قائمة المدونة محتويات المدونة

12‏/12‏/2024

تحديات الثورة السورية

 

نجحت الحركة الجهادية بسوريا أن تقتلع أحد أعمدة الفجور والإفساد والإجرام بعد أن هيأ الله لهم أسباب النصر، وبعد ما بذلوه من إعداد للقوة، ومن جهاد طويل ـ تأخر كثيراً بفعل عوامل داخلية وخارجية ـ فكان الفتح العظيم لدمشق الحبيبة، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

لتنزيل المقال نسخة pdf، لطفاً.. (اضغط هنا)

وبهذا الفتح ـ بفضل الله ـ أخذنا الخطوة الأولى في تحقيق التمكين لدين الله في أرضه، وليس من اللائق أن يكون الحديث "قومياً ذاتياً" فنقول: "أهداف الثورة السورية" بل "ربانياً إنسانياً" فنقول: "التمكين لدين الله"؛ حتى تكون مقاومتنا وثورتنا وحياتنا لله رب العالمين، كما علّم الله ـ جل جلاله ـ رسوله الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقول: ﴿صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ[الأنعام: 162، 163]، وإنْ قيلت تجاوزاً، فلا بد من أن يكون المعنى الرباني الخالص المتجرد حاضراً في القلوب والأذهان، كما أخبرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن المجاهد ـ هو وحده ـ الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وأن العمل الصالح ـ وحده ـ هو الذي يكون خالصاً لله لا شريك له.

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول: إنَّ فتح دمشق كان هو "البداية"، وليس هو "نهاية وانتصار الثورة السورية"؛ هو البداية لأن هناك تحديات جسام عظام، ومعارك كبرى لم تأتِ بعد، ومن هذه التحديات:

1- التحديات الدولية.

فقد تلقى النظام الدولي هزيمة بسقوط كلب حراسته "بشار" فهو الذي صنع هذه الأنظمة على عينه وهو الذي حماها بكل ما أوتي من قوة، وإنْ يأتي الآن يبكي حقوق الإنسان، ويلعن كلبه.. فهذه صفاقته المعروفة، ووقاحته المنقطعة النظير.

تتلخص التحديات الدولية أن النظام الدولي ـ بشكل عام ـ لا يسمح لأحد بالخروج من هيمنته، ومن حكمه، ومن سيطرته الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.. ويحاول أن يلتف حول العالم الإسلامي خاصة ـ والدول الضعيفة عامة ـ من أجل إحكام قضبته الوحشية، باسطاً هيمنته الثقافية والفكرية والتربوية والاقتصادية والعسكرية والسياسية على نظام الحكم والمجتمع بكل أطيافه، ولا بد أن تكون القيادة السورية واعية لهذه التحديات التي لطالما حذرنا منها القرآن الكريم ـ وهو يربي الأمة المسلمة ـ ويُعرّفها طبيعة أعدائها؛ فالغرب في حالة قتال دائم، وعداء مستمر، ووحشية مجرمة للأمة المسلمة عبر التاريخ، كما قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ[البقرة: 120] ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 217] والملة هنا قد تعني الديانة، وقد تعني الطريقة ونمط الحكم والحياة.. وأيضاً بالمعنى القرآني الدخول في "دين المَلك". فالغرب لا ينخدع بالمداهنة، ولا بطلب السلم معه.. فهو محارب لنا على كل صعيد، مهما كنا مسالمين مستضعَفين مستسلمين مُستذّلين.

