قائمة المدونة محتويات المدونة

14‏/11‏/2014

مأساة مجتمع

زينب.. مأساة مجتمع!
ليس من عادتي التعقيب على حوادث فردية.. أو تناول أحد بشخصه، بل أحاول التركيز على "الفكرة" التي تهم القارئ! والتي يمكن أن ينتفع بها.. ونحن الآن أمام حالة "انتحار" لفتاة في عمر الزهور! مأساة كبيرة لم  أُقدم على الكتابة فيها.. إلا لعلمي أنها مأساة موجودة في كثير من نفوس معذبة مقهورة.. ومأساة وجريمة مجتمع.. وأناس اشترت بآيات الله ثمناً قليلاً، وباعت دين الله.. بـ لا شيئ! فوجب البيان.. حتى نفهم لماذا وقع ذلك؟ وحتى لا يتكرر ذلك؟ ونتخذ من زينب - رحمها الله - عبرة وعظة.. عسى أن يستفيق المجتمع أو يتوب المجرمون !
زينب: درست في جماعة الأزهر.. كلية الدراسات الإسلامية - قسم اللغة العربية.
تقول عن هدفها: "المساعدة في بناء مجتمع مدني  قوي، وذلك من خلال العمل المجتمعي في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية، والمشاركة في مراقبة  الانتخابات البرلمانية  والرئاسية التي تبني جزء كبير من المجتمع المدني والأنشطة النسوية التي تنهض بالمرأة المصرية على المستوى السياسي والإنساني".
تقول عن نفسها: "تعبت .. استهلكت .. ومفيش فايدة .. كلهم ولاد كلب .. وإحنا بنفحت في ماية .. مافيش قانون خالص هيجيب حق حد .. بس إحنا بنعمل اللي علينا .. أهه كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا في المراية من غير ما نتف عليها .. مفيش عدل .. وأنا مدركة ده .. ومفيش أي نصر جاي .. بس بنضحك ع نفسنا عشان نعرف نعيش".
يقول معارفها عنها: "اشتكت من ردة فعل أصحابها لما خلعت الحجاب .. اشتكت لي من كلمة كافرة اللي اتقالت لها مليون مرة مع كل صورة كانت بتنزلها لنفسها .. كانت بتقول عن حاجات كتير إنها مش مقتنعة بيها .. كانت بتقولي عايزة أقتنع .. مش مقتنعة"!
"قالت لي مرة إنها نفسها تحضر درس ديني زي زمان مع صاحبتها .. بس هما مش هيقبلوها خلاص من بعد ما خلعت الحجاب .. دول بطلوا يسألوا عليها .. يبقي هيقبلوا بيها وسطهم!؟"
"نزلت اعتصام رابعة قبل الفض بـ 3 أيام .. ما كانتش مقتنعة بالاعتصام ولا بمطالبه .. بس نزلت عشان الناس ما تموتش .. قالت بالنص: أنا نازلة عشان تبقوا كتير .. عشان ما نسيبكمش لوحدكم .. عشان الميدان يبقي مليان ومجدش يقدر يفضه بالعافية.." ا.هـ
أنا لن أتكلم عن زينب وهي في ذمة الله.. الرحمن الرحيم الحكم العدل، الذي يضع الميزان، وهو سبحانه أعلم بما في قلوب العباد.. ويحكم لا مُعقب لحكمه. ولا هذا المقال لتقييمها - والعياذ بالله - ولكن لتقييم صورة وفكر وحال المنحدر الذي وصله المجتمع، ومدى الجريمة المرتكبة في حق الإسلام وصراط الله المستقيم.. وإنما نستأنس بكلامها.. لأنه حال ملايين الشباب.. لا سيما البنات اللواتي تأكلهم حيرة الجاهلية والعلمانية، ولهذا أكتب عسى أن يدرك الشباب هول المتاهة التي أدخلتهم فيها ما يسمى الحركة الإسلامية.. والعلمانية على السواء فيكاد جريمة الاثنين متساوية.. وإنا لله وإنا إليه راجعون !!
