرب اجتمعوا في مايو 2024 في قاعدة العُديد الجوية، وهي منشأة عسكرية أمريكية رئيسية في قطر. وتُظهر وثيقة تخطيطية للحدث، كُتبت قبل يومين من موعده المحدد، أن الوفد الإسرائيلي كان من المقرر أن يسافر مباشرة إلى القاعدة الجوية، متجاوزًا نقاط الدخول المدنية في قطر التي كان من الممكن أن تعرض الأمر للاطلاع العام.
قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارًا لقطر في 29 سبتمبر على خلفية الضربة، بعد حث من إدارة ترامب، وتعهد بعدم شنّ مثل هذه الهجمات في المستقبل.
🎯 "المحور الأمني الإقليمي" ومواجهة الأنفاق (The "Regional Security Construct" and Tunnel Threat)
تُظهر الوثائق أن التهديد الذي تُشكّله إيران كان القوة الدافعة وراء توثيق هذه العلاقات، التي رعتها وعززتها القيادة المركزية (الوسطى) للجيش الأمريكي، المعروفة باسم سنتكوم (Centcom) وتصف إحدى الوثائق إيران والميليشيات المتحالفة معها بأنها "محور الشر"، وتتضمن وثيقة أخرى خريطة تُظهر صواريخ مُركبة فوق غزة واليمن، حيث يسيطر حلفاء إيران على السلطة.
وتفصّل خمسة عروض تقديمية عبر "باور بوينت" تابعة لـ "سنتكوم"، حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وراجعتها صحيفة واشنطن بوست، إنشاء ما يصفه الجيش الأمريكي بـ "المحور الأمني الإقليمي". يضم هذا التحالف إلى جانب إسرائيل وقطر :البحرين ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتشير الوثائق إلى الكويت وعمان باعتبارهما "شركاء محتملين" تم اطلاعهم على جميع الاجتماعات.
هذه العروض، التي تحمل علامة "غير سرية"، تم توزيعها على شركاء التحالف، وفي بعض الحالات على تحالف الاستخبارات "العيون الخمس" الذي يضم أستراليا وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا والولايات المتحدة. وقد كُتبت بين عامي 2022 و2025، قبل وبعد شنّ إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023.
🛠️ تدريبات على الأنفاق ونظام دفاع جوي (Tunnel Training and Air Defense System)
أحد الاجتماعات على وجه الخصوص ـ الذي عُقد في يناير في "فورت كامبل" التابع للجيش الأمريكي في كنتاكي، على بُعد ساعة تقريبًا بالسيارة من ناشفيل ـ تضمنت جلساتٍ درّبت فيها القوات الأمريكية شركاءها على كيفية اكتشاف وتحييد التهديدات التي تُشكّلها الأنفاق تحت الأرض ،وهي أداة رئيسية تستخدمها حماس ضد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وتصف وثيقة أخرى مشاركة شركاء من ست دول في تدريب لتدمير الأنفاق تحت الأرض، لكنها لم تُسمِ تلك الدول.
كما قاد أفراد القيادة المركزية (الوسطى) الأمريكية اجتماعات تخطيطية لإطلاق عمليات معلوماتية لمواجهة رواية إيران القائلة بأنها الحامي الإقليمي للفلسطينيين، ووفقًا لوثيقة صدرت عام 2025، "لنشر رواية شراكة عن الازدهار والتعاون الإقليمي".
وعلى الرغم من توسيع التعاون الأمني مع إسرائيل خلف الأبواب المغلقة، ندد القادة العرب بحربها في غزة. فقد قال قادة مصر والأردن وقطر والسعودية إن الحملة الإسرائيلية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية .وأصدر قادة قطر بعضًا من أشد الإدانات؛ حيث وصف أمير قطر الصراع في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر بأنه "حرب إبادة تُشن على الشعب الفلسطيني"، واتهم إسرائيل بأنها "دولة معادية لبيئتها، ومتواطئة في بناء نظام الفصل العنصري". وأدانت وزارة الخارجية السعودية إسرائيل في أغسطس لما وصفته بـ"التجويع" و"التطهير العرقي" للفلسطينيين.
