قائمة المدونة محتويات المدونة

11‏/12‏/2024

تطبيق الشريعة، وحالة العجز

معلوم في الفقه الإسلامي وأصوله أن تطبيق الأحكام مدارها حول القدرة والاستطاعة، وأن حالة الإكراه والعجز والاضطرار (المعتبرة شرعاً) ترفع الإثم لحين، وقضية تطبيق الشريعة من القضايا المركزية والمصيرية بالنسبة للأمة المسلمة، كما إنها قبل ذلك مقوم من مقومات الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فكيف يكون التطبيق مع حالة العجز؟

 كُتبت في: 30. 03. 2025

أولاً: بيان حالة العجز

واقع الأمة المسلمة اليوم هو الاستضعاف، ودخول بلدان الأمة المسلمة تحت الهيمنة الدولية، واعتبارها مجرد مناطق نفوذ للقوى الاستعمارية ـ الاحتلالية ـ الكبرى؛ فهي لا تملك قرارها السياسي أو الاقتصادي أو العسكري.. ومحاصرة من كل جانب، ومحاطة بالأعداء من كل جانب.. ومُكبلة بأغلال الأَسر:

الأسر الأول: أسر النظم الباغية المنافقة العميلة للقوى الدولية.

الأسر الثاني: أسر النظم الإقليمية التي تبحث عن نفوذ في البلدان الأكثر ضعفاً، للحيلولة دون تحررها من أسر النظم الباغية (مثل: بعض دول الخليج).

الأسر الثالث: أسر النظام الدولي المهيمن، والذي يستغل هذه النظم في إذلال وتركيع واستعباد الأمة المسلمة، خاصة في العالم العربي، قلب العالم الإسلامي ومركز نهضته الحقيقية.

ولا يخفى ما يُولده هذا الاستبداد والظلم والعدوان من تفسخ لقوة المجتمع، وتحلله، وغثائيته.

***

ثانياً: مفهوم تطبيق الشريعة

تطبيق الشريعة وإعلاء كتاب الله باعتباره له السيادة والمرجعية العليا، والاجتماع باسمه.. هو المحرر الأساس للأمة المسلمة من كل الأَسر والاستضعاف والإذلال.

أما إذا كان مفهوم هذا التطبيق هو بعض أحكام الأسرة والمواريث، أو حتى تطبيق بعض العقوبات القضائية الإسلامية (كما كان في الحالة السعودية سابقاً) فهذا لا يمثل كبير أهمية بالنسبة للنظام الدولي.. ولا يُمثل خطورة عليه إطلاقاً، وكل ما يفعله حياله هو تعزيز الوجود العلماني روحاً وفكراً وسلوكاً وممارسة وحكماً وتنظيماً وتشريعاً وإعلاماً للسخرية من أحكام الشريعة وتهوينها في نفوس المسلمين..

فلا يضر النظام الدولي أن تُقطع يد سارق فقير يسرق مئة دولار مثلاً، طالما هو مطمئن أنه يسرق مئات المليارات من أقوات وثروات الشعوب المسلمة دون أدنى رقيب أو حسيب أو نكير.

أما تطبيق الشريعة بالمفهوم الشامل الكامل لهذا التطبيق، والذي حتماً وقطعاً سيصطدم بالسياسات الدولية المهيمنة والمحتلة والمعتدية على الأمة المسلمة بكافة أشكال العدوان.. فهذه دونها الحرب الشاملة.

فمثلاً: تطبيق الشريعة في (مجال الحكم)؛ بتحقيق الشورى والرضى، وحرية الأمة، وتحريرها من نفوذ النظام الدولي، وسيادة قرارها، واستقلالها الاستقلال الحقيقي؛ مما يعتبره النظام الدولي (الصليبي الصهيوني المشرك) خروجاً عن المنظومة الدولية، والتعامل بندية حقيقية.

