المقصود بـ "التمرد المدني" هو الثورات الشعبية السلمية التي تحصل نتيجة الظروف الاقتصادية، والفساد، وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها.. وهو غير "التمرد المسلح" الذي تتسلح فيه مجموعة من الشعب، وتخوض حرب عصابات أو حرباً أهلية ضد القوات النظامية الحكومية. وآليات مواجهة التمرد المدني تختلف ـ بطبيعة الحال ـ عن مواجهة التمرد المسلح.
آليات مواجهة التمرد المدني:
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات من خلال مراكز الفكر والاستراتيجية والتحليل، والدراسات المستقبلية، ومراكز الإعلام على رصد الحالة المجتمعية في البلاد المستهدفة بالاحتلال العسكري أو السياسي والاقتصادي والهيمنة كحال بلادنا العربية والإسلامية.
ـ تحدد أجهزة الاستخبارات خريطة مراكز القوى المدنية بصورة تفصيلية دقيقة، وأسماء الشخصيات المؤثرة، وخلفيتها الثقافية والأيديولوجية، وكيف يمكن تواجهيها، والسيطرة عليها، ومن الذي يمكن التعاون معه، أو توظيفه أو تحييده أو التخلص منه.
ـ تساعد أجهزة الاستخبارات الدولية، أجهزة الاستخبارات المحلية في رسم الخريطة المجتمعية وكيفية توجهيها إعلامياً، واجتماعياً، وسياسياً من أجل الحفاظ على النظام السياسي القائم، والمسموح به من القوى الدولية.
ـ تحاول أجهزة الاستخبارات التغلغل لأعمق نقاط في المجتمع، حتى تصل لأقصى الريف البعيد، والمناطق النائية والعشوائية والفقيرة.. من أجل تحليل كل الظواهر الاجتماعية المحتملة، وتضع البدائل المناسبة لمنع التمرد، كالتشجيع على الأغاني الهابطة، ونشر الفواحش، والمخدرات، ورسم المثل الأعلى في الحياة، وتحديد طموحات الشباب، ورصد أي ظواهر دينية قد تدفع الشباب لإحباط مخططهم حتى ولو على المستوى الفردي الأخلاقي.
ـ تسيطر أجهزة الاستخبارات على النخبة من خلال "الملفات السوداء" حتى يتم ضمان ولائهم، وضمان حمايتهم للنظام، كما يتم السيطرة كذلك على أبناء النخبة من خلال التعليم الدولي الخاص الذي يغسلهم غسلاً من كل هوية إسلامية ووطنية، ويجعل ولائهم التام للحضارة الغربية، ويسلخهم عن كل فضيلة، ويتعمد إفسادهم أخلاقياً، وتمييع الدين في نظرهم لدرجة تدريس الإلحاد المستتر لهم، وهؤلاء هم قادة الدولة القادمين سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً، وبالنسبة للعسكرين يتم السيطرة عليهم عند إرسالهم للدورات في الخارج بإشراف المخابرات الدولية، وانتقاء المناسب منهم، وتحييد والتخلص من العناصر التي قد تسبب أي معوقات، أو قلاقل.
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات على قياس درجة حرارة الطبقة الوسطى لأنها خزان التمرد والثورات، وتراقب طبيعة اهتماماتها، ومستوى إنفاقها، وطريقة حلها للمشكلات، ومستوى ثقافتها، ومدى تأثير السياسيات الاقتصادية عليها، وتواليها عناية خاصة، لا تقل عن عنايتها بالمرأة التي تريد لها الانفلات من كل ضابط أخلاقي أو أسري.
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات على خلق طبقة مدنية سياسية علمانية، تكون هي البديل عن أي قوى سياسية إسلامية، وتتحالف هذه القوى ظاهراً وباطناً ـ بطبيعة وهدف تكوينها ـ مع النظم السياسية الفاسدة، ويتم تسليط الأضواء الإعلامية عليها، وخلق الزعامة لها، لأنه سيكون له دور كبير في حال وقع التمرد المدني.
