التمرد المسلح هو: قيام فئات من الشعب بمواجهة القوات الحكومية الرسمية؛ من أجل إسقاط النظام الحاكم لفساده، أو ظلمه، أو فشله في إدارة الدولة، أو انقلابه على الشرعية السياسية، أو بعد ثورة سلمية فشلت في تحقيق مطالبها، وتُعِد أجهزة الاستخبارات الدولية نفسها لكل الاحتمالات سواء الاحتمالات بالثورة السلمية (التمرد المدني) أو الثورة المسلحة (التمرد المسلح).
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات الدولية في بلادنا على ضمان احتكار القوة والسلطة فقط في أيدي القوات النظامية الحكومية، التابعة لهم ولاءً، وخدمة، وارتباطاً عضوياً بهم؛ وذلك لضمان حمايتهم من الغضبة الشعبية، إذ لا يشعر الشعب بانتماء النظام والحكومة له، فهي قاهرة له، مغتصبة لحقوقه، وبالتالي فتسليح النظام ـ بل والجيش نفسه ـ ليس موجهاً لعدو ما، إنما هو بالأساس موجه للشعب؛ لأنه هو العدو الحقيقي للنظام، ولحكومته، وتسليحه وتدريبه إنما يتم من أجل السيطرة على الشعب، وتأمين غضبته؛ ولأن النظام ارتكب ويرتكب كل يوم من الجرائم ما يكون أقل عقوباتها هي الإعدام! ولذا فاحتكار القوة مطلب أساسي من متطلبات الأمن.
ـ ومن ثم يتم العمل على تشديد القوانين التي تسمح بالتسلح الفردي، ومنع أي تجارة شعبية للسلاح، إذ سوق السلاح، والتدريب عليه، وتصنيعه واستيراده يبقى أيضاً ضمن دائرة المحظور، والأحكام المُغلظة، لدرجة من التشديد قد تصل إلى منع أسلحة التدريب، والأسلحة التي لا تقتل.
ـ تمنع أجهزة الاستخبارات أي تدريب على السلاح أثناء الخدمة العسكرية الإلزامية في بعض البلدان، حتى لا تنتقل هذه المهارة إلى أبناء الشعب، ويتم التدريب فقط لمن تم انتخابهم ليكونوا "قتلة الشعب" عندما يثور أو ينتفض ضد النظام، ويكون التجنيد الإلزامي مجرد إجراءات شكلية، وأمور تافهة، وخدمة مجانية، وعمالة بالسخرة للأسياد.
ـ تروج أجهزة الاستخبارات كثيراً ـ لمواجهة الظلم السياسي والاجتماعي ـ إلى الخيار الديمقراطي، وإلى النضال السلمي والمدني، وإلى مواجهة اللاعنف... إلخ، من خلال المراكز البحثية، ومراكز الترويج للديمقراطية، واعتبار "العنف" هو الخطيئة الكبرى التي لا تُغتفر، حيث تفضل أجهزة الاستخبارات إفشال وإحباط التمرد المدني عن أن تحبط التمرد المسلح، نظراً لخطورته وللتكلفة العالية فيه، وسهولة خروج الأمور عن السيطرة، وفي كل الأحوال لا يوجد ديمقراطية ولا حرية ولا حقوق.. إنما هي مسألة ترويجية ليس أكثر، وأجهزة الاستخبارات والنظام الدولي يمضي فقط فيما يحقق مصالحه، ويضمن هيمنته وسيادته على الدول الضعيفة، ويمنع أن تستقل فعلياً أو تنتهج نهجاً مخالفاً للقيم الغربية، لذا فهو الداعم الأول للديكتاتوريات في العالم العربي، بل هو صناعها من الأساس.
ـ حتى ينجح النضال السلمي والمدني، فإن له شروطاً متعددة، وصعبة، وأهمها: هو إحباط مخطط الاستخبارات في مواجهة التمرد المدني، كما سبق بيانه في مقال: "أجهزة الاستخبارات في مواجهة التمرد المدني"، ووظيفة الاستخبارات هو مواجهة التمرد على النظام التابع لها أياً كان نوع التمرد.
ـ تحاول أجهزة الاستخبارات محاربة أي فكر يؤيد مبدأ القوة، والندية، وحتمية المواجهة، وضرورة الصراع، والتمكن من القوة، وتروج إلى أن هذا الفكر هو الفكر "الإرهابي، الداعشي، العنيف، المتطرف، الأصولي" الذي يحرق الأخضر واليابس، ويتم تحميل أصحاب التمرد المسلح جميع جرائم النظام الدولي، والنظام المحلي.. حيث الجماهير ما تزال تحترم القوة لا الحق، وطالما القوة مازالت في يد النظام الدولي فهو الذي يحتكر تفسير اللغة والمفاهيم، فلو قتل النظام الدولي الملايين وقال عن ذلك إنها مجرد "أضرار جانبية ـ Collateral damage" فهي كذلك، وإذا هَمّ البعض بالصراخ، والركل فهو الإرهابي المتوحش ولو لم يكن لعمله تأثير يُذكر..
وتؤكد الأجهزة على أهمية الإيمان بالديمقراطية، والصندوق، والتعددية، والتداول السلمي للسلطة... إلخ، الأمر الذي لن يسمحوا به لصاحب حق أبداً، ولن يسمحوا به لمن لا يدافع عن مصالحهم، ولا يكون كالكلب الوفي لهم.