وتطبيق الشريعة في (مجال الحرب)؛ بتحقيق القوة اللازمة ـ كما أمر الله ـ للحفاظ على سلطان الإسلام، وعز المسلمين، والاستقلال في ذلك، والجهاد في سبيل الله من أجل هذا التحرر، فهذا يعتبر تحرراً من الأسر، وكسراً للقيود، وانطلاقة كبرى للمسلمين.. يعلم الغرب علم يقين أن هذه الانطلاقة ستغير وجه التاريخ كله، وستغير جميع الموازين الدولية. لذا؛ فهو يحسب لها ألف حساب، ويحذرها أشد الحذر، ويحاربها أشد المحاربة.

وتطبيق الشريعة في (مجال الاقتصاد)؛ بتحقيق النظام الاقتصادي الإسلامي القائم على العدل، والنظافة السلوكية والحسية، والعمل الصالح، والإنتاج المثمر، والاستهلاك المعتدل، والرحمة بالناس، والتحرر من دورة الربا العالمية، والحفاظ على الموارد والثروات؛ فهذا كله مما يرفع شأن الأمة كلها، ويراكم ثرواتها، ويحررها اقتصادياً، ومالياً، ويعزز حضورها وقوتها السياسية والقتالية.. ولذا؛ نجد النظام الدولي حريص على أن تقع البشرية كلها في شباك الربا المتوحشة التي تمزق أوصال الأمم والشعوب والنظم، وتُستعبد البشرية، ويسرق كدها وعرقها وكفاحها لصالح حفنة قليلة من المرابين.

وتطبيق الشريعة في (مجال الثقافة والتربية والتعليم)؛ باسترداد الهوية الإسلامية النقية، وتطهير العقول من لوثات العلمانية المادية الإلحادية في كل مجال، وتطهير الأدب والفن ووسائل الإعلام والتوجيه من كل الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن؛ مما يخلق الشخصية الإسلامية الحرة الكريمة الواعية، القادرة على حمل الرسالة، والشاهدة على البشرية بهذا الدين العظيم.. وهذا مما يقطع الطريق على استلاب وعي وهوية الشخصية المسلمة، بينما المراد والهدف أن يكون المسلم مسلوب الهوية وعبداً لثقافة الغرب؛ يرى فيه القدوة والمثال، والطاعة والاتباع والإحسان! وهذا كله من عوامل التحرير التي يحرص الغرب أشد الحرص على الظهور فيها بمظهر الأستاذية والتفوق الحضاري والمادي؛ ليظل المسلمون ينظرون إليه نظرة الانبهار والتقديس، مما يُبقيهم في الأسر باختيارهم!

وتطبيق الشريعة في (مجال التشريع والتقنين والتحاكم)؛ وتطهير المدونات القانونية من أي مخالفة شرعية أو ظلم بيّن أو سخافات العلمانية وأباطيلها.. وتقديم النموذج الحضاري في إنصاف المظلوم، وإحقاق الحقوق، وإدارة معاش الناس، وتنظيم تنازعهم بصورة راقية ناجزة منظمة؛ مما يزعج الغرب ويرى فيه التحرر التشريعي من قبضة وهيمنة الغرب الذي يرى نفسه في منزلة القيادة للبشرية، والذي يجب على الجميع الخضوع له، والإيمان بأحكامه وقوانينه ومبادئه.

وتطبيق الشريعة في (مجال العلاقات الدولية)؛ القائمة على وحدة الأمة المسلمة في كل مكان، باعتبارها جسد واحد يشد بعضه بعضاً، وبنيان مرصوص ينبض بالحب والولاء والنصرة لله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين، هذا الترابط الإيماني ـ الذي هو حبل الله المتين ـ وصراطه المستقيم؛ مما يحبط مخطط الغرب الذي نفذه من قديم لتقسيم العالم الإسلامي على أساس قومي ـ علماني! والذي مازال يطمع ويخطط لتقسيم المقسم وتفتيت المُفتت، وسيجد المسلم حتماً وضرورة أنه يواجه العالم الصليبي عامة، والصهيوني ـ المتمثل فيما يسمى "دولة إسرائيل" ـ خاصة..