ـ تعمل أجهزة الاستخبارات على تشويه سمعة من يحاول إبصار الناس بطريقة عملها، وتسفيه فكره باتهامه بأنه مهوس بـ "نظرية المؤامرة"، وفي نفس الوقت عندما تنكشف هذه المخططات عند تطبيقها عملياً، أو تسريب بعضها أو رصده، يتم الترويج لفكرة "الجميع فاسدون، لا أمل في أي إصلاح، "مفيش فايدة"، الكل ملوث" لتسود حالة الوهن، واليأس، والضياع، والاستسلام.
ـ بتراكم المشكلات، وازدياد القهر، وانعدام الأمل في الإصلاح، أو في الهجرة للخارج، تزداد الضغوط الشعبية التي قد تؤدي إلى انفجارات اجتماعية، تبدأ بالمظاهرات، وتنتهي بالتمرد المدني، وللأسف الحركات الناتجة عن مجرد الانفجار الشعبي يسهل عملية توجيهها والسيطرة عليها.
ـ في حال وقع التمرد، أو السماح به، أو ترك المجال له، أو اعتقاد أجهزة الاستخبارات الدولية أن النظام شاخ، ولا بد من تجديد دمائه، أو تم فقدان السيطرة على التمرد لزخمه، وقوته الشعبية، وارتفاع الوعي بالحقوق، والتشجع على رفض الظلم، والتحرر من الخوف، يصبح التمرد أمراً واقعاً، ومن ثم يجب التعامل معه كأمر واقع.
ـ يتم توجيه القوى السياسية المدنية العلمانية لتصدر مشهد التمرد، رغم أنها طبقة مُخملية لا تعيش أي مشكلات، ولكنها يجب أن تكون الموجه للحراك المدني؛ حتى لا ينفرد الإسلاميون بالساحة، وتستغل هذه القوى المدنية أبناء الطبقة الوسطى ـ الذين تم علمنة فكرهم من خلال التعليم والجامعات والإعلام ـ ليكونوا لهم القاعدة الشعبية التي ستتعرض للأذى والاعتقال والمحاكمات.
ـ عندما تظهر بوادر نجاح التمرد المدني، تعمل أجهزة الاستخبارات على تحديد هدفها، هل هو بقاء النظام السياسي الموالي لهم كما هو، أم السماح بتجديد دمائه، وبقاء جذوره كما هي، ومن ثم تعمل أجهزة الاستخبارات على التحكم في التمرد، وتوجيهه والسيطرة عليه من خلال:
(1) مرحلة التأييد:
وفيها يتم تأييد التمرد المدني، وتسميته بالثورة السلمية العظيمة، من الشعب العظيم، الذي قدّم أروع البطولات في سبيل ثورته السلمية، وتحقيق آمال شعبه، وتخلّصه من الفساد، والظلم... إلخ من الشعارات والكلمات الجميلة التي تعبر عن أماني الشعوب، ورفع سقف التوقعات عند الشعب لدرجة يعتقد معها أن بلده سيصبح خلال وقت قصير أقوى دولة في العالم! وتنطلق الأغاني الوطنية، والأناشيد الشعبية، والأعمال الفنية لترسيخ هذه المعاني والاحتفال بالثورة المجيدة.
(2) مرحلة التهدئة:
وفيها يتم الدعوة إلى فترة انتقالية يجب أن تزيد مدتها عن ستة أشهر؛ حتى يذهب الزخم الثوري، وتقل الحدة العاطفية، وينشغل الناس بأمور حياتهم الاعتيادية على أمل انتصار الثورة المجيدة! ويتم خلال هذه الفترة التكثيف الإعلامي للمحللين السياسيين والأكاديميين، وملء القنوات بالحديث عن: الدستور، والاستحقاقات الانتخابية، والتوافق، والمرحلة الانتقالية، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاكمة رموز النظام السابق.