انخدع ملايين الشباب بدعوى الحركة الإسلامية وعلى رأسهم الإخوان، والسلفية الطاغوتية العلمانية.. وانخدع ملايين غيرهم بدعوى العلمانية الجاهلية المتطرفة منها والمعتدلة.. وانخدع ملايين غيرهم بمن يحاول الجمع بين صورة مزيفة للإسلام.. وبين العلمانية في نقطة مستحيلة !! هذه هي المأساة.. وهذه هي الحقيقة !
ظن الشباب - ومازال - أن هناك شيء اسمه مجتمع مدني قوي، وانتخابات، ومراقبة الانتخابات... إلخ.
ظن الشباب - ومازال - أن هناك حركة إسلامية حقاً تقف لتدافع عن الإسلام من أجل الإسلام.. إلخ.
ظن الشباب - ومازال - أن هناك حركات علمانية ليبرالية ديمقراطية تدافع عن حقوق الإنسان، وتنهض بالمجتمع...إلخ.
ظن الشباب - ومازال - أنه يمكن الحصول على الحقوق من خلال النضال القانوني، والمدني، والسلمي، والثورات، والانتفاضات، والتظاهرات... إلخ.
غرق الشباب في عمق التيه البعيد.. ويتمزق، ويتقطع بين دوافع شتى.. تارة ينخرط في الالتزام بقوة، ثم يشعر بالضغط الرهيب من المجتمع الجاهلي.. فيروح يخلع نفسه من الالتزام.. ثم يعيش في حالة من "الصراع" واللوم الذاتي المستمر.. يجذبه المجتمع تارة، والتدين تارة.. ويشعر بحالة من الاغتراب والحيرة وعدم الاتساق وعدم الانسجام والتناسق بين المعتقد والسلوك..!
تارة ينخرط في الجماعات الإسلامية.. ويعيش حلم دولة الإسلام، ثم يكتشف مجموعة من "الدراويش والمخترقين والخونة والعملاء والبلهاء" لا تصلح لقيادة جمعية خيرية فضلاً عن أن تصمد في "حرب عالمية" أمام أكبر أجهزة الاستخبارات فكراً وعملاً! يستقذر هذا الجو العفن الممتلئ بالعصبية الجاهلية، والرعونة، والبلادة، وتقديس الذات، وتقطيع الدين حسب الأهواء، وتغيير الفتوى الواحدة حسب الحاجة.. ثم يدعي هذا الوسط في نفسه القداسة والعفاف! وتارة ينخرط في مستنقع العلمانية القذر المنحط.. الذي يدعي الحرية ولا حرية سوى حرية المصلحة والجنس والمال والمكانة، ويستحيل أي صاحب فطرة نقية أن يعيش في جوها العفن سواء العلمانية الليبرالية أو الاشتراكية.. ثم يدعي هذا الوسط في نفسه الواقعية والاستنارة! وتارة يبحث عن التوافق بين من يدعي الإسلام، ومن يدعي العلمانية.. ليحاول الاتساق في هذا المجتمع المتناقض المتهالك عقيدياً وفكرياً ونفسياً.. وتفشل المحاولة دوماً.. ويستغرق اكتشاف الفشل.. عمراً طويلاً ربما يأخذ الحياة كلها.. وربما يأخذها ولا يكتشف أحد الفشل !!
هذا الشباب ثروة عظيمة في مستنقع قذر.. كله طاقة وحيوية وإخلاص وعمل وحركة.. فقط كل المطلوب هو إزالة القذارة الفكرية عنه، وكشف مسلسل العبث به بكل شجاعة، وإقدام، وإصرار..
هذا الشباب.. يريد الشعور بالذات.. يريد دفع الظلم.. يريد المكانة العلية، ولا يقنع بالفتات.. يريد توظيف طاقاته.. يريد أن يترك بصمة طيبة في الحياة.. ولكن تتخطفه شياطين الإنس التي احترفت المتاجرة بآلام وأحلام وآمال الشباب..