وسيجد أن كافة العلاقات الدولية تدور حول هذا المحور، وإنَّ وجود هذا العدو الخطير الدائم العدوان في قلب العالم الإسلامي، لا يمكن معه أن تكون جغرافيا العالم الإسلامي في حالة قوة أو سلام أبداً، فهو ـ والعياذ بالله ـ كالورم السرطاني الجاثم على قلب الأمة؛ ويجب استئصاله مرة واحدة وللأبد. وإن أي مواجهة معه تستدعي النظام الغربي كله لمساندة يهود والقتال معهم. ولذا؛ فهو حريص على استلاب الإرادة الدولية للدول الإسلامية لتكون مداهنة وخادمة وعميلة ليهود وللقوى الغربية المساندة لهم (أمريكا وأوروبا)! وهذه الموالاة للعدو حكمها في الإسلام هو "الكفر البواح". ورضى الغرب مشروط بهذه الموالاة كما قال تعالى!

وهكذا إذا سرنا مع كل مجال ونشاط للتطبيق سنجد كل ما يحقق للأمة إيمانها وإسلامها لله طالما أنها تقوم به "باسم الله، في سبيل الله، ابتغاء مرضاة الله"، ويحقق لها عزتها وقوتها وسيادتها وشهادتها على البشرية، ويحقق للإنسانية جمعاء الخير والصلاح والهداية.. وسنجد على الطرف المقابل أعداء هذه الأمة، أعداء كتاب الله يريدون لها: الكفر، والفسوق، والعصيان، والشقاق، والنفاق، والضعف، والذلة، والمهانة، وقطع الطريق على إيصال كلمة الله للناس، وبالجملة "عبادة الشيطان".

***

ثالثاً: كيفية التطبيق في حالة العجز؟

إذا كنا نتحدث عن حالة الوقوع في قضبة وأسر حكم الأنظمة الباغية العميلة المنافقة الموالية ليهود وللنظام الدولي، فلا تطبيق حقيقي لشيء قبل التحرر من هذا الأسر، والخلاص منه، واسترداد وتحرير البلاد منه جملة وتفصيلاً.

وإما إذا كان نتحدث عن حالة التحرر ما بعد الخلاص من حكم هذه الأنظمة الباغية، فهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل.. وهو أولاً "طبيعة التحرر والانتصار":

ـ هل تم الانتصار بأيد المؤمنين وحدهم؛ بحيث إنهم وحدهم يملكون قرارهم ووصلوا إلى سدة الحكم بتوفيق الله، وجهاد المؤمنين وحدهم، أم هناك حسابات وتوازنات واتفاقات مع قوى النفوذ الإقليمي والدولي؟

إذا وصلوا بجهاد المؤمنين وحدهم، وامتلكوا ناصية الأمر، وتمكنوا.. فقد ارتفع القيد الأول، وبقي القيد الثاني والثالث.. وهو يحتاج أيضاً إلى "خطة تحرير" لترتفع حالة الإكراه والعجز إلى السيادة والتمكين. أما إذا تم الاكتفاء بالتحرر من القيد الأول، والاستسلام للقيد الثاني والثالث فهذه مخالفة واضحة للشريعة، وليس فيها حالة العجز أو الإكراه.

وفي حالة التحرر من القيد الأول، يحدث تدخلات إقليمية ودولية (القيد الثاني والثالث) لمنع هذا التحرر ابتداء، أو إيجاد مجال نفوذ فيه، أو إحباط تحرره بالكامل.. فيكون التحرر منقوصاً، و"التحرر المنقوص" أفضل من القيد الكلي..

صور هذا "التحرر المنقوص" تأتي في المساعدات التي تقدمها الأطراف التي مصلحتها مع هذا التحرر، صور هذا النقص تتمثل نفسها في صور المساعدة: (المساعدة العسكرية، اللوجستية، الدبلوماسية، المالية، التدريبية، الاستخباراتية... إلخ)

هذه المساعدة ـ والتي في بعض الأحيان ـ لولاها لما تم التحرر من القيد الأول، خاصة في الدول التي تتنازع القوى الدولية فيها السيادة.. تكون مساعدة في مقابل النفوذ، فلا يوجد في عالم السياسة والحكم شيء اسمه "مساعدة خيرية" من أجل الخير أو الحق أو الله ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما "شيء مقابل شيء"، "دعم مقابل نفوذ"، "دعم مقابل خدمات".