(3) مرحلة التبريد:
وفي هذه المرحلة يتم شل القوى الثورية المُحركة للتمرد المدني، ويتم إبراز الخلافات الأيديولوجية، والبنيوية، والسياسية بين رفقاء الثورة، وإظهار فشلهم في إدارة المشهد السياسي، ومن ثم محاولة ضرب بعضهم ببعض، ويبدأ الحديث ـ على خجل ـ عن النظام السابق، وتبدأ المقارنة بين النظام السابق، والوضع الحالي، وكيف أن الوضع في النظام السابق ـ الذي تم التمرد عليه ـ كان أفضل حالاً مما هو عليه الآن، إذ تظهر المشكلات الاقتصادية بصورة أكثر حدة، وتحدث شبه حالة من الفوضى في إدارة الدولة مقصودة ومتعمدة، وليست عفوية أو عجز عن الإدارة.
(4) مرحلة الشلل:
وفي هذه المرحلة يتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية أو رئاسية، وتضيع هذه المرحلة في تفصيلات الانتخابات، وتكوين هيئاتها، ومرشحيها، وبرامج المرشحين، ومؤيديهم، ومؤتمراتهم، وموعد الانتخابات، وطريقة حساب الأصوات، ومراقبة الانتخابات دولياً... إلخ، وفي هذه المرحلة يظن الشعب أنه يجني ثمرة الثورة المباركة! وستبدأ بعد مرحلة الفوضى السابقة بناء الدولة الحديثة العصرية المستقلة القوية الديمقراطية!
وفي هذه المرحلة يتم تكوين أحزاب جديدة للنظام السابق ـ والتي سقطت بفعل الثورة ـ تحت مسميات جديدة، وإعادة تموضع أضلاع النظام، وقواه الحية بصور وأسماء وأشكال جديدة، بل والتمسح بالثورة عند الحاجة لأخذ البركة الشعبية!
وتنجح الانتخابات ـ وتهتم أجهزة الاستخبارات بنزاهتها إمعاناً في الخداع والمناورة ـ ويتم انتخاب شخصيات وطنية أو إسلامية محترمة ومحل تقدير الشعب؛ لأن الانتخابات لم يتم تزويرها، ويتم تكثيف الرقابة على هذه الشخصيات لحظة بلحظة قبل الانتخابات، وبعد النجاح فيها، وتَسلّم "السلطة الوهمية" حيث الرئيس المنتخب لا يملك أي صلاحيات على قوى الجيش والأمن، وولائها ليس للرئيس، ولا تعترف به ولا بالانتخابات! ولا يملك كذلك صلاحيات سياسية يمكن من خلالها عمل التغيير الجذري في قواعد النظام..
ولكن الرئيس وحكومته سيجد أنه أمام جبال من الكوارث، والمصائب، في كل قطاع من قطاعات الدولة، وسيجد أنه لا يستطيع حيلة أمامها، فهو يحتاج إلى المال والرجال والقوة لمواجهة هذه المصائب المتراكمة من مئات السنين! وسيجبرونه على الاتجاه للإقراض المُفقد للسيادة، والذي لا يحل المشكلات من جذورها، والناس في ثورتها تنتظر الثمرة، ولا تجد إلا الضعف والفوضى، فتخرج المسيرات التي تطالب بالإصلاح، وبتحقيق مبادئ وأهداف الثورة؛ فيظهر الرئيس المنتخب وحكومته ـ التي تحاول فعل أي شيء يحقق مطالب الشعب ـ بأنهم ضعفاء، فشلة، ليسوا أهلاً للحكم الذي يحتاج إلى الأقوياء، ويستغل "الإعلام الحر!" ـ بحكم الثورة ـ ذلك الموقف، ويتحدث عن الرئيس وحكومته بمنتهى الاستهزاء، فالثورة كفلت الحرية للجميع، ومن ثم يتحقق هدف الإساءة للإسلام من خلال التجربة الإسلامية الفاشلة، وأن الأسلمة ليست حلاً، وهي تهديد لوجود الدولة، والهدف الثاني: التمهيد لإرجاع النظام القديم كما كان، وأشد قوة وضراوة ووحشية وتحفزاً.