هذا الشباب - بمصر وحدها - يصل تعداده إلى ما يقرب من 20 مليون شاب.. يستطيع أن يهدم العالم كله، ويبنيه من جديد لكنه ممزق بين: أوهام المخدرات والجنس، وأوهام المشايخ الدراويش ومشايخ المخابرات الحربية وأمن الدولة، وعبث مسؤول الجماعة الذي يعيش خارج الزمان والمكان، وأوهام العلمانية، وأحلام حقوق الإنسان.. والحق والعدل !! فلا تجد لهذه الملايين قيمة أو أثر أو حياة ! هذا هو الانتحار المتواصل منذ أمد.. هذا هو انتحار الروح من قديم.. هذا هو انتحار الشباب.. فيعيش الشباب بروح الهِرم ! فتجد الشاب لم يتجاوز العشرين من عمره، وتغشاه الكآبة والحزن.. نعم قد ينجح أن يخفيها بالضحكات العالية، وهيستريا الفرح.. الذي يحاول أن يستر به حالة الضياع والاغتراب التي يعيشها.. فلا هو يدري أيعيش الإسلام كما يجده في القرآن.. وليس له وجود في الواقع؟! أم يعيش العلمانية كما يراها في أوربا.. وليس لها وجود في واقع ؟! أما يعيش ساعة هنا.. وساعة هناك ؟! يدفع حياته غرقاً على شواطئ المتوسط أملاً في الوصول إلى الحلم المجهول والحياة الكريمة ؟! ومن أين يعيش وهم قد سرقوا عمره في تعليم فاشل لا قيمة له.. وقد سرقوا حريته وصادروا فكره وروحه.. وسرقوا ثروته فيروح يمد يديه لوالديه وقد قارب الثلاثين؟! في أُسر - إلا من رحم ربي - في حالة من التفسخ النفسي والاجتماعي تعاني من حالة حادة من الجفاف العاطفي.. وصورة مادية وحشية منحطة في التفكير تختزل حياة الإنسان كلها في البحث عن "وظيفة" ! في وهم يسمونه "المستقبل" تجعل من الإنسان آلة مُتخلفة جامدة لا بد وأن تسير في قالب جامد واحد يعمل بدليل "كتالوج" موحد.. من يحيد عنه طرفة عين فقد ضيع نفسه..! صورة منحطة لا تُفرق بين استعدادات الإنسان، واختلاف الطاقات، بل حتى الاختلاف بين الرجل والمرأة ! لتحول الجميع إلى آلة لتضاعف إنتاج العدو والطاغوت.. لتأكل طاقاتهم وتحطم أحلامهم ! هذا هو الانتحار وهذه هي المأساة.. ثم كبله وثبطه وأحكم وثاقه وأقعده عن الجهاد.. الدراويش والعملاء !
أما من المجرم.. أولئك المجرمون:
الذين قالوا له: إن دولة الإسلام والحق والعدل.. ستأتي من خلال آليات الديمقراطية والبرلمان، وصوتك أمانة.. صوتك يوصلك للجنة !
الذين قالوا له: إن دولة الإسلام تأتي من خلال الجلوس في المسجد لتستمع لفضيلة الشيخ الذي تصل لحيته إلى صدره، وهو يعلمك البخاري ومسلم، ويصلي بك الليل.. وهو عميل في المخابرات ! صنعوه منذ البداية لأجل هذا الغرض!
الذيين قالوا له: إن العلمانية هي الحل.. وحقوق الإنسان والنشاط المجتمعي، والنضال السياسي هو الطريق.
الذين قالوا له: إن كل عمل ضد الطاغوت.. هو فتنة لا تخوض فيها.
هؤلاء المجرمون.. هم رؤوس الفتنة، ورؤوس العذاب، ورؤوس الضياع الذي يعيشه الشباب ومازال.. وكم من شباب انتحرت روحه، وبقي جسده.. يهيم في دنيا العبث.
كل أولئك انحرفوا عن صراط الله المستقيم.. ودلسوا في دين الله.. وضاع بينهم الشباب..
*  *  *
إن الشباب الذي يريد أن يشعر بذاته، ويترك بصمة طيبة في هذه الحياة..
إن الشباب الذي يريد أن يستخرج طاقاته في عمل إيجابي صالح.. يوافق فطرة الخير في النفس البشرية..
إن الشباب الذي يريد الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية..
إن الشباب الذي يريد أن يشعر بالتوافق والاتساق والانسجام بين معتقده وسلوكه..
إن الشباب الذي يريد أن يبني دولة الإسلام.. ويهدم دولة الطغيان..
إن الشباب الذي يريد أن تسود أمته كل العالمين.. كما كانت من قبل، وكما هو حقيقة دورها التي أُخرجت له..