ـ عندما يتم استنزاف مصطلحات: الديمقراطية، والتعددية، والتداول السلمي للسلطة، وتقع الانقلابات على التمرد المدني، فإنهم يسارعون إلى القهر السريع، وإطلاق حملة شديدة من الرعب والتوحش وإرهاب الناس؛ حتى تتكون في ذواتهم الخشية والخوف من مواجهة هذه السلطة المتوحشة، والاستسلام للمصير المحتوم، وعدم الانتقال من النضال السلمي إلى النضال العنيف.
ـ تتلاعب أجهزة الاستخبارات بقيادات النضال السلمي، وتحذرهم بشدة من أي محاولة لاستخدام العنف، وحيث بعض هذه القيادات يعيش في الغرب، أو على تواصل مع المؤسسات الغربية، بغرض عرض مشكلتهم الديمقراطية مع الأنظمة المستبدة! وطلب مساعدة الغرب في التوصل إلى الحلول التوافقية الديمقراطية مع الأنظمة العلمانية التابعة للنظام الدولي وأجهزته! فإن الغرب يشترط على هذه القيادات أن تتخلى تماماً وكلياً عن أي محاولة ـ ولو فكرية ـ تميل إلى استخدام العنف، وتشترط عليهم التبرؤ (فكرياً وسلوكياً) من أي سلوك للعنف، وتهددها بسحب أي امتيازات لها، سواء الإقامة في هذه البلدان، أو السماح لها بالنشاط الدعوي أو الاقتصادي أو السياسي، وتهددها كذلك بوضعهم على قوائم الإرهاب..
فتجد قيادات النضال السلمي ـ الإسلامي أو الوطني ـ نفسها أول من يدافع عن "السلمية"، ويتبرأ من "العنف"، ويسحبون أي دعم أو شرعية لمن يحاول من الشباب المتفجر بالغضب أن يمارس حق الرد.
ـ وبذلك تُأمن أجهزة الاستخبارات محاولة منع التمرد المسلح، من خلال دعم الأنظمة الحاكمة التابعة لها في بلادنا بكل أنواع القوى اللازمة لمواجهة الشعب عند غضبته ـ أو غضبة قطاع منه ـ بما ذلك المعلومات الاستخباراتية، وأنظمة التجسس، والتسليح... إلخ، ومن جانب آخر: تُأمن غضبة القيادات الإسلامية والوطنية من أي محاولة للاتجاه للعنف، وذلك بالمساومة على الامتيازات التي تحصل عليها، أو بمعنى أدق: التي يورطونها فيها.. لتكون ورقة مساومة!
ـ وتراقب أجهزة الاستخبارات حالة القيادات الإسلامية النفسية والفكرية نحو التوجه إلى العنف، وعندما تشعر هذه القيادات باليأس أو الفشل من النضال السلمي، فإنهم يتقربون إليها سريعاً، بالوعد والأماني الكاذبة، وبإمكانية المصالحات والتوافقات مع الأنظمة العلمانية المنافقة المحاربة للدين والشعب، والوصول لنقاط مشتركة، وبإعطائهم مزيد من الامتيازات والحريات سواء في بلدهم أو البلدان الغربية التي يلجأون إليها؛ حتى لا يدفع اليأس والإحباط إلى التفكير في التمرد المسلح، فإن أمِنوا غضبتهم عادوا للانقلاب عليهم مرة ثانية.
ـ تروج أجهزة الاستخبارات أن التمرد المسلح هو ما يريده النظام الدولي وأجهزة استخباراته، حتى تقع "الحرب الأهلية" ويتم تدمير البلدان، ويجب إحباط خطة المخابرات بالنضال السلمي حتى النهاية، ولو تحول النضال نحو العنف، فإن العالم كله سوف يتخلى عنهم، ولن يتعاطف مع قضيتهم، وسيُضيعون نضالهم السلمي الأبيض الذي عَلّم العالم معنى النضال!! وسيسحب دعمه لهم، ويجب أن يظلوا على حالة "الضحية" التي تُسحق بالدبابات وتتلقى زخات الرصاص بصدورها العارية، فهذا مما يُعرّف العالم بقضيتهم، ويجعله يتعاطف معهم!
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات على تطهير الجيوش المحلية من أي مخاطر، فهذه الجيوش مخصصة لحماية النظام المحلي، وقمع الشعوب عند ثوراتها، وتعمل أجهزة الاستخبارات على تدريب القيادات العليا للجيش، والتحكم فيها، وانتقاء المناسب منها للدفع به في الترقيات والمناصب لتؤهلهم لدورهم، وتراقب أي قيادات يظهر عليها أي مظاهر من تدين، مثل: المواظبة على الصلاة، أو احتشام وتحجب نساءهم، أو التحرج من شرب الخمور... إلخ، وتعمل على تحييد هذه القيادات، ومنع الترقيات عنها، أو تقلدها المناصب الحساسة في الجيش، ولا تسمح بمظاهر تدين إلا من أجل الخديعة والمكر والإيقاع بالمتدينين الحقيقيين، وأما الضباط الصغار والجنود، فتعمل على انتقائهم فرداً فرداً والتأكد من أن عوائلهم حتى الدرجة الثالثة ليس لها أي نشاط إسلامي سواء أكان جهادياً أو سياسياً أو دعوياً، حتى في التجنيد الإجباري يتم استبعادهم أيضاً؛ حتى يتم ضمان خلو الجيوش المحلية من أي توجهات إسلامية؛ فتحافظ على وظيفتها بصورة صارمة.