وللغرب وقاحة عجيبة لم يعرفها التاريخ من قبل، فهو كمن يرتدي الثياب الأنيقة المُهندمة، ويلبس ساعته الفخمة، ويضع عطره المفضل، ويرطن بكلام منمق ومعسول عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وتمثيل المجتمع، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات.. ويظل يتكلم عن الحقوق والحريات.. ثم تراه فجاءة يلتفت إليك، ثم يضع السكين على رقبتك ويقول لك: من فضلك، لو تسمح، من بعد إذنك، أنا آسف.. سوف أذبحك من الوريد إلى الوريد! ولطفاً لو تسمح: لا تصرخ أثناء الذبح، ولا تنثر دمائك على ملابسي الأنيقة فعندي ـ بعد ذبحكم وإبادة قومكم وقتل أبناءكم واغتصاب نساءكم وسرقة ثرواتكم ـ مؤتمر هام وعاجل عن حقوق الإنسان والمرأة والأقليات، ودور المجتمع المدني في ترسيخ السلم الأهلي، وعملية التحول الديمقراطي في الدول النامية!!

هذا هو الغرب المتوحش المجرم الذي يظهر في الثياب الأنيقة والكلمات المنمقة ومساحيق التجميل التي تخفي حقيقة توحشه وإجرامه عبر التاريخ كله. ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[البقرة: 105] 

ولذا إن أمور "السياسة الخارجية" من (المدارة، والموازنة، والدبلوماسية، وتبادل المصالح) لا يجب أبداً أن تجعلنا نغفل عن "خريطة العدو" و"طبيعة العدو"، و"إعداد العدة لهذا العدووالحذر الشديد من هذا العدو..

وإنه لا أحد يطلب من القيادة الجديدة أن تعلن العداء لكل أحد، ولا أن تمتنع من أن تستقبل أحد ممن يأتيها.. ولكن أن تكون على حذرها الشديد، وعلى وعيها الرباني، فإنها إن تخلت عن حذرها استخف بها الذين لا يوقنون: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ[الروم: 60] وإنها إنْ تخلت ـ والعياذ بالله ـ عن وعيها الرباني مال عليها عدوها ميلة واحدة: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً[النساء: 102] وأن تبصر واقعها كله بنور الكتاب: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[المائدة: 15-16]

وإنَّ الغرب يحاول أن لا يسمح لأي دولة من دول عالمنا الإسلامي أن تستقل أو تدير أمورها، ويريد الغرب أن يملي شروطه، وتلتزم بمحدداته، وتدور في فلكه.. وسيلعب على كل المحاور والأدوات الممكنة، سيلعب على محاور:

ـ الأقليات سواء (العلويين، الأكراد "العلمانيين منهم"، الشيعة، الدروز، المسيحيين).

ـ المجتمع المدني "العلماني".

ـ حقوق المرأة (من وجهة النظر العلمانية).

ـ ترسيخ الولاء القومي العلماني كوحدة جامعة، ومحاولة طرد كل ما هو غير سوري.

ـ التمثيل الديمقراطي والانتخابات والدستور (الذي يضمن وجود العلمانية، ويَحول دون سيادة وحاكمية الإسلام).

وسينتظر "الأفعال" لا "الأقوال"! وسيزن الأفعال بميزان دقيق، وسيطلب المزيد والمزيد! وسيراقب عن كثب بهذه الأدوات طريقة إفشال وإرباك كل محاولة ـ مهما كانت بسيطة ـ للتمكين لدين الله في أي مجال أو مكان، حتى ولو كان مجالاً فرعياً لا يلتفت إليه أحد! وسيدعم كل من يحقق له خططه، ويساعد في عملية التخذيل والتفشيل والإرباك؛ سيدعمهم الدعم المادي واللوجستي والإعلامي والسياسي والعسكري إن لزم الأمر.. وكل هذه تحديات أمام القيادة الجديدة. ونسأل الله ـ جل جلاله ـ أن يشغل الغرب بأنفسهم، ويرد كيدهم في نحورهم.