(5) مرحلة الرقابة النوعية:
والرقابة لا تنقطع، فهي مستمرة في كل المراحل، ولكن الواقع الرقمي الجديد، واستخدام وسائل الاتصالات الحديثة تفرض رقابة نوعية مثل التجسس المتطور على الهواتف، والتحكم في التفاعلات والمشاركات على وسائل التواصل، ومراقبة الحسابات الإلكترونية، وتثبيط المشاركة الهادفة لرفض الانقلاب، وتأييد الثورة، وتتبع النشطاء، والقبض عليهم، والتحكم فيهم، والعمل على تحييدهم، وضمهم ـ إن كان منهم فائدة لهم ـ إلى صفهم، وتنشيط الحسابات الوهمية المزيفة التي تتحكم في الوسوم (الهشتاج) المؤيدة للانقلاب، وشراء الأسهم في الشركات الكبرى للتواصل الاجتماعي لضمان التحكم فيها، ومعرفة الأبواب الخلفية فيها التي تسمح بالمراقبة والسيطرة والتحكم.
إضافة إلى ذلك تعمل أجهزة الاستخبارات على "الاستثمار طويل الأجل" في عملائها الذين تُعدهم لأدوار: "رئيس جمهورية" أو "رئيس حكومة" أو "مناصب سيادية" في بلادنا، وهي تنتجهم في مزارعها الخاصة، وتنفق من أجل ذلك بلا حساب؛ لأن فائدة الواحد منهم تُعادل دولة كاملة لجيل على الأقل.
(6) مرحلة الانقلاب:
تخطط أجهزة الاستخبارات في المرحلة الأخيرة من مواجهة التمرد المدني ـ أو الثورات السلمية ـ إلى عودة النظام الذي لم يذهب أصلاً، إنما حل ضيف ثقيل عليه هو الرئيس المنتخب وحكومته التي فشلت في تحقيق أهداف الثورة أو حتى رجعت إلى مستوى النظام الذي تم الثورة عليه.. ويبدأ الناس بالحديث عن ضرورة التغيير، فهم في حِل من أمرهم، وفي حرية تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم، وتغيير الحكام والرؤساء متى شاءوا؛ فتخرج المسيرات الرافضة للحكومة المنتخبة، وتكثر الأحاديث الإعلامية التي تُحلل الوضع القائم، وتتعمد إسقاط الرموز الإسلامية والوطنية إعلامياً، بالسخرية منهم، ومن مشروعاتهم، ومن سياسيهم، ومن فشلهم الذريع.. وضرورة إنقاذ البلد من "الانهيار والفوضى" و"حماية مصلحة المواطن"..
تُحرك أجهزة المخابرات أذرعها في الجيش ـ خاصة قيادة الجيش العليا ـ مع القوى المدنية العلمانية، لتكوين شبه تحالفات من أجل مواجهة الخطر الذي يتهدد الدولة العظيمة جراء تصرفات الرئيس المنتخب، فالبلاد تمر بأزمات عميقة، ولا بد من الحفاظ على أمن الدولة، والأمن القومي، ومواجهة الفاسدين!!
في أغلب بلادنا العربية إرهاصات الانقلاب تكون واضحة للعيان، بل خطة الانقلاب يتم تسريبها أيضاً، والتحذير منها صباح مساء! ولكن الرئيس المنتخب وحكومته يكونون في حالة من الغيبوبة، والموت الإكلينيكي بعد غرقهم في مشكلات البلد، واطمئنانهم أن الثورة ماضية في طريقها، وأنهم وحدهم لهم الشرعية لأنه تم انتخابهم من خلال انتخابات حرة نزيهة لأول مرة في تاريخ البلاد.
وحتى لو علموا بخطة الانقلاب، فإنهم لا يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً فهم لا يُصدقون أن كل ما حصل كان وهماً كبيراً، وسراباً بعيداً، ومن ثم يكون رد فعلهم دوماً هو: الذهول، والتيه، والحيرة، وترديد الكلام عن "الدستور والشرعية والتوافق، والسلمية، والديمقراطية، وحقن دماء أبناء الوطن، والابتعاد عن الفتنة، والأمل في تحقيق الاصطفاف الوطني، والتجانس المجتمعي!!"... إلخ من الهذيان السياسي، والغيوبة الواقعية، والهلوسة السياسية، التي تُضحك الجميع عليهم.