***
وعندما يقع التمرد المسلح، نتيجة فشل الأجهزة الاستخبارية في السيطرة عليه، ومنع مسبباته، وسقوط كثير من الأوهام حول التمرد المسلح، وفشل الثورة السلمية فشلاً ذريعاً، فإن أجهزة الاستخبارات تتجه إلى خطة السيطرة على التمرد المسلح، وذلك من خلال:
(1) تسليح النظام وتجديد خططه:
تعمل أجهزة الاستخبارات على مراجعة تسليح النظام ـ التابع والخادم لها ـ والتأكد من جهوزيته القتالية، وتعبئته التعبئة اللازمة الروحية والمادية.. الروحية من خلال: علماء السلطة، بتحليل قتل الشعب باعتباره "خوارج" ـ طوبى لمن قتلهم، وقتلوه! ـ وتعبئة الجنود بأهمية عملهم، ونضالهم، وجهادهم، وإن الجنة تتزين للشهداء منهم! والمادية: بالتسليح النوعي اللازم للمعركة التي يُسمح فيها باستخدام كل أنواع الأسلحة المتاحة، عدا الأسلحة التي تثير ضجة عالمية مثل الأسلحة الكيمائية، والإشعاعية، فهذه من المحرمات، وإن تم استخدامها سيصل للأنظمة "لفت نظر" أن لا داعي لإثارة الرأي العام العالمي تجاه هذه الأسلحة المحرمة دولياً، القتل فقط بالصواريخ، والبراميل المتفجرة، والطائرات، والقنص، والتفجير... إلخ، فهذا مما لا يثير الرأي العام العالمي!!
كما تحدد أجهزة الاستخبارات الخطط اللازمة من خلال بنك المعلومات، عن مناطق التمرد، وقياداته، وتسليحه، وتكتيكاته، وتحركاته، وخططه، حتى تساعد في إحباط التمرد في بداياته.
(2) الترويج الإعلامي المكثف:
تحاول أجهزة الاستخبارات سحب الشرعية عن أي عمل مسلح، حتى ينفض الناس من حوله، وتجفيف منابعه قبل أن تأتيه أي روافد قد تشكل حاضنة شعبية للتمرد المسلح، فيعملون على ترويج أن التمرد المسلح هو صنيعة استخباراتية، هدفها تدمير البلد، وإشعال الحرب الأهلية، والحق مع النظام والدولة المباركة، وسوف تذهب البلد إلى الانتهاء والضياع إذا استمر هذه التمرد المسلح، فهو المسؤول عن كافة ما يُعانيه جميع المواطنين، والعمل على تشويه قيادات التمرد، وضرب الأسس الفكرية لهم، وحصارهم إعلامياً بكل وسيلة سواء في الفضاء الإلكتروني أو الإعلامي.
(3) تدمير الحاضنة الشعبية:
تعمل أجهزة الاستخبارات على تدمير الحاضنة الشعبية للتمرد المسلح، فهي رداءه الذي يحميه، ويضمن له البقاء والاستمرار، مستغلة في ذلك أخطاء المتمردين، وتصرفاتهم، واندفاع عاطفتهم، وجهلهم بالقيادة الاجتماعية للجماهير، وإدخال عناصر فاسدة في التمرد حتى تُظهر صورة قبيحة، وممارسات شاذة للتمرد، تجعل الناس تطلب البقاء في النظام الفاسد رغم جرائمه.
(4) دعم الأقليات:
تعشق أجهزة الاستخبارات اللعب على وتر الأقليات الدينية أو العرقية أو المذهبية، وترى فيها ضالتها المنشودة، فهي قد تتدخل سياسياً باسم "حماية الأقليات"، وتتدخل عسكرياً بتسليح الأقليات، وتتدخل اقتصادياً بالدعم السخي للأقليات، وتتدخل إعلامياً بإظهار مظلمتهم للعالم وكيف يؤدي النظام الدولي دوره الإنساني في الدفاع عن الأقليات، وتتدخل فكرياً لإشعال فتيل الصدام مع الأغلبية الاجتماعية، ومن ثم يتم النظر إلى الأقلية باعتبارها الحزب المعارض للاستخبارات الجاهز لأداء دوره في إفساد الثورة المسلحة أو مواجهتها حتى تتحول من ثورة على السلطة الفاسدة والنظام الدولي إلى حرب أهلية بين أبناء نفس البلد، فيسهل التدخل الدولي وتُخلق مبرراته، ويسهل التعامل معها كحرب أهلية تنتهي بإلقاء السلاح، والحكومة الائتلافية ـ التي ليس فيها ائتلاف ـ ومزيد من التدخل الخارجي، والضعف الداخلي، وهشاشة الدولة والنظام.
واعتبار ورقة الأقليات ـ وضرورة تحييدها عن الصراع ـ مسألة هامة حتى لا تتحول الثورة المسلحة إلى حرب أهلية.