وإذا نحن في جانب "التحديات الدولية" فلا بد من الحديث عن رأس حربته ودرة تاجه "دولة يهود" ـ لعنهم الله ـ إنَّ هذه الدولة هي رأس الحربة في العدوان على الأمة المسلمة، هذه الدولة لا تعرف السلام ولا تريده؛ فسلامها حرب، وحربها دمار وخراب.. لا تفتأ في قتالها للأمة المسلمة منذ ميلادها على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا! فطلبك للسلم معها غير ذات جدوى، فاليهود لا يعرفون السلام، وطبيعتهم وجبلتهم مطبوعة بالعدوان والإفساد في الأرض، والمكر والخيانة، وهي على حدود سوريا الحبيبة.. ولا بد من أن يكون للقيادة الجديدة رؤية في مواجهة هذا الخطر الداهم، الذي يهجم على حدود سوريا ـ المعترف بها دولياً ـ ليستبق الأمر. وتعرف أنها مواجهة لا مفر منها أبداً، بل هي مواجهة لا مفر منها مع الأمة المسلمة كلها ـ خاصة في محيطها العربي، إنَّ مشروع دولة يهود لا يقتصر على أرض فلسطين.. بل يمتد ليشمل المنطقة كلها، وهي بلاء مضروب على الأمة المسلمة، لينظر الله ـ وهو العليم المحيط بكل شيء ـ كيف نعمل؟ ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[الأعراف: 129] [وقد توسعت ـ بفضل الله ـ في درس "العداء السياسي" ص 647 من كتاب: "العقيدة السياسية" ما لا داعي لتكراره هنا؛ فليرجع إليه من شاء.]

وأمر آخر جدير بالبيان: إنَّ إخواننا في غزة قد خذلهم العالم السني كله ـ وإنا لله وإنا إليه راجعون! ـ ووقفت إيران وأذرعها لدعمهم! وسبّب هذا الأمر فتنة لدى البعض! كما إن نظام اللعين بشار كان يدعمهم هو الآخر على حد تصريحات قيادات حماس! وقد بدت إشارات تفيد بتخلي قطر وتركيا عن استضافة قيادات الحركة، وقيل إنها تبحث عن مكان في "ماليزيا"! فيجب على القيادة الجديدة أن تنظر في كيفية دعم إخواننا في غزة بما يستطيعون، وحتى نرفع الإثم عن عالمنا السني الذي خذلهم على كل صعيد!

وإننا كمسلمين نطمع عندما نجد أرضاً تم تحريرها من كلاب الحراسة، ونأمل أن تكون هي الملاذ والأمن في ظل شعوب إسلامية مقهورة مسلوبة الإرادة والفعل ـ وما أُبرئ نفسي ـ واقعة تحت يد سجان خائن لدينه ووطنه وأمته.. كما هو حال الأنظمة العربية!

نأمل أن يكون هناك دعماً ـ ولو تواصلاً ـ يعبر عن روح التضامن والأخوة ووحدة الدين، والمصير، والأرض.. ففلسطين هي أرض الشام أيضاً. وحتى لا يتحدث الناس أننا خذلنا إخواننا في فلسطين بعد فتح دمشق!

ونؤكد على: إنَّ المدارة والمداهنة ووعود السلام والتعايش ـ وكل التنازلات مهما بلغت حتى ولو وصلت حد الانسلاخ ـ لن تمنع عداوة الغرب، ولا حرب يهود، ولا الإجهاز على أي حركة تريد حاكمية وسيادة الإسلام، أو حتى حرية الأوطان.. فحتى تنال الرضى لا بد من أن تكون "كلب حراسة" تنفذ ـ دون نقاش ـ ما يقوله السيد، وتأكل ما يقدمه لك دون اعتراض.

ولا يصح أن تظهر "الثورة السورية" أنها كانت مجرد إحباطاً للمخطط الإيراني الخبيث فحسب. فهناك مخططات أمريكية تستهدف تقسيم سوريا، وإفساد المنطقة كلها، وهناك مخططات يهودية تستهدف أرض سوريا، وهناك مخططات عربية صهيونية تستهدف وأد كل حراك للشعوب للتحرر من هذا الأسر.