🛡️ تحالف "سري" يواجه التوترات (A "Confidential" Alliance Facing Tensions)
وفي إشارة إلى الحساسيات السياسية، تنص الوثائق على أن الشراكة "لا تُشكل تحالفًا جديدًا"، وأن جميع الاجتماعات "ستُعقد في سرية تامة".
قال إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ـ وهو مركز أبحاث ـ إن الولايات المتحدة أملت طويلاً في أن يؤدي التعاون العسكري إلى تطبيع سياسي بين إسرائيل والدول العربية. ومع ذلك، يرى أن العمل بهدوء مع القادة العسكريين للدول قد يتجنب النقاشات السياسية الشائكة، لكن هذا النهج أيضًا "يُخفي أو يحجب حقيقة" التوترات بين الأطراف. وقد ظهرت هذه التوترات بوضوح بعد الضربة الإسرائيلية على قطر، وأضاف: "هاجم عضو رئيسي في الجهد الأمريكي عضوًا آخر، في حين تُعتبر أمريكا متواطئة أو عمياء". وتابع: "إن انعدام الثقة الناتج عن ذلك سيُفسد الجهود الأمريكية لسنوات قادمة".
📡 من النظرية إلى الواقع: الدفاع الجوي (From Theory to Reality: Air Defense)
شراكة هادئة
أقرّ المسؤولون العسكريون الأمريكيون علنًا بوجود الشراكة، لكنهم لم يتحدثوا عن مدى التعاون الإسرائيلي العربي في تلك الجهود. في عام 2022، وصف الجنرال كينيث "فرانك" ماكنزي، قائد القيادة المركزية آنذاك، الشراكة في شهادة أمام الكونجرس بأنها جهد "يبني على زخم اتفاقيات إبراهيم"، وهي الاتفاقية التي أقامت علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
تُظهر الوثائق كيف أن حجر الزاوية في هذا البناء، وهو خطة دفاع جوي لمكافحة صواريخ وطائرات إيران المسيّرة، انتقل من النظرية إلى الواقع على مدى السنوات الثلاث الماضية. ووقعت إسرائيل والدول العربية على الخطة في مؤتمر أمني عُقد عام 2022، واتفقتا على تنسيق التدريبات العسكرية وشراء المعدات اللازمة لتحقيق ذلك. وبحلول عام 2024، نجحت القيادة المركزية (الوسطى) الأمريكية "سنتكوم" في ربط العديد من الدول الشريكة بأنظمتها، وفقًا للوثائق المسربة، مما سمح لها بتوفير بيانات الرادار وأجهزة الاستشعار للجيش الأمريكي، وبالتالي الاطلاع على البيانات المجمعة للشركاء.
وأفادت وثيقة إحاطة بأن ستًا من الدول الشريكة السبع كانت تتلقى صورة جوية جزئية للمنطقة من خلال أنظمة وزارة الدفاع، وأن دولتين كانتا تتشاركان بيانات الرادار الخاصة بهما من خلال سرب تابع لسلاح الجو الأمريكي. كما تم ربط الدول الشريكة بنظام دردشة آمن تديره الولايات المتحدة حتى تتمكن من التواصل مع بعضها البعض ومع الجيش الأمريكي.
ومع ذلك، لم يفعل نظام الدفاع الجوي شيئًا لحماية قطر من الضربة الإسرائيلية التي شنتها في 9 سبتمبر على عاصمتها. وصرح الفريق ديريك فرانس، من القوات الجوية الأمريكية، للصحفيين بأن أنظمة الأقمار الصناعية والرادار الأمريكية لم تُصدر إنذارًا مبكرًا بالضربة، لأن هذه الأنظمة "عادةً ما تُركز على إيران وغيرها من المناطق التي نتوقع أن يأتي منها هجوم". وقالت قطر إن أنظمة الرادار الخاصة بها فشلت أيضًا في اكتشاف إطلاق الصواريخ من قِبل الطائرات المقاتلة الإسرائيلية.