وبكل سهولة ويسر يقع الانقلاب، ويجد الرئيس وحكومته نفسه
في الشارع، بلا سلطة، ولا قوة، ولا احترام.. والانقلاب لا ينجح يوم وقوعه،
إنما ينجح عندما تتم أول خطوة فيه وهي "مرحلة التهدئة"، وبتوالي
إتمام خطوات الاحتواء والسيطرة، يكون الانقلاب "حتمية سياسية" لا
بد واقعة، ولا مفر منها..
إلا أن تحصل "معجزة سياسية" فتتدارك سريعاً جنين الانقلاب وتجهضه قبل ولادته، من خلال قيادات ميدانية، وقوة عسكرية، وتظاهرات شعبية تشل الدولة كلها؛ وتستعيد جميع مراكز القوى فيها، وغالباً ما تكون هذه المعجزة نادرة الحدوث، نظراً لما تنزلق فيه الثورة السلمية من شباك الاستخبارات.
ولذلك لا تنجح تصريحات تلك القيادات المُنقَلب عليها في صنع أي شيء، وأغلبها يدور حول "الشرعية، والدستور، والقانون، والديمقراطية، واحترام مؤسسات الدولة"، كما أن توجيه الدعوة إلى الشعب لينتفض ضد الانقلاب، ويحافظ على ثورته لا تُؤتي أُكلها كذلك؛ لأنها دعوة "بلا قيادة، ولا خطة، ولا قوة"؛ فتكون مجرد غضبة عفوية هنا أو هناك، ومسيرات، واعتصامات، ومظاهرات، لا يلبث أن يطويها الزمن أو الملل أو التوحش عليها.
وتبدأ عملية تثبيت وترسيخ الانقلاب، وخطته:
(1) يتم تعطيل الدستور أو بعض مواده أو تفسيرها حسب خطة الانقلاب، وإقالة الحكومة، والرئيس وجميع القوى التي تمثل التمرد المدني أو الثورة.
(2) يتم السيطرة العسكرية على الإذاعة والتلفاز، وطرد القنوات المعارضة، والسيطرة على المباني السيادية في الدولة التي تمثل النظام، والقوة، والانتشار الكثيف لقوات الجيش والشرطة تحت عنوان "حماية الشعب" وعمل مظاهرات تأييد لهذه القوات سواء أكانت مفتعلة أو حقيقية باستجابة الناس للخديعة.
(3) امتصاص صدمة الانقلاب بالإجراءات التدريجية حتى يتمكن الانقلاب من كل مفاصل القوة، والسيطرة الكاملة (العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والقضائية والدستورية... إلخ).
(4) يتم عمل مظاهرات مؤيدة للانقلاب باعتباره يُخلص البلاد من الفوضى، والتفكك، ويحافظ على الأمن القومي، ويخلصهم من الفساد، ويحقق لهم الإصلاحات.
(5) حسب زخم المواقف الرافضة للانقلاب، فإن أجهزة المخابرات الدولية تُعطي تفويض وصلاحية لقوات الجيش والشرطة والمخابرات المحلية باستخدام القوة المفرطة في قتل أي مظاهرات ـ سواء سلمية أو غير سلمية ـ قد تؤثر على مسار الانقلاب، على أن يتم استخدام القوة المميتة حسب الحاجة، بدون خوف أو خجل أو تردد.
(6) بعد الانقلاب بأيام قليلة يتم اعتقال جميع مؤيدي الثورة من القيادات المنتخبة والمخلصة، بحجة الفساد، والانقلاب على دستور البلاد، أو قتل المتظاهرين، وتعريض أمن البلاد للخطر، يتم فيها الحكم بالإعدام، ثم تخفيفه للمؤبد، أو تحديد إقامة جبرية، أو طرد خارج البلاد، أو عفو صحي مع إقامة جبرية، أو طلب اللجوء لدولة أجنبية؛ فيتم التخلص من المعارضين حسب الظروف والأدوات المناسبة.