ليس - أيها الشباب - إلا طريق واحد: هو الطريق الذي خُطت معالمه في الكتاب.. ورُسم طريقه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يبدأ بـ ( الدعوة ) للكفر بالطاغوت، والإيمان بالله وحده لا شريك له في الاعتقاد والتصور، والعبادة والنسك، والحكم والتشريع.. ثم الولاء والبراء على ذلك.. ثم الجهاد في سبيل الله.. هذا سبيل الله الذي اختاره لعباده المؤمنين.. ولا يتقول أحد على الله ورسوله بالمناهج الوضعية فلا يستحسن ما لم يقوله الله ورسوله.. وإنما ( باتباع ) الدين كما أنزل. هذا هو الصراط المستقيم.. وحوله شبهات وسُبل متفرقة، فليحذرها المسلم، ويلزم صراط الله المستقيم. { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت : 69]
ويستحيل استحالة تامة أن تحصل هذه الأمة على أي شيء من حقوقها صغيرها أو كبيرها.. بمعزل عن الإسلام.. ورد الأمر كله لله..
وإن هذا الدين - بإذن الله - سيحطم العلمانية وسيستأصلها من أعماق جذورها الخبيثة.. وسيحطم نظم الدولة القومية الناشئة عن هذا الفكر العلماني.. وسيدحر هيمنة الصليب على كل بلاد المسلمين، ويكسرها.. إنه دين العزة والإباء والكرامة.. دين الشهادة على البشرية كلها..
إن هذا الدين عظيم.. جد عظيم.. ليس هو الصورة الجامدة التي يقدمها الأزهر، ولا هو الصورة المختزلة التي تقدمها ما يسمى الحركة الإسلامية، ولا هو الصورة المشوهة التي تقدمها العلمانية.. دين عظيم فيه حل لكل مشكلات البشرية.. لكن يقف ركام هائل وضعه بقايا عقول عفنة، ونفوس مشوهة، ومصالح ضيقة.. وعلى الشباب إزالة هذا الركام.. والوصول إلى "نور الإسلام".. ولن ينطفأ نوره إلى يوم الدين.
وإن هذا الدين عظيم.. يكرم المرأة ويحفظها، ويحفظ فطرتها.. فلا يدفعها لدور غير دورها، ولا يحمّلها ما لا تطيق من أحوال.. يل يحرك لها الجيوش دفاعاً عنها وعن عرضها ! حتى وإذا خرجت مع المسلمين في قتال عدو الله.. فهي تقف خلف سيوف المسلمين.. لا يصل إليها أحد إلا على جماجم المسلمين..!
إن الله رفع ذكرنا بين العالمين بهذا الكتاب الذي يحسبه كثير من الشباب كلمات مجهولة المعنى والمقصد والهدف.. { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنبياء : 10]
إن هذا الدين عظيم.. ولكن الخونة أساءوا إليه، وجعلوه مطية لأوهامهم وعبثهم وعصبيتهم وحزبيتهم.. وإن الله يحب الإنسان.. نعم.. إن "الله يحب الإنسان" هذا هو موضوع كتاب كامل مستقل أعكف عليه أتحدث فيه عن معنى الإيمان، وكيف يصل الإنسان للإيمان؟ وعن معنى الحياة، والإنسان.. أكتبه خصيصاً للشباب عسى أن يساهم في إزالة الغشاوة والكثافة والظلمات التي يغرق فيها المجتمع الآن..
إن الله يحب الإنسان.. وإدراك حقيقة واحدة من نِعم الله على الإنسان.. تجعله لا يستطيع  أن يوفي شكرها عمره كله ! فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [النساء : 29] لا تقلتوها بأيديكم.. ولا تجعلوا أحد من رؤوس الفتنة والعذاب ينال منها، ولا تقتلوا أرواحكم، ولا طاقاتهم، ولا فكركم.. فإن الله بكم رحيما، ورحمته وسعت كل شيء.. بل إن الله جعل هذه الأمة عندما تعود لكتابها خير أمة أُخرجت للناس..
إن الله جعل المسلم هو سيد هذه البشرية، والشاهد عليها.. والذي عليه أن يخرج البشرية من مستنقعات التيه ووحل الظلام.. بالنور الذي معه! نور الله.. { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [المائدة :15، 16]
*  *  *