(5) اختراق قيادات التمرد:
تحاول أجهزة الاستخبارات صناعة عملاء من طراز خاص جداً، عملاء يجيدون السمت الإسلامي، وذلك من خلال تربية العملاء في مزارعهم الخاصة على: حفظ القرآن وتلاوته بصورة دقيقة مُتقنة، ومعرفة السنة وكتبها، وطريقة لبس الملابس التي يلبسها بعض القيادات الإسلامية، وطريقة إطلاق اللحية وحلق الشارب، وطريق استعمال ووضع السلوك، ونوع العطور التي لا تحتوي على الكحول، والتدريب على بعض الجمل التي تُستخدم في الحديث والتحية، وإتقان حفظ الفتاوى والمرجعيات الخاصة بها، خاصة الفتاوى المتطرفة؛ ليظهر الشخص على إنه متدين شديد التدين، بالإضافة إلى الحديث عن آيات الجهاد، وفتوى كبار العلماء فيه... إلخ، حتى تكون مُعدة للاختراق داخل التمرد إذا كان التمرد المسلح إسلامياً، وتحاول الوصول إلى المراكز القيادية فيه للسيطرة عليه، فإن فشلت فإنها تروج للفتاوى التكفيرية، والممارسات المتنطعة المتشددة التي تدمر الحاضنة الشعبية، وتثير الفرقة الداخلية، وتقتل الائتلاف والتماسك.
(6) إشعال نيران التكفير:
تقوم أجهزة الاستخبارات بدراسة دقيقة للدين والفقه الإسلامي بصورة تمكنها من استخدام بعض أقوال العلماء في تفرقة المسلمين، ورمي بعضهم بعضاً بالشرك والردة، مُستغلة عوامل الفرقة والاختلاف الموجودة بالفعل، وعدم مهارة المسلمين في إدارتها أو تحييدها، ويتم إبراز هذه الأقوال وإسقاطها على "الأنظمة العلمانية المنافقة" تارة، وعلى المسلحين تارة أخرى؛ حتى تتحول المعركة إلى قضية تكفير الأنظمة، أو تكفير المسلحين بعضهم بعضاً، والبحث عن نقاط الخلاف بين المذاهب والطوائف والفرق المختلفة، ويتم النفخ فيها بصورة مكثفة، حتى تتحول بذاتها إلى جوهر الدين كله الذي يجب الذود عنه قبل أي شيء، وتنفيذ عمليات اغتيال لأحد هذه الأطراف.. حتى يشتعل الثأر فيما بينها، وقضية كهذه كفيلة بإشعال نيران لا تنطفي، وتفسد على المسلحين خططهم، وتحركاتهم، وقاعدتهم الشعبية، وتفتح باباً من الجدال لا ينتهي إلا بتشويه التمرد المسلح كله.
(7) الاختراق الفكري:
تحاول أجهزة الاستخبارات استقطاب القيادات الدينية الشعبية والرسمية، وقيادات الحركات الإسلامية التي لا تؤيد العمل المسلح، وتحاول من خلال هذا الاستقطاب ضرب الشرعية الدينية للعمل المسلح تجاه الأنظمة من خلال تمرير بعض الأفكار والمفاهيم بصورة تبدو شرعية ـ من خلال عملائهم ـ وبدون حضور مباشر منهم، حتى لا يُثير ذلك حفيظة البعض.. يتم الاختراق الفكري بصورة علمية ممنهجة، وهي دائمة الحصول ـ حتى بدون وجود ثورة مسلحة ـ حتى يتم استغلال هذه القيادات لعمل الانقسام الداخلي، والاختلاف المفضي للنزاع، والصراع، وضياع الوحدة اللازمة لنجاح الثورة المسلحة، فيتم استقطاب الجماهير إلى العديد من الزوايا البعيدة عن القلب والمركز، فهناك زاوية للتدين الرسمي، وزاوية للتدين السلمي، وزاوية للتدين السياسي، وزاوية للتدين الجهادي، وزاوية للتدين التكفيري، وزاوية للتدين العصري، هذا غير زوايا العلمانية! فيتم تفتيت وحدة الجماهير بين هذه الزوايا كلها، وكل طرف ومهاراته في قدرته على الاستقطاب، ومن ثم تجد الثورة المسلحة ومشروعها وحيدة في الميدان، مُدانة من الجميع، فتأمن أجهزة الاستخبارات خطرها دون كبير جهد منها!
(8) السيطرة على التسليح والتمويل:
تراقب أجهزة الاستخبارات كافة عمليات بيع السلاح، وتزرع عملائها في كل مكان من أجل مراقبة الحصول على أي صفقات أسلحة يمكن أن تحصل مع الثوار، لدرجة أن محاولة التسليح هذه تستخدم كفخ من أجل إحباط التمرد ذاته، إذ تقوم أجهزة الاستخبارات بتوفير بعض الأسلحة للمتمردين من أجل الوصول إليهم، أو تسليمهم أسلحة فاسدة، أو أسلحة تحتوي على أجهزة رصد وملاحة من أجل كشف أماكنهم وتحركاتهم، واغتيالهم..
وكذلك حركات أرصدة البنوك، لمتابعة من أين يجئ المال، وإلى من يذهب.. من أجل إحكام السيطرة على عملية التسليح والتمويل برمتها.
(9) المراقبة الجوية:
تمتلك أجهزة الاستخبارات أساطيل جوية من الطائرات بدون طيار، وطائرات التجسس، والأقمار الصناعية التي تحاول رصد كل ما يحدث على الأرض، من حركة، واتصالات سلكية ولا سلكية، وأجهزة الهواتف والإنترنت، حتى ترسم صورة كاملة عما يمكن عمله من أجل إحباط التمرد المسلح، وتعطي للأنظمة العميلة الإحداثيات اللازمة من أجل ضرب التمرد المسلح من الجو.