ونؤكد على: إننا لا ننصح أن تتحرك القيادة الجديدة خارج مدى طاقاتها وقدراتها.. ولكن نطلب أن تكون واعية لكل المخططات، وتعد العدة للجهاد الأكبر لمواجهة كل هذه المخططات. وعليهم الحذر من الاسترسال في إكراهات وإلجاءات وضرورات السياسة؛ فيجدون أنفسهم يفقدون ـ مع الوقت ـ مبادئهم وغاياتهم وأهدافهم الكبرى.

***

2- التحديات الإقليمية

تتمثل التحديات الإقليمية في الدول التي حاربت الثورات العربية حرباً لا هوادة فيها، ورأت في ثورات الربيع العربي نهايتها؛ فحاربتها بكل ما أوتيت من قوة وعلى رأس هذه الدول: نظام (الإمارات، والسعودية، ومصر)، فقد دعمت الإمارات والسعودية الانقلاب العسكري الذي قضى عن تجربة الإخوان المسلمين بمصر! وكانوا هم الراعي الرسمي لكل المجازر التي وقعت في مصر، والتي كانت قريبة إلى حد بعيد إلى ما فعله اللعين بشار.. بل إن نظام الإمارات كان يحاول دعم بشار وتلميعه وإعادة تدويره حتى اللحظات الأخيرة قبل سقوطه!

ومرة أخرى إننا لا ننصح القيادة الجديدة إعلان العداء مع هذه الأنظمة أو قطع العلاقات معها.. ولكن أن تعرف أنها لا تتعامل مع "أشقاء أو إخوة" بل تتعامل مع "خونة" لدينهم وأوطانهم وأمتهم. وإن اقتضت الظروف والأحوال وإكراهات الواقع واضطرارات السياسة على هذا التعامل السياسي فلا يعني ذلك شعور "الاطمئنان" لهم؛ فمجرد أن تشعر بالاطمئنان فهذه نهايتك والعياذ بالله!

هذه الأنظمة كانت تتآمر على الثورة السورية من يومها الأول، ويزداد حنقها وتشعر بالخطر الشديد أن جاء جهاديين إلى سدة الحكم! وإن نظامي الإمارات والسعودية يتمتعان باللياقة السياسة والمرونة، واستخدام ورقة المساعدات المادية والإنسانية في ترويض السياسيين المعارضين.. بينما النظام المصري يتمتع بالغباء والهوس بحصول ثورة أخرى بمصر؛ فيتعامل كالثور الهائج.. وكل هذه تحديات تضع القيادة الجديدة أمام كيفية التوازن السياسي، وكيفية النجاة من فخاخ الخائنين وأئمة النفاق وشياطين الإنس.

كما تملك هذه الأنظمة نفوذاً إعلامياً قوياً ومراكز أبحاث سيحاولون من خلالها تفكيك وخلخلة منجزات وثمرة الجهاد، وسيرصدون الملايين من أجل ذلك، وسيزيدون من المساعدات ليكون لهم موطن قدم في الشر لا الخير، وفي الخيانة لا الأمانة، وفي الغدر لا الوفاء.. فالحذر الحذر ممن خان الله ورسوله وحارب دينه، وعادى أولياءه.

ومهما بعثت برسائل اطمئنان أنك لن تصدر الثورة السورية لأحد، وأنك لا تمثل أي خطر على أي أحد، وحتى لو تخليت عن حقوق الأخوة أنك لن تستضيف أحد ممن يعارض هذه الأنظمة، وحتى لو اعتقلت لهم المعارضين ـ والعياذ بالله ـ ستظل بمجرد وجودك، وبمجرد نجاحك خطراً يتهددهم، ولعنة عليهم تستوجب استئصالها. ولقد كان الرئيس مرسي ـ رحمه الله ـ من أكثر الناس ليناً وتجاوزاً ومدارة ومداهنة.. ومع ذلك تآمروا عليه، وقتلوه، هو وأهله وأبناءه وجماعته ومن يواليهم ويؤيدهم.. ووقعت مصر كلها في أسر أئمة النفاق وشياطين الإنس!

