قائمة المدونة محتويات المدونة

12‏/03‏/2022

دروس من الحرب الروسية الأوكرانية

المسلم إنسان رسالي، خليفة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقوم بالرحمة والحق والعدل، موضوعه هذا العالم، وهو شهيد عليه.. وهو مُتفاعل مع أحداثه، وأخباره، ومفترض فيه ـ عندما تتحول الأمة من حالتها "الغثائية" إلى "الرسالية" ـ أن يقضي بين الناس في هذه الأرض..

ولا يحسبن نفسه ـ بسبب ضعف الأمة وتسلط أئمة النفاق والبغي عليها ـ أن لا قيمة له! بل إنه يحمل رسالة النجاة للإنسانية كلها. وما يقع في الأرض من أحداث كبرى، لا بد ـ على أقل تقدير ـ أن يستخلص منها العِبر والدروس، ومن دروس الحرب الروسية الأوكرانية ما يلي:

1- في عالم السياسة لا مجال للفراغ والضعف والتردد، فالقانون الدولي والاتفاقيات والمؤسسات الدولية لن تنفع في شيء إن ظهرت ضعيفاً أو متردداً، حيث فوراً سيتمدد الأقوياء لأكلك بالصورة السياسية المناسبة؛ الاحتلال المباشر، الاحتلال غير المباشر، المبررات القانونية السخيفة، مزاعم الدفاع وحماية المدنيين! السيطرة الاقتصادية والثقافية... إلخ.

2- الحسد والطمع والتسلط على الضعفاء.. شيء لا يمكن تحييده، ولا ضمان خطره من خلال الاتفاقيات فحسب، فيجب دوماً الاستعداد، وتوقع العدوان مهما بدى لك راية الأمن والأمان مرفوعة.. فالصراع والتدافع ـ للأسف ـ حقيقة إنسانية لا مفر منها، وعندما يقع لن تنفعك اتفاقيات ولا وعود.. فيجب بناء قوتك الذاتية، وتوقع عدوان المعتدين. فالاتفاقيات الدولية (للحماية، والدفاع) عند تتعارض مع المصالح، تصبح حبراً على ورق، وهم بطبيعة حالهم لا يوفون بعهد ولا ميثاق.. وإن الذي يجعل الاتفاقيات محل توافق واحترام، هو القوة الحربية، وما يتبعها من قوى سياسية واقتصادية.. لكن انتظار وفاء العهود في العلاقات والتوازنات الدولية (بدون قوة ذاتية وسيادة) هو انتظار للوهم الذي يتبعه الدمار.

3- التحضير والترتيب للأحداث الكبرى يتطلب جهداً كبيراً، وتخطيطاً، وإعداداً على كل صعيد، ورغم كون الصراع بين دول كبرى، إلا إنهم لا يتركون شيئاً للظروف، بل يبذلون غاية جهدهم رغم ما يملكون من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية! وهذا ما يجب أن نتعلمه.. حيث نحن في كثير من القضايا الكبرى العالمية نتعامل بمنتهى العفوية، ونعول على الأقدار (دون فهم الأسباب فضلاً عن تحقيقها!) ولا نأتِ الأسباب التي تجعل الأقدار تمضي إلى نتائجها، هذا التعامل العفوي يكلفنا الكثير من التضحيات دون النتائج المرجوة.

4- إذا أردت أن تكون دولة محترمة مرهوبة الجانب عليك الاعتماد على نفسك في كل شيء، كل شيء تعتمد فيه على الآخرين قد يتحول عند الصراع إلى نقاط ضعف، يضغط عليها العدو بكل قوته.. استقلال الدول الحقيقي.. يتحقق عندما تستقل في قوتها الداخلية، ولا تحتاج إلى أحد إلا في المعاملات بالمثل، أما الاعتماد الكلي على الآخرين (الخارج) هو من أكبر نقاط الضعف.