(10) قتل القيادات:
من خلال العملاء على الأرض، والمراقبة الجوية تحاول أجهزة الاستخبارات اغتيال القيادات الحربية، والفكرية، والشعبية التي تقود التمرد، وذلك من خلال الطائرات بدون طيار، وبمساعدة أرضية، وذلك لأن هذا الاغتيال يؤثر في حركة التمرد المسلح، الذي لا يمتلك الكثير من الكوادر التي يمكنها أن تحل محل القيادات ذات الفاعلية والتأثير، ففي الغالب حركات التمرد تظل مستمرة مادامت القيادات المؤثرة على قيد الحياة، فإذا تم القضاء على هذه القيادات، فإن التمرد المسلح يتراجع تدريجياً حتى يموت وينتهي في حال لم يوجد كوادر بديلة، أو وجود خطط لملء فراغ القيادات.
(11) المعركة على الأطراف:
تحاول أجهزة الاستخبارات حماية العاصمة بكل قوة، فهي قلب النظام، وأساسه، وتعمل على نقل المعركة إلى الأطراف، حتى ولو كان السبيل إلى ذلك "الانسحاب"، أو افتعال معركة تجر التمرد المسلح، وتجبره على البقاء في أطراف الدولة والالتزام بهذه المناطق لحين القضاء عليه.. وللأسف حركات التمرد تجد نفسها مضطرة لذلك، أو تفرح بالنصر السريع، التي تعمل على الترويج له بقوة على أنه انتصار كبير! وبقاء المعركة في الأطراف يعني أن يظل الصراع بعيداً عن القلب، وطالما القلب على قيد الحياة، فإنه يستطيع السيطرة وإعادة الأطراف مرة ثانية وانتزاعها من الثوار.
(12) الحضور المباشر:
تُفضل أجهزة الاستخبارات الدولية العمل عن بعد، ومساعدة الأنظمة التابعة لها من خلال الدعم العسكري والاستشارات والتدريب، ومن خلال التسليح والتمويل، ومن خلال المراقبة الجوية والعمليات النوعية والدعم الاستخباراتي، ولكن في حل فشل العملاء في تحقيق الهدف في القضاء على التمرد المسلح، فإنها قد تضطر إلى الحضور بقواتها الخاصة، للسيطرة المكانية على التمرد عندما تفقد الثقة في جهوزية الجيوش النظامية في السيطرة، وتتحمل التكلفة المادية على أن تستردها لاحقاً من ثروات البلاد، وصفقات إعادة الإعمار، وعقود التسليح... إلخ.
فلا بد في النهاية ـ مهما اشتدت الرقابة الجوية ـ من السيطرة الأرضية المكانية، ولا يمكن أن يحسم الجو المعركة كلها على الأرض، فلا بد من السيطرة على الأرض، والجو يقدم الدعم اللازم للتقدم، ولذا فالحضور المباشر ـ عند فشل الجيوش النظامية ـ حالة اضطراية قد تلجأ إليها الأجهزة.
وعندما تحضر فإنها تقوم بعمل قاعدة بيانات خاصة بها تضم جميع المواطنين وبياناتهم البيومترية مثل: بصمة الأصابع الإلكترونية، وبصمة العين... إلخ، لمحاولة التدقيق في جميع الهويات، وتكوين قاعدة بيانات ضخمة للشعب، ومكونات التمرد العرقية والقبلية والمناطقية، وتحليل هذه البيانات باستخدام الذكاء الصناعي.
(13) استهداف المدنيين:
استهداف المدنيين يعتبر من الجرائم الحربية المرفوضة عالمياً، وهي كذلك مرفوضة دينياً بشدة، ولكن أجهزة الاستخبارات لا تعرف للأخلاق أو للدين طريقاً أو معنى، إنما تعرف كيف تُوظف هذه الأخلاق في محاكمة من تريد محاكمته بتهمة "جرائم الحرب" أما الواقع فإن أجهزة الاستخبارات تستخدم أقوى الأسلحة الفتاكة لاستهداف: المناطق السكنية، والمستشفيات، والملاجئ، والمساجد، والأسواق، بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من المدنيين، والهدف من ذلك: الضغط على التمرد المسلح، ونزع الحاضنة الشعبية عنه، واعتباره هو المسؤول عن سقوط هؤلاء الأبرياء، لأنه يقاوم ويرفض التسليم.. ويجب عليه الخضوع لرغبة الأقوياء.
وعند الحاجة وانتشار أخبار استهداف المدنيين، يتم المحاكمة الصورية لبعض الجنود، لخداع الناس بالدفاع عن الحقوق، والقيم العليا، ثم يتم الإفراج عنهم لاحقاً بعد انتهاء الضجيج الإعلامي، ويجب على التمرد المسلح إجادة المعركة الإعلامية، ومحاولة سلب العدو أي مسوغ لاستهداف المدنيين، بحيث يتفادى ضربة العدو، وحقن دماء الأبرياء، والحفاظ على حاضنته الشعبية.