وأما بخصوص تركيا ـ بحكم الجوار الإقليمي ـ فقد كانت من أسعد الناس بنجاح الثورة لأمرين:

الأول: القضاء على الخطر الكردي العلماني المتمثل في إنشاء دولة كردية مدعومة يهودياً وأمريكياً.

الثاني: حل مشكلة اللاجئين السوريين بتركيا، الورقة التي تلعب بها المعارضة العلمانية.

ولعل تركيا قدّمت دعماً دبلوماسياً ولوجستياً واستخباراتياً لإنجاح عملية فتح دمشق.. لكن يجب الحذر من أمرين:

الأول: إن تركيا متقلبة المزاج، وتتحرك وفق مصالحها الوطنية بصورة براجماتية.. فالتعامل بحذر ضروري، ومحاولة الاستفادة من وجود حزب العدالة في الحكم خلال الثلاث سنوات القادمة في بناء الجيش السوري الجديد بأسلحة نوعية، ونقل التقنية والخبرات العلمية بأسرع وقت ممكن، فلا وجود للمشروع الإسلامي والأمة المسلمة الحرة إلا بمعية الله وتأييده لعباده المخلصين، وإلا بالقوة اللازمة التي تحميهم من شر أعدائهم؛ فأعدوا ما استطعتم من قوة. ولا تلتفوا كثيراً لنصائح تركيا فيما يخص التمكين لدين الله، وتحكيم شريعته. (انظر مقال: "أوجه الفشل في التجربة التركية"، ودرس: "ماذا يعني تحكيم الشريعة؟ ص 477 من كتاب: "العقيدة السياسية")

الثاني: لو حصل أن تسلط العلمانيون على حكم تركيا ـ والعياذ بالله ـ فسيكونون لكم أعداء، وسيبسطون إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء، فهم منافقين خُلص، قبلتهم الغرب، وربهم أتاتورك اللعين. فأدركوا أنفسكم ووقتكم. ونسأل الله أن تظل تركيا ظهيراً ونصيراً لكم. ولكن يجب الاستعداد لكل الاحتمالات.

***

3- التحديات الداخلية

تتمثل التحديات الداخلية في:

ـ الخائنين من الأقليات.

ـ بقايا النظام اللعين، والعلمانيين.

ـ الشعب غير الواعي.

أما الخائنين من الأقليات: فهم الذين يسعون فساداً إما لحقدهم الطائفي، وإما لاستقوائهم بالغرب الذي يَتمَندل بهم؛ ليخترق نظم الحكم، ويتخذهم ذريعة للتدخل وفرض العقوبات، وإملاء الشروط... إلخ. [وقد توسعت في درس: "بطانة الخيانة" ص 709 و"الخداع السياسي" ص 681 في كتاب: "العقيدة السياسية" ما يغنينا عن البيان هنا.]

وغني عن البيان أن الإسلام وشريعته كفلت حقوق جميع الأقليات المسالمة، بل أمر بالبر والقسط معها.. ولكن ذلك لا يعني أن يتساوى الإسلام مع غيره من الأديان. بل الإسلام يَعلو ولا يُعلى عليه، وكلمة الله هي العليا.

وأما بقايا النظام اللعين: فهم الذين يحاولون إفشال كل محاولات الإصلاح، والتنمية، وإشعال الفتن، وإثارة الناس، فأنتم أعلم بهم.