5- استطاعت روسيا خلال 24 ساعة تحييد سلاح الجو الأوكراني بالكامل، وتدمير المطارات العسكرية؛ لدرجة أن الطيار الحربي الأوكراني لم يجد مطاراً يهبط فيه، فهبط في دولة مجاورة.. نفهم من ذلك أنه عندما تكون دولة صغيرة أمام دولة عظمى، وفرق القوى الجوية هائل؛ فيجب استثمار الغالبية العظمى من جهد وميزانية "الحماية الجوية" في "أنظمة الدفاع الجوي" وتوجيه العمل كله في تطويرها، من أجل الدفاع، مع سلاح الطائرات المسيرة ـ التي لا تحتاج إلى مطارات وهناجر كبرى ـ الذي أثبت فعاليته وتأثيره في تدمير الأرتال العسكرية، ومنصات إطلاق الصواريخ...إلخ.

6- الصبر عند الصدمة الأولى.. فروسيا ضربت بشدة في اليوم الأول، وباستعراض مهيب، ولكن عند الصبر بعد الضربة الأولى يبدأ الزخم في التراجع، فمعلوم عن الجيوش الكبرى أنها تشعر بالإحباط عندما تجد مقاومة من دولة ضعيفة، أو لا تسير العمليات بسهولة، فكل جيش للدول العظمى يظن نفسه أنه ذاهب في نزهة، عندما تتحول النزهة إلى ملحمة، يمكن للدولة الضعيفة عندها الثبات والدفاع، والنصر في النهاية.

7- جيوش الدول العظمى عندما تجتاح الدول الضعيفة، فإن الحرب التقليدية لا تجدي نفعاً مع فارق ميزان القوى، وهنا تبدأ حرب العصابات أو الحرب الهجينة، من خلال مجموعات قتالية صغيرة وفاعلة، سهلة الحركة، فعالة التأثير.. تضرب الدب الهائج من حيث لا يشعر، ويبدو أن هذه هي الخطة الوحيدة عند مواجهة الجيوش الكبرى المحتلة، ويجب التدريب على مثل هذه الخطط.

8- في الدول الضعيفة ـ الأمينة على شعوبها، وليست الخائنة لها ـ يتم تدريب الشعب دوماً على استخدام السلاح، وعند اجتياح الدولة المحتلة يجب تسليح الشعب سريعاً ليشارك في عملية الدفاع، بدلاً عن الهرب، حيث ذلك يعطي الأمل والزخم للجيش المُدافع.. فالمعركة في النهاية لا بد أن تُحسم على الأرض، وليس من الجو مهما كان سلاح الجو فتاكاً.

9- السيطرة على الأرض هو الذي يحدد النصر من عدمه، ومتى كان هناك الثبات، ومعرفة متى يكون الثبات.. ومتى يكون استدراج العدو، والمهارة في حروب العصابات.. فإنها تُكبد العدو خسائر فادحة جداً، وكلفة بشرية ومالية عالية. تبدأ الهزيمة الحقيقية عندما تفقد الرغبة في المقاومة، وتحسب عدوك قوة لا يمكن هزيمتها.. بينما عندما تصر على المقاومة تجد نفسك أنك تستطيع أن تفعل الكثير، بل وأن تنتصر في النهاية، فثبات ومقاومة صاحب الحق، ليس كقتال صاحب الباطل والزيف.

10- في محاولة الانتصار في أي حرب يحاول كل طرف السيطرة على "النقاط الاستراتيجية" و"الأرض القوية" في الدولة، وهي ـ في كل دولة ـ (العاصمة) قلب النظام السياسي، و(الممرات والأراضي الاستراتيجية الاقتصادية) مثل الممرات والمواني البحرية، أو المنشآت النووية، أو الأراضي التي تحوي ثروات في باطنها، والعواصم الاقتصادية... إلخ، في الحالة الأوكرانية حاولت روسيا منذ اليوم الأول عزل أوكرانيا بحرياً، والسيطرة على موانيها كلها، وإعلان مناطقها دولاً مستقلة تابعة لروسيا ـ وكذلك السيطرة على المنشآت النووية ـ وفي ذلك قيمة اقتصادية وعسكرية كبرى لروسيا، فمنها ضمان الملاحة من المناطق الدافئة، وعمل حزام أمان لها. وفي هذه الحرب.. تفعل روسيا كل شيء من أجل الوصول إلى "العاصمة"، وتحاول أوكرانيا ـ من جانبها ـ التركيز على الدفاع عنها بكل قوتها.