هذا التحرر المنقوص يُمثل معضلة في تحديد ماهية حالة الإكراه والعجز (من منظورها وميزانها الشرعي)، فالنقص فيه يساوي نفوذاً للقوى المساعدة، وتحقيقاً لرؤيتها وفلسفتها في الحكم وإدارة الدولة، ويضع تساؤلات عن كيفية وماهية وخطة ومدى الوصول إلى حالة التمكين الحقيقي.

فحالة الإكراه المعتبرة شرعاً، هي الحالة التي:

ـ تستنفد كل ما في وسعها لتطبيق الشريعة.

ـ التي تعمل بكل جهدها على رفع كل حالة عجز، والانتقال بها إلى حالة التدافع والتمكين.

ـ التي ترفض الرضى والاستسلام والمتابعة والشرعنة لحالة العجز، باعتبارها حالة شرعية يمكن قبولها والتعايش معها.

ـ التي تشجع على إنكار المنكر في كل مجال؛ حتى يظل المسلمون متحفزون لتغيير هذا المنكر، وعدم تطبيعه؛ فيصير المعروف منكراً، والمنكر معروفاً.

ـ الحالة التي تعمل في "صمت" ومداراة ضمن مجال عملها واختصاصها لتمكين الشريعة في كل مجال، وترسخ وجودها في كل جنبات المجتمع والدولة والنظام.

ـ استمرارية حالة الدعوة لتطبيق الشريعة، وتشبيع المجتمع بها؛ حتى تتكون القوى الاجتماعية الداعمة والرافدة لها.

فآلية التحرر من القيود هو في تطبيق الشريعة، وتطبيق الشريعة وترسيخها في كل مجال يزيد ـ بعد التحرر من القيود ـ واحداً تلو الآخر.

إضافة إلى ذلك: إن عدم وجود خطة للتحرر من القيد الثاني والثالث.. سيأتي بالسلب على حالة التحرر من النظم الباغية (القيد الأول) وربما يُسهل رجوعها مرة ثانية، فالمسلم دائماً في حالة من التدافع والجهاد، وتوقفه يعني التراجع وليس الثبات.

***

رابعاً: حالة العجز الكاذب!

هناك من يحاول التفلّت من تطبيق الشريعة بادعاء حالة من العجز الكاذب الموهوم المُخادع، تنظر هذه الحالة إلى الشريعة من خلال:

ـ التهوين من أمرها، والحديث عنها بوهن وبرود واستضعاف وذلة وتشويش.

ـ تطبيق حالة العجز الحقيقي (في مجال معين) على حالة عجز غير حقيقي (في مجال آخر) للظهور بمظهر البراءة مع قلة الحيلة!

ـ الاستسلام للنظام الدولي، باعتباره حقيقة أبدية لا يمكن مقارعتها.

ـ اختزال الشريعة في بعض الأحكام القضائية.

ـ الدندنة حول مقاصد الشريعة للتفلت من تطبيق الشريعة.

ـ الزعم بأن الوقت غير مناسب لها الآن، والظروف لا تسمح.

ـ جعل التطبيق مرحلة مستقبلية تحتاج إلى مراحل طويلة بلا خطة عمل، بل ولا نية للعمل ابتداء.

ـ استحالة التطبيق وعدم وجود تصور واضح له.

ـ تصدير النماذج الفاشلة في بعض الدول؛ لتزهيد الناس في تطبيق الشريعة.

ـ التحجج بوجود الأقليات غير المسلمة.

ـ تأطير الشريعة في قالب قومي علماني.

ـ الحديث عن التنمية والازدهار ومعالجة المشكلات كمقدمة تأسيسية للتطبيق.

ـ إرجاع التطبيق لرضى الناس، وموافقتهم.. بينما شريعة الله تستمد سلطانها من الله لا من الناس.

ـ الزعم بأن الشريعة مطبقة بالفعل، وإنها تحتاج فقط إلى بعض الرتوش واللمسات البسيطة.

سبب هذا العجز الكاذب ربما هو "التحرر المنقوص" أو "الجهل والتعصب" أو "الوهن والضعف والاستكانة" أو "المرض والنفاق".