وأما العلمانيون: فهم الخطر الداهم والكامن في مفاصل الدولة والمجتمع، وخطورتهم بالغة.. فسوف يسعون في تشكيل أحزاب وجماعات وهيئات ونقابات وقنوات إعلامية ومراكز أبحاث، وسيجدون كل دعم، وسيحاولون إفساد الدعوة إلى الله.. وفي المجتمع سماعون لهم، ومقتنعون بكلامهم! سيبدؤون بالكلام عن ضرورة المشاركة، والمجتمع المدني، ومدنية الدولة، والدولة القومية، وسوريا للسوريين، والدستور المدني، والتعددية، وهيا بنا نتحاور، ونتناقش، ونتشاور.. وسيندفع بعض الغيورين ضدهم، وسيتخذون من تشنجه وسلوكه وسيلة للطعن في الدين، ثم ضرورة المشاركة السياسية في الحكم، وفي الإعلام، وفي الصحافة، وفي الفن، وفي الأدب... إلخ، ثم محاولة تمثيل جانب المعارضة، ثم المطالبة بالحكم في النهاية. [وقد توسعت في درس: "دين العلمانية" ص 240، والدولة الإسلامية القديمة" ص 332 من كتاب: "العقيدة السياسية" ما لا حاجة لتكراره هنا.]

وأما بعض الشعب غير الواعي: فهو الذي يظن أن الثورة السورية نجحت وانتصرت هكذا، وهم الآن في مرحلة حصاد الثمرة.. وعندما تتأخر الثمرة أو لا تأتي سيبدأ هذا الشعب في التململ، والضيق، والانقلاب على سلطته الحاكمة! بل وإذا أتت الثمرة سريعة إلى أيديهم.. طلبوا المزيد والمزيد، وعند العجز سيشعر بالضيق وربما الانقلاب على سلطته، فالحرية ـ وإن كانت أسمى قيمة للإنسانية بعد التوحيد ـ فهي عندما تُعطى بعد حالة من القهر الطويل، ومعاناة لأمراض الاستبداد قد يُسيء استخدامها، أو يخدعه مخادع لينقلب على سلطته التي حررته!

ونتوقف هنا قليلاً: لا بد من سرعة إعادة بناء الإنسان المسلم، وتنمية وعيه بصورة ربانية؛ ليكون ردءاً لسلطته الحاكمة، وموجهاً لها نحو الرشد.. وتنمية الشعور باليوم الآخر، ووعد الآخرة، وبسط الرحمة والعدل بين الناس كلهم.. حتى يتماسك المجتمع أمام جميع التحديات التي تواجهه، والتي حتماً سيواجهها.

ليس من الصحيح إطلاق وعود الرفاهية الاقتصادية للناس.. هذه ليست مهمة السلطة المسلمة، إنما مهمتها ـ ومسؤولية المجتمع كذلك ـ التمكين لدين الله في الأرض، وتحقيق منتهى الرحمة، والعدل، والقسط بين الناس تحقيقاً تراه الأعين، وتلمسه الأيدي، وتلحظ أثاره العقول.

إنَّ كثيراً من الناس يظن ـ خاصة بعد الثورات ـ أن هدف الثورة أن ترفع من مستواه الاجتماعي والمادي، وأن تحقق له الرفاهية الحياتية، ويطلب من القيادة الجديدة سرعة تحقيق ذلك، وأي قيادة تنزلق إلى هذه المطالب الشعبية ـ والتي تبدو مشروعة ـ ستجد نفسها في النهاية تلهث وراء سراب نهايته سخط الناس مهما حققت لهم!

وإننا لا ننصح القيادة الجديدة ـ في سوريا ـ إهمال حاجيات الناس وضرورة معاشها.. كلا! بل هو مطلب شرعي إسلامي، وواجب عليهم التفاني في تحقيقه. ولكن نطلب أن يكون "الولاء" ليس على أساس الحاجيات والرفاهية الاقتصادية بل على أساس "نصرة الدين" وإعلاء كلمة الله، وانتظار العوض والجزاء عند الله، طالما ليس هناك من محاباة ولا تمييز.. حتى إنْ وقع ابتلاء بنقص الحاجيات والرفاهيات وجدت مجتمعاً يقف معك لا ضدك، مجتمع يصبر على البلاء، ويرجو ما عند الله.