الدور السعودي والدبلوماسية الهادئة (The Saudi Role and Quiet Diplomacy)
على الرغم من أن قطر والمملكة العربية السعودية لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، تُظهر وثائق القيادة المركزية (الوسطى) الأمريكية "Centcom" الدور الهام الذي لعبته كلتا الدولتين الخليجيتين القويتين خلف الكواليس في هذه الشراكة الناشئة.
أكد مؤتمر الأمن الذي عُقد في مايو 2024 في قاعدة العُديد الجوية على زيادة التعاون، حيث أجرى المسؤولون الإسرائيليون مناقشات ثنائية مع ممثلين من كل دولة من الدول العربية مشاركة. وفي لفتة إلى الحساسيات الدبلوماسية، تضمنت المذكرة الموجهة للمشاركين بنداً بعنوان "يجب عدم القيام به" ينص على عدم التقاط صور أو توفير وصول لوسائل الإعلام.
وذكّرت ملاحظة بخط عريض أعلى برنامج الرحلة الموظفين بالقيود المفروضة على تناول الطعام للمشاركين اليهود والمسلمين: "ممنوع لحم الخنزير/القشريات".
لعبت المملكة العربية السعودية دورًا نشطًا وفعالاً في هذا التعاون، حيث تبادلت المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل والشركاء العرب حول مجموعة واسعة من القضايا الأمنية. في اجتماع عُقد عام 2025، قدّم مسؤول سعودي ومسؤول استخبارات أمريكي "لمحة استخباراتية" للشركاء حول التطورات السياسية في سوريا، بما في ذلك الدور الذي تلعبه روسيا وتركيا والقوات الكردية في البلاد. كما غطّت الإحاطة التهديدات التي تُشكّلها جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران في اليمن وعمليات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق.
📈 تطلعات مستقبلية وتحالف براغماتي (Future Aspirations and Pragmatic Alliance)
يتطلع مخططو "Centcom" العسكريون إلى تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول العربية في السنوات المقبلة، حيث تتضمن وثيقة إحاطة لعام 2024 تصورًا لإنشاء "مركز مشترك للأمن السيبراني في الشرق الأوسط" بحلول نهاية عام 2026 ليكون مقرًا للتعليم والتدريب على العمليات السيبرانية الدفاعية. ودعت وثيقة أخرى إلى إنشاء "مركز دمج معلومات" للشركاء "للتخطيط السريع للعمليات وتنفيذها وتقييمها في بيئة المعلومات".
وقال مسؤول دفاعي أمريكي سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة قضايا عسكرية حساسة، إن هذه الترتيبات والمشاركات تعكس العلاقات البراغماتية لدول الخليج العربية مع إسرائيل، واحترامها لقوتها العسكرية. وأضاف: "يبدو أنهم جميعًا يعتقدون أن الإسرائيليين يمكنهم فعل ما يريدون، وقتما يشاؤون، دون أن يُكشف أمرهم".
يبدو أن إسرائيل وحماس لم تتفقا إلا على المراحل الأولية من اتفاق السلام، تاركين أسئلة أوسع نطاقًا دون حل حول كيفية حكم غزة.
يرى المحللون الأمنيون أن دول الخليج يمكن أن تقدم دعمًا ماليًا ودبلوماسيًا لقوة دولية في غزة، لكنها ستمتنع على الأرجح عن إرسال قواتها العسكرية إلى هذه المهمة المعقدة والخطيرة.
قال توماس جونو، الأستاذ بجامعة أوتاوا والمتخصص في قضايا الأمن في الشرق الأوسط: "هناك قلق كبير في دول الخليج بشأن ما ستفعله إسرائيل إذا ما انفكت عن سياستها". وأضاف: "لكنهم في الوقت نفسه يعتمدون على الولايات المتحدة كضامن لأمنهم... كما أنهم قلقون للغاية بشأن إيران".
***
ملاحظة: تم إعداد هذا التقرير بالتعاون بين واشنطن بوست والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.
لقراءة النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. نسخة (PDF)، نسخة (PNG).