11- توحيد الجبهة الداخلية من أهم عوامل نجاح المقاومة وصد العدوان، وحسن عرض قضيتك خارجياً مما يجلب لها التعاطف، والمساندة على الأقل على مستوى الشعوب، فيجب تماسك الجبهة الداخلية، وتجميل الخطاب المصدر للخارج، واستباق رسم الصورة الإعلامية المناسبة عنك، قبل أن يرسمها لك الإعلام المعادي.

12- أي صراع عسكري لا بد أن ينتهي بـ "حل سياسي"، ورجال السياسة في دورهم لا يقلون خطورة عن رجال المقاومة.. فهم المنوط بهم تحويل النصر والتضحيات إلى "قيمة سياسية".. وعلى قدر الانتصار يكون "المكسب السياسي" فالمكاسب لا تتحقق بدون انتصار وقوة.

13- تحرك أمريكا نحو فنزويلا ـ ودول أمريكا اللاتينية ـ لمحاولة التخفيف من النفوذ الروسي بها، ومحاولة تحييده قبل أن يكبر، واستئصاله قبل أن ينتشر.. فأمريكا تحاول أن تستبق الأحداث قبل أن تقع.. وليس بالضرورة أن تنجح، ولكنها تسدد وتقارب، وتستدرك أخطائها! وهذا يعلمنا اليقظة والحذر، والتحرك المبكر، وتأمين كل الجبهات، وتحييد كل الأخطار، ومواجهة الأخطاء بدلاً عن تبريرها.

14ـ في محاولة أوكرانيا المريرة والمتكررة طلب فرض منطقة حظر جوي عليها؛ لمنع الطيران الحربي الروسي من دخولها، رفضت أمريكا وأوروبا بشدة هذا المقترح الذي يعني ـ عملياً ـ دخول أوروبا في الحرب مع "دولة نووية" ـ كما قالوا ـ وأنا أعتقد إن لم تكن روسيا دولة نووية لتم الدخول معها في حرب مفتوحة، بل والدخول لقلب موسكو؛ وهذا يُعلمنا مفهوم: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[الأنفال (60)] حيث القوة الرادعة والمكافئة لقوة العدو تقريباً هي العامل الوحيد الذي يجعله يحترمك، وليس الحق ولا العهود ولا المواثيق ولا الأخلاق.

15- الأخطاء الاستراتيجية، والأخطاء القاتلة في العمل السياسي، قد تأتي على الدولة كلها، وتُسقطها، وتُشرد أهلها، وحتى يمكن تفادي هذه الأخطار يجب إعمال الشورى، والدفع بالأفضل، وبأهل الأمانة والعلم والخبرة.

16- الإدانات الدولية الواسعة، وتحشيد الغرب ـ ضد حرب أوكرانيا ـ سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً من أجل خنق وعزل روسيا.. لم نجد أي شيء منه عندما وقع الاعتداء على سوريا وتدميرها، بموافقة خائنها الأكبر ـ حاكمها اللعين ـ وتهجير أهلها، وقتل شعبها.. وهذا هو المتوقع، ولا ننتظر إدانات من الغرب، وإنما نضع هذه المقارنة أمام القارئ المسلم حتى يعرف كيف يفكر ويتعامل الغرب، فلا يصدق دجلهم، ولا يطلب نصرة إلا من الله سبحانه وتعالى.

17- كل من لم يؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً عملياً حقيقياً فلا خلاق له، ولا عهد، ولا ميثاق؛ لذا يبدو من العبث محاولة إثبات أن الغرب يَكيل بمكيالين أو يخالف مبادئه! العبرة هي "موازين القوى" لا موازين "الأخلاق والحق والعدل".. فعندهم القوي مادياً هو الذي يُحدد المبادئ، وهو الذي يُعطلها، وهو الذي يقرر متى يُغيرها، ومتى ينقلب عليها، وهو الوحيد حصراً الذي يملك تعريفها، ويضع محدداتها.. لذا فإن محاولة الضعيف إثبات أن الغرب القوي يكيل بمكيالين أو يخالف مبادئه تبدو محاولة مضحكة؛ لا يعبأ القوي حتى بالرد عليها أو الدفاع عن موقفه؛ وبذلك عندما نعرف كيف يفكر القوي مادياً نجده لا يكيل بمكيالين، بل إنه ميزان واحد.. "ميزان القوى" وأما الأخلاق والمبادئ فهي مجرد عامل مساعد، وخادم للقوى ليس أكثر.