وليس أعظم من القرآن الكريم في تربية النفس والمجتمع.. فانشروا دعوة الله، تكن لكم وسادة أمان، وترفّعوا عن الخلافات الفقهية والمذهبية، وإعلاء روح الأخوة الإيمانية، والدعوة العالمية الرسالية، يكن لكم الائتلاف القلبي الذي يشد المجتمع بعضه بعضاً.

***

هذه هي التحديات التي أراها تواجه ليس الثورة السورية فحسب، بل كل ثورة ستقع في عالمنا الإسلامي.. والذي أراه فيما يجب العمل عليه من محاور دون تأخير أو تردد:

المحور الأول: القتالي الجهادي.

وفيه بناء الجيش القوي، المتمكن، وتسليحه بكل ما يستطيعون من أسلحة، ونقل وتوطين الخبرات العلمية المتميزة، والتركيز على وسائل الدفاع الجوي لمواجهة الطائرات الفرط صوتية التي تقصف وتهرب ولا قدرة على مواجهتها، والاستعداد للمعركة الحتمية مع يهود. وأقوى سلاح هو تصحيح العقيدة القتالية للجيش ليكون: "في سبيل الله".

المحور الثاني: الاستخباراتي.

وفيه بناء جهاز استخبارات قوي، يحفظ الدولة من كيد الفجار، ومن مكر الأشرار. ويكون عوناً للقيادة في اتخاذ قراراتها، ويحاول نقل الخبرات من دول أمينة معه، ويحذر من الدول الخائنة. ويعمل الجهاز على حماية القيادة الجديدة من محاولات الاغتيال والانقلاب والاختراق. [انظر درس "التجسس السياسي" ص 665 من كتاب: "العقيدة السياسية في التصور الإسلامي"].

المحور الثالث: تأمين المجتمع من غدرة العلمانيين، وخونة الأقليات.

تكثيف الدعوة إلى الله في كل مكان، وحارة، وحي، وبلدة ببرنامج دعوي متميز وراق.. وبناء الإنسان الرباني المستقيم، وإفهام الناس مسؤوليتها الفردية والاجتماعية تجاه دين الله؛ حتى تتحرك لنصرة الدين، وتكون عوناً للقيادة الراشدة لا عبئاً عليها، وحتى تحبط بإيمانها وتقواها مكر العلمانيين، والذين يريدون فتنة المجتمع عن دينه.

المحور الرابع: تأمين معاش الناس وسبل حياتها.

بإشاعة الحق والعدل والبر والقسط والرحمة بين الناس، فلا محاباة في دين الله.. وإقامة علاقات تجارية متوازنة، مع بناء احتياطي كبير من الذهب، وإصدار عملة شرعية؛ تحفظ جهد الناس وثرواتها. والاهتمام بمنظومة التعليم والصحة.

المحور الخامس: الإغاثي الخيري.

بالرفق بمن عضتهم الحرب، وفقدوا ذويهم أو انتهكت إنسانيتهم.. بعمل برنامج إغاثي لهم على المستوى النفسي والمادي؛ والنفسي ينطلق من أسسه الإسلامية لا العلمانية، والمادي بما يكفل لهم الحياة الكريمة.

المحور السادس: التحرر الكامل.

العمل على تطهير الأراضي السورية من أي قواعد أمريكية أو روسية أو إيرانية أو أوروبية.. فكلها تكن العداء السافر القبيح، ولا صديق لهم منها، والعمل على تفكيك المشروع العلماني الكردي بمساعدة تركيا إن أمكن، وما يتبعه من تفكيك للقواعد الأمريكية، وغيرها من القواعد، والتمسك بوحدة الأراضي السورية لإحباط أي مخطط للتقسيم على أساس طائفي.

المحور السابع: محور التضامن والأخوة.

التضامن مع أهلنا في غزة، ولو بالدعم المعنوي، ورفع معنوياتهم، ولتكن سوريا الجديدة هي صوت أهل السنة لأهلنا في فلسطين. والنظر في إمكانية الدعم المادي العسكري بما يستطيعون.