(7) يبدأ الانقلاب عملية تطهير شاملة ودقيقة في كل مفاصل الدولة والمجتمع للأفراد والجهات والجماعات التي نجحت في إحداث التمرد المدني ـ أو الثورة السلمية ـ بحجة قانون العزل السياسي، أو التطهير السياسي، كما يُمنع إعلامياً أي نقد للانقلاب، ومعاقبة من يقوم بذلك بتهمة التشهير أو الإرهاب أو تكدير الرأي العام أو نشر الشائعات والأكاذيب، خاصة الإسلاميين، وكذلك العلمانيين الوطنيين؛ فيجب السيطرة على جميع القوى المؤثرة، وتفكيك جميع القوى السياسية، ومصادرة أموالهم، وأحزابهم، ومقراتهم، وإعلامهم، وقواعدهم الشعبية.
(8) يعود النظام السابق كما هو، أو بدماء جديدة لنفس "الأشخاص الاعتباريين" للنظام؛ حتى تستمر الهيمنة والسيطرة التامة، كما تركها المحتل ـ المُستعمر ـ أول مرة، وتنفيذ أوامر النظام الدولي بحذافيرها، بعدما ترك صبيانه لممارسة هواياتهم في الإفساد، وسرقة مقدرات البلد، والتمتع بجنون السلطة، ومحاربة أي بعث إسلامي، مع استمرار المخابرات الدولية في عملها في مراقبة حركة الأسرى والمقهورين والمستضعفين الذين يحملون اسم "الشعب العظيم".
هذا ما استطعت رصده من خطوط عريضة، أما التفاصيل، والترابط بين الأحداث في كل دولة، والأزمات المفتعلة، والأزمات المُستَغلة، والأنشطة السرية، والعملاء السريين، فهذا مما لا نعلمه، ويختلف من دولة إلى أخرى، لكن ـ في النهاية ـ الخطوط العامة العريضة تكاد تكون واحدة.
***
ومواجهة التمرد المدني، وتنفيذ الانقلابات علم دقيق، تقوم عليه أجهزة استخبارات متخصصة في هذا الجانب لضمان السيطرة على الشعوب الإسلامية، وبقاء الدول الإسلامية تدور في فلك النظام الدولي لا تخرج عنه طرفة عين..
وهم بكل تأكيد لا يُمثلون قدر الله، ولا كلمتهم نافذة في كل مرة، كل ما هنالك.. وسبب نجاحهم المتكرر، أن المسلمين في غفلة، ولا يقومون بـ "التدافع الحقيقي" مع عدوهم، ولا يَستبينون سبيل المجرمين كما أمرهم كتابهم.. ويوم أن يبدأ المسلمون البداية الجادة الحقيقية، سنرى كل هذا المكر ـ الذي تزول منه الجبال ـ يتهاوى، ويتداعى، ويتساقط، بل وتنهار هذه النظم العميلة الخائنة الهشة، بل هي شديدة الهشاشة ـ أوهن من بيوت العنكبوت ـ ولكننا لم نخرج بعد من "وهم الاستضعاف" و"وهم الديمقراطية العربية المزيفة" و"وهم دولة المواطنة العلمانية" و"وهم التوافق والائتلاف الوطني مع الفسدة والفسقة والفجرة" و"وهم الأماني الكاذبة" و"وهم الدستور ودولة القانون الذي يعبث به الطغاة متى شاءوا" وكثير من الأوهام، ويوم أن نخرج منها إلى التدافع الحقيقي، سنندم على ما ضيعناه من أوقات في انتظار هذه الأوهام، وسنجد أن الطريق إلى الحرية الحقيقية من هذا الأسر، وهذه الأغلال كان أسفل أقدامنا، وأن نصر الله كان بين أيدينا، ونحن من أعرضنا عنه.
***