(14) الشركات الأمنية:
أحياناً تكون تكلفة الحضور العسكري المباشر للنظام الدولي ودوله الكبار مكلفاً جداً لهم من الناحية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، فيتم التعاقد مع "الشركات الأمنية" التي يديرها عناصر سابقة في الاستخبارات، والجيش، تقوم بدور المقاول في العمليات الأرضية، وتدريب القوى المحلية العميلة للنظام الدولي، وبذلك تتفادى الكلفة السياسية عند المساءلة البرلمانية، وتتفادى كلفة الجنود المصابين، والقتلى، والحقوق المقررة لهم.. ويتم التعامل مع هؤلاء المرتزقة حيث تكلفتهم المالية أقل، وغير معرضين للمساءلة لأنها تعتبر شركات خاصة، ولا تحصل هذه الشركات ـ بطبيعة الحال ـ على التراخيص اللازمة إلا بإذن حكومات الدول الكبرى، وما تقدمه من دعم كبير لها، وقد أصبح لها سوق كبير يُقدر بمئات المليارات، وتسليح نوعي ربما يفوق تسليح بعض الدول! وهي تعتبر فرق قتل واغتيال، هدفها القتل، ولا شيء غيره مقابل المال، والامتيازات.
(15) أعمال الإغاثة والإعلام:
تحاول أجهزة الاستخبارات من خلال لجان الأعمال الإغاثية، ومن خلال التغطيات الصحفية والإعلامية في المناطق المنكوبة، أن تبث من خلالها رجالها لجمع المزيد من المعلومات العسكرية والمدنية، والأحوال الطبيعية على الأرض، من خلال طبيعة الانتشار العسكري، وطريقة التعامل مع السكان المحليين، وموقف السكان المحليين من أعمال التمرد.. والحالة النفسية التي يمر بها المجتمع، ومدى قدرته على الصمود والتصدي للضربات، فبعد الإبادة الجماعية التي يقوم بها النظام الدولي في المناطق المستهدفة ـ والتي يتم التعتيم الإعلامي عليها ـ يأتون بالمنظمات الإغاثية لتجميل صورتهم القبيحة المتوحشة ببعض مساحيق الإنسانية، والتباكي على ما سببته حركة التمرد (الثورة المسلحة)..
فتحاول أجهزة الاستخبارات ونظامها الدولي الظهور بالمظهر الإنساني الطهوري الذي يتألم لمصاب المدنيين، ويحارب المتمردين الذين يريدون الإفساد في الأرض... إلخ؛ حتى تتفكك الحاضنة الشعبية، وينقطع المدد الشعبي والمادي، ويتم تجفيف الروافد البشرية لهذا الفكر.
(16) ضخ الأموال:
تحاول أجهزة الاستخبارات ضخ الأموال ـ بلا حساب ـ عن طريق وسطاء يزعمون الدعم والتأييد، وتتخذ من هذا الضخ وسيلة للاختراق، ووسيلة لإزكاء الحسد، والطمع بين القيادات، فكما هو معلوم الكثيرون يصبرون على "بلاء الشدة"، ولا يصبرون على "بلاء الرخاء"، هذه الأموال لا تأتي مجاناً، إنما تأتي ومعها توجيهات الداعم، وطريقة عمله، أي بمعنى أوضح: محاولة شراء الولاءات، وشراء التنظيم المسلح برمته، وتحويله وتوظيفه ليقاتل إخوانه..
ثم العمل على تسريب خطة ضخ الأموال هذه؛ حتى يفقد الناس الثقة في شرعية وشرف التمرد المسلح، ومن ثم عزل المتمردين عن قضيتهم، وعن حقهم الشرعي والسياسي، فقد تحول المتمردون إلى مرتزقة كما هو حال الآخرين، والشفافية والوضوح، والإخلاص، وتحديد الهدف، والتخلص من خطوط النفس، مما يُحبط هذه المحاولة.
(17) تعدد الشرعيات والقيادات:
تعمل أجهزة الاستخبارات على تفتيت قيادات التمرد المسلح، وإفشال محاولة الانفراد براية واحدة يقاتل تحتها الجميع، بل لا بد من تمزيق أسباب التمرد وشرعيته المحلية على العديد من المناطق، والكثير من القيادات، حتى يسهل قتال كل واحد منهم على حدا، وتجنب الآخر لحين الانتهاء من الأول، ومحاولة ضرب بعضهم ببعض، بل وتسليح بعضهم ليضرب الآخر، ثم القضاء على الجميع في النهاية!
كما يفضل النظام الدولي القيادات العلمانية الليبرالية على اليسارية الاشتراكية، واليسارية الاشتراكية على الوطنية المستقلة، والوطنية المستقلة على الإسلامية الجهادية، فالإسلامي مرفوض دائماً أبداً سواء في التمرد السلمي، أو التمرد المسلح.
ولذا فهم يبذلون غاية جهدهم في جعل الصراع مجرد صراع مادي علماني، أو حقوقي يساري، أو وطني محلي، ويحاولون نزع أي راية إسلامية عنه، ويوهمون الناس أن هذا ضروري جداً حتى لا يغضب الغرب من هذه الراية، ولا ينظر إليها بتحفظ، وحتى يأتينا الدعم والشرعية الدولية، ونتجنب الوضع على قوائم الإرهاب.