المحور الثامن: ملف الأقليات.

كفالة حقوقهم من جانب، وتحذيرهم من الفتنة من جانب آخر. ومنع أي تدخل غربي يستخدمهم كوسيلة لتقويض الحكم والمجتمع.

المحور التاسع: الاستعداد للعقوبات الدولية.

بناء الاقتصاد على أساس أنه ستكون هناك عقوبات دولية على سوريا، طالما فيها نظام حكم يسعى لتمكين دين الله في الأرض، أو يسعى في حرية أوطانه وكرامة شعبه، هذه بديهية يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل سياسي وكل مسلم سواء في سوريا أو خارجها. ومحاولة توطين ما يمكن توطينه.. واكتساب مهارات الالتفاف حول هذه العقوبات كلما أمكن.

المحور العاشر: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا.

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[المائدة: 55-56]

إنَّ الله ناصر دينه، ومعز جنده، وممكن لدينه.. ويا لفوز من يختارهم الله ـ جل جلاله ـ ليكونوا ستاراً لقدره وقدرته، ومن يظن أن للمسلمين أولياء غير الله ورسوله والذين آمنوا، فإنه يحل قومه دار البوار. تمسكوا بدينكم بكل عزة، وخذوا الكتاب بكل قوة، واحذروا الدنيا، واجمعوا خيرة العلماء والخبراء المسلمين في كل مجال ليكونوا عوناً ـ بعد الله ـ لكم، ودوروا مع الكتاب حيث دار.. وتذكروا وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" [صحيح البخاري/ 4015]

وإنَّ المسلم لينجح في ابتلاء الشدة، حيث لا محيص عن الصبر. بينما في ابتلاء الرخاء قد تغره الدنيا، وقد يفتنه الجاه والسلطة.. فيتحلل شيئاً فشيء، ثم قد تجده نفسه قد انسلخ من آيات الله، فيا لها من خسارة. [انظر درس "الذئبان الجائعان" ص 449 من كتاب: "العقيدة السياسية"]

وإنَّ الغرب الحاقد قد يسمح ببعض المظاهر الإسلامية هنا وهناك، وقد يبتلع ـ على مضض ـ بعض الممارسات، لحين إعداد العدة، وإحباك الخطة ليقضي على النظام الإسلامي من قواعده.. فلا يغرنكم تغافل الغرب ـ فهو عدو طويل الصبر، كبير المكر والدهاء، عارف بما يريد، ويتدرج للوصول إليه من أي طريق، وبأي وسيلة. وقد يفرح بعض الطيبين ببعض المظاهر الإسلامية، ويرى فيها التمكين للإسلام.. وهذا تصور متسرع، تلعب به الأماني، فالله الله أن لا تتحول إلى "سعودية" أخرى ـ كنظام ـ كان ظاهره الإيمان والتقوى، وبطانه الخيانة والنفاق..

فالطريق للتمكين لدين الله في الأرض لهو جهاد كبير ممتد يحتاج إلى صبر ومصابرة ومرابطة مستمرة.. ويحتاج إلى ترسيخ الإسلام في النفس كلها، والمجتمع كله، والدولة كلها.

***

نسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ لإخواننا في سوريا التمكين والنصر والثبات على الحق، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظهم من كيد أئمة الكفر والنفاق.. اللهم آمـــين.

***

كُتب في: 09 – 01 - 2025

***

للمزيد:

ـ كتاب: العقيدة السياسية في التصور الإسلامي.

ـ بحث: ما بعد طوفان الأقصى.

ـ مقال: أوجه الفشل في التجربة التركية.

ـ مقال: ميلاد الثورات العربية.

ـ مقال: البناء في الدولة المسلمة.

ـ مقال: منظومة القيم في الدولة المسلمة.

ـ كتاب: أمراض الاستبداد – الجزء الثاني.

ـ مقال: العملة الشرعية.. والربا.

ـ الموسوعة الإنسانية.

***