وفي حالة "التحرر المنقوص" فإن من الحكمة بيان الحق للناس، فالرائد لا يكذب أهله، والخداع والخيانة وشهادة الزور ليست من خُلق المسلم.. إن الحديث عن عظمة الشعب، وعظمة الثورة، والاحتفالات، واللقاءات، وتقلد الألقاب، ورسم الهيئات.. باعتبار أن تحرر الأوطان قد اكتمل وتحقق النصر فهذا مما يخدع الناس، ويظنون معه "التحرر الكامل" وأنهم في مرحلة "بناء الدولة" والتنمية المستدامة والازدهار... إلخ من الوعود البراقة!

إنَّ هذا الخطاب الزائف هو تدمير للقوة الاجتماعية، وخيانة للأمانة الذي يجب أن يقوم بها المجتمع المسلم.. فأي بناء وتنمية وازدهار والعدو يحيط بك من كل جانب، ويُطوق سماءك، ويملك قوة لتدمير كل بناء وتنمية في ساعات معدودة! وقادر على الوصول إلى القيادات السياسية واغتيالها؟! وليس المقصد الامتناع من التنمية والازدهار، ولكن المقصد وضع الأمور في نصابها وعلى مواضعها الصحيحة دون مبالغة أو توهيم أو خداع النفس أو المسلمين.

إنَّ مصارحة الناس بالتحديات، ومصارحتها بالنقص، ومصارحتها بمدى وحدود وطبيعة العجز، واليقين التام بمركزية الشريعة في الحكم والاجتماع.. مما يساعد في بيان كل شيء على سواء؛ حتى نفكر ونستعد ونعمل على رفع هذا العجز، وحشد القوى للتدافع ومن ثم التمكين التام الكامل بإذن الله.

***

وإنَّ الحديث عن الحلول الجذرية الثورية المثالية ـ حيث هناك مشكلات لا يصلح لها إلا ذاك الحل ـ لا يعني التحلل من "الحلول المؤقتة والتخفيفية والتدريجية" إلا في حالة واحدة أن يكون هناك "خطة عمل" للحلول المثالية الثورية.. فإذ لم يكن هناك خطة عمل، فلابد من العمل على الحلول التخفيفية والمؤقتة..

فمثلاً: إنَّ حل مشكلة الفقر والقضاء الجذري عليها يستلزم إقامة النظام الاقتصادي الإسلامي بكل معالمه ومحدداته المعروفة.. ولا يمكن إقامة هذا النظام إلا بالقضاء على أنظمة النفاق والبغي، وإقامة النظام السياسي الإسلامي الراشد، والتحرر من الهيمنة الغربية.. فإنْ لم يكن لدينا خطة عمل محددة من أجل تحقيق هذا الهدف، ونكتفي فقط بالتبشير به والدعوة إليه، فإن ذلك لا يعفينا من الحلول المؤقتة والتخفيفية التي تخفف عن الفقراء فقرهم، والمساهمة في تحسين أوضاعهم بالإنفاق والصدقة والزكاة.

فهناك من يهرب من "مسؤولية العمل" إلى "فراغ المثالية" ويسخر من الذين يبذلون جهدهم، فلنحذر هذا المسلك.

وإنه لا يمكننا الاعتماد الكلي على الحلول المؤقتة التي قد تتحول في لحظات إلى "عامل تخدير، وربما مساعد في ترسيخ أنظمة البغي" ولا يمكن أن نظل نتحدث عن الحلول الجذرية المثالية دون "خطة عمل" فيجب الموازنة بينهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]

وقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 116]

***

ومن ثم فالمسلم يستفرغ كل جهده ووسعه في تحقيق هذا التطبيق للشريعة، كلما وجد مجالاً ومدى يمكن الانطلاق فيه انطلق بكل قوة باسم الله يرسخ حاكمية الله، وشريعته.. وكل ما استعصى عليه فإنه يحاول أبداً فيه حتى يفتح الله له أو يهلك دونه؛ فلا يستسلم أبداً، ولا يعطي الشرعية لباطل أبداً.

***

للمزيد، انظر:

مقال: معالم حول تطبيق الشريعة.