(18) إزكاء الخلافات بين القيادات الإسلامية:
عند تعدد شرعيات التمرد وقياداته، يحاولون تفتيت القيادة الإسلامية، فضلاً عن تفتيت القيادة بشكل عام، ولكن القيادات الإسلامية تمثل خطورة خاصة يجب مواجهتها، ومن ثم يبحثون في جميع خلفياتها الفكرية والثقافية لمحاولة إزكاء الخلافات فيما بينها، واستغلال قضية "تطبيق الشريعة" في محاولة اتهام البعض بالكفر، واتهام الآخر بخيانة أمانة تطبيق الشريعة، ثم التطبيق المشوه والمنفر للشريعة؛ حتى تنفض الحاضنة الشعبية، وتشعر بالخوف من هذه التصرفات التي لم تعتدها من قبل، إضافة إلى سلوكيات الانحراف، والفساد التي قد تشوب البعض عند السيطرة المكانية، وعند المسؤولية عن إدارة بعض المناطق! فيستوي في حس الناس أن الجميع فاسدون، ويبدأ اليأس يدب في قلوب الجميع.
(19) التركيز على النجاح التكتيكي:
تحاول أجهزة الاستخبارات تحجيم نصر المتمردين ـ وربما الانسحاب من بعض المناطق ـ بغرض إيهامهم بنشوة النصر، والقوة، وهدف أي مواجهة ومعركة هو النجاح على المستوى الاستراتيجي، وتحقيق الأهداف الرئيسية، وليس تحويل الوسائل إلى غايات، ولذا كثيراً ما يتوهم قادة التمرد النصر التام، والسيطرة الكلية، بينما ربما يكون انتصاره مجرد تنازل من الخصم لجره إلى فخ ما، والتركيز فقط على النجاح التكتيكي دون الاستراتيجي يُفقد كل منهما لاحقاً.
(20) التلاعب بالمسميات والألفاظ:
نفس الفعل يمكن أن يُطلق عليه إرهاباً أو دفاعاً عن النفس، إبادة جماعية أو ضرورة واقعية، تدمير شامل أو أضرار جانبية، تمرد متطرف أو تحرير من المحتلين والطغاة، أعمال وحشية أو رد للعدوان، خوارج ضالون أو مجاهدون في سبيل الله، نشر الإباحية والانحلال أو حقوق المرأة، نشر الإلحاد والطعن في الدين أو حرية الرأي والتعبير، نشر العلمانية والتغريب أو المدنية والحداثة، منهجة الفساد وسرقة الثروات أو السوق الحر، تكوين جيوب وعملاء أو حكومة ائتلافية، جماعات إرهابية أو حركات تحرر وطني... إلخ وتُوالي أجهزة الاستخبارات عناية بالغة في احتكار المصطلحات وتفسير وتحديد أُطرها، ومحدداتها، فهي تستخدم كافة المصطلحات الإيجابية لجميع أفعالها، والمصطلحات السلبية التجريمية لخصومها.
(21) محاولة نزع السلاح:
عندما يحقق التمرد المسلح النجاحات المتتالية، ويصبح رقماً سياسياً لا يمكن تجاوزه، ويتفلت من شباك الاستخبارات هذه، تحاول أجهزة الاستخبارات جره إلى طاولة المفاوضات السياسية، وأول بند في أجندة الاجتماعات هو نزع السلاح، وإدماج المقاتلين ضمن قوات الشرطة، وعمل مصالحة وطنية، وإجراء الانتخابات، والمقابل: الاعتراف الدولي، والتمويل، وإعادة الإعمار... إلخ، وهي محاولة تقليم أظافر التمرد، وإدخاله اللعبة السياسية بشروط وأدوات النظام الدولي، وإن نجح هذا الفخ، فبعد نزع السلاح، والاطمئنان إلى جانبهم يتم الانقلاب عليهم، وتقديم بعضهم إلى المحاكمة بتهم جرائم الحرب، والإرهاب، وقتل المدنيين.
(22) عدم إعطاء الشرعية الدولية:
تمتلك أجهزة الاستخبارات ورقة قوية تتمثل في عدم الاعتراف الدولي بأي كيان سياسي أو عسكري لا يوافق هواه إلا عندما تنهزم هزيمة ساحقة فتضطر أن تنجر إلى طاولات المفاوضات والمساومات والتنازلات، ويسحب النظام الدولي اعترافه بأي كيان متمرد يتجاوز الخطوط الحمراء، وتضعه على قوائم الإرهاب، فيصبح تأييده بالكلمة، أو بالمال، أو بالانضمام إليه جريمة إرهاب تُلاحق في كل مكان..
فيمارس "الحصار السياسي" بعدم إعطاء الشرعية، و"الحصار الاقتصادي" بتجريم أي صورة من صور الدعم، و"الحصار الإعلامي" بمنع الأخبار الصحيحة، وتثبيت الأخبار المزيفة التي تصور التمرد على إنه متوحش، قاتل للأبرياء، بلا أخلاق، ولا شرف، ولا يطمع إلا في المال والسلطة من أي طريق، وهذا الحصار يشمل إنتاج البرامج، والأخبار، والأفلام الوثائقية، والترفيهية السينمائية، وكذلك إنتاج الدراسات والأبحاث.
وعدم إعطاء الشرعية ليس له علاقة بمدى التوحش والإجرام والقتل، فهذا تصور خاطئ فالنظام الدولي متفنن في القتل والإرهاب.. إنما عدم إعطاء الشرعية له علاقة بمدى خدمة النظام الدولي، ومهما كان التمرد المسلح يُحقق أخلاقيات الحرب، ولا يقتل المدنيين، ولا يعتدي على الأبرياء...إلخ فكل ذلك لن يغير وصفه بالإرهاب، ومهما كان النظام المحلي متوحشاً، مجرماً، قاتلاً لكل شعبه، ومدمراً لكل بلده، سيظل هو صاحب الشرعية لأنه ـ رغم كل جرائمه ـ مازال الكلب الوفي للنظام، والعميل المناسب في المكان والظرف المناسب.
(23) المشاركة الوطنية والانتخابات:
ومع استمرار النجاح، والحفاظ على السلاح، وتحقيق السيطرة المكانية.. تستمر عملية التفاوض على انسحاب القوات الدولية التي تأتي كمظلة حماية دولية ـ أو من خلال الشركات الأمنية ـ وإعطاء مزيد من الدعم والتسليح للقوات النظامية المحلية، لمواجهة التمرد منفردة، ومحاولة السيطرة على إدارة المشهد السياسي بعد انتهاء التمرد، عبر المشاركة في تحقيق شكل الدولة الجديدة، وعلاقتها بدول الجوار، وبالنظام الدولي، وتكوين حكومة ديمقراطية توافقية تضم كافة فئات الشعب، بحيث تكون خليط غير متجانس يُفشل بعضه بعضاً في نهاية الأمر.. حتى تضمن أجهزة الاستخبارات موطن قدم لها في نهاية الأمر، قد يسمح لها لاحقاً بعمل انقلاب ما في الوقت المناسب، أو إفساد شرعية ومشروع الثورة والسيطرة عليه من خلال الفساد المالي والأخلاقي، وإزكاء الخلافات البينية، وعزل فئات الشعب عن بعضه.
***
وعلى حسب مستوى الوعي بخطط العدو، وعلى حسب تفادي شباكه، ومكره، يكون الانتصار، وقد نجحت بالفعل كثير من حركات التمرد المسلح في تفادي كل هذه المعوقات، والوصول إلى تشكيل الحكومة، وإدارة الدولة، والسيطرة عليها، وذلك بغض النظر عن شرعية هذا التمرد، ولكن نحن نتحدث عن كيفية وآليات أجهزة الاستخبارات في مواجه التمرد بشكل عام..
وبهذا نجد أن "التمرد" ـ بالنسبة للنظام الدولي ـ مرفوض بحد ذاته، سواء أكان سلمياً أو مسلحاً، كلمة (التمرد، والثورة) مرفوضة في النظام الدولي لأنها بالأساس خروج على الطاعة، ومنازعة أولي الأمر في الاستخبارات، وهو يتوجب ـ في حساباتهم ـ العقاب، حتى تعود حالة القهر والسيطرة والهيمنة كما هي، ولا يعنيه حقوق، ولا ديمقراطية، ولا حرية، ولا سلم، ولا تسلح، ولا عدالة، ولا ليبرالية، ولا أمن.. كل ما يعنيه هو مصالحه الخاصة، ومصالح الكبار، والحفاظ على التفوق السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي والحضاري لهم، ويدوس ـ في سبيل ذلك ـ على كل القيم، والأخلاقيات، والمبادئ، وما أسهل عليه التلاعب بالشعارات، ورفع اللافتات، وزعم تحقيق الديمقراطية والحرية وبناء الدولة... إلخ من هذا الدجل، فهم لا يحملون أي خير للشعوب الضعيفة، وهم ينظرون إلى الإسلام نظرة عداء سافر ـ أو مستتر ـ لا تنقطع، وينظرون إلى أي مسلم يقوم بواجبه الاجتماعي السياسي على أنه أخطر تهديد لوجودهم الحضاري، ووجود الكيان الصهيوني.
ومثلما قلنا في مقال: "أجهزة الاستخبارات في مواجهة التمرد المدني" نُكرر هنا: "إنهم بكل تأكيد لا يُمثلون قدر الله، ولا كلمتهم نافذة في كل مرة، كل ما هنالك.. وسبب نجاحهم المتكرر، أن المسلمين في غفلة، ولا يقومون بـ "التدافع الحقيقي" مع عدوهم، ولا يَستبينون سبيل المجرمين كما أمرهم كتابهم.."
وما عليهم سوى الحذر، واليقظة، والمبادرة، والإعداد، واقتناص الفرص، واتباع السنن الإلهية، وإذ نذكر أساليب الاستخبارات في مواجهة التمرد ـ الثورة ـ المسلح فلا يعني ذلك الغفلة عن الأمراض الذاتية التي يجب الانتباه إليها والكشف عنها ومعالجتها وتقليل آثارها السلبية.
وإنَّ الكشف عن هذا المكر، وهذه الشباك، والاستفادة من التجارب التاريخية، والتمسك بتعاليم كتاب الله ـ جل جلاله ـ في مواجهة العدو كما جاء فيه بالتفصيل فإنها تُحبط كل هذا الكيد، وتجعله يتهاوى، ويسقط، هو وكل أدواته وعملائه، والإخلاص لله ـ سبحانه ـ والأخذ بالأسباب هما مقدمة كل نصر.
***
للاطلاع على المزيد راجع ـ إن شئت ـ كتاب:
ـ مكافحة التمرد ـ الصادر عن الجيش الأمريكي.
ـ الدليل الأمريكي لمكافحة التمرد ـ الحكومة الأمريكية.