18- استعداد روسيا للعقوبات المُحتملة عليها وعلى رأسها العقوبات الاقتصادية، فقد كانت تخطط لجمع أكبر كمية من الذهب، وكان النصيب الأوفر منه من السودان؛ حيث تم توفير مئات الأطنان من الذهب، وصلت قيمته أكبر من غطاء الدولار لدى البنك المركزي الروسي.. وهذا من آثار حكم الطغاة وأئمة النفاق والخيانة لبلادنا فهم يبيعون مقدراتها وثرواتها بثمن بخس، ويُسلّمون شعوبها للفقر والاحتلال.

كما حاولت روسيا التمدد في الفراغ الفرنسي في القارة الأفريقية؛ وهكذا ينتقل الضعفاء من محتل إلى آخر، طالما هم باقون في الأسر! ويحكمهم الفجرة المجرمون.

19- عندما يحكم "أئمة النفاق" ـ مثل رئيس الشيشان، الذي ساق جنده (الذين ينتسبون للإسلام!) كما يُساق الغنم؛ ليقاتلوا "في سبيل روسيا"، ولتكون "كلمة بوتين هي العليا" ـ فإنهم يصبحون دجاجلة أقوامهم؛ الذين يقلبون لهم الحق باطلاً، والباطل حقاً.. وهؤلاء الأئمة المضلين هم أخوف ما خافه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته، وهم أعدى أعدائها.

20- أثر الخيانة والفساد يظهر أثره بشدة مع الأزمات، فمثلاً: مصر ـ والدول العربية ـ من أكبر مستورد للقمح في العالم (خاصة من روسيا وأوكرانيا)، وبلادنا تملك من الأراضي والمياه ما يُمكّنها من الوفاء باحتياجاتها كاملة، بل وتصدر للعالم أجمع، إلا أن الخيانة والعمالة من الأنظمة الحاكمة التي تعمل على إضعاف الجبهة الداخلية لأوطاننا، بل ومنعها من زراعة القمح؛ حتى تظل في حاجة دائمة إلى الاستيراد (بالعملة الأجنبية) والارتهان إلى الخارج.. وها هي اليوم تواجه أزمة غذائية حادة بسبب الحرب، وارتفاع أسعاره التي تثقل كاهل الناس.

21- من الأمور الهامشية العجيبة، استضافة النظام المصري للسياح الأوكرانيين في الفنادق على حساب المصريين، بينما الجالية المصرية بأوكرانيا تبلغهم السفارة بأن إجراءات السفر ستكون على حسابهم، حيث مهام سفارات مصر بالخارج هي: التجسس على الجالية المصرية، وسرقة أموالهم عندما يأتون لإنهاء بعض المعاملات الورقية، ولا عجب ـ في الحقيقة ـ أمام نظام خان دينه وأمانته؛ ويتعامل مع المصريين بإهانة واحتقار!

22- رغم تعاطف العالم الإسلامي مع مظلمة أوكرانيا، والتغطية الإعلامية التي فاقت القنوات الأوروبية، وحزنهم على رؤية أطفالهم ونساءهم في العراء، وقد ذاقوا كثيراً مثل هذه المعاناة، ولا يتمنوها لأحد، وكذلك تقديم دولة تركيا المساعدات الإنسانية والعسكرية.. فتظل أوروبا ـ رغم محنتها ـ هي أوروبا.. تنظر بعجرفة واستعلاء حتى مع من يتعاطف معهم! وكيف ننسى تفرقة الجيش الأوكراني وسلطات اللجوء في الدول المجاورة بين المسلمين من ذوي البشرة الملونة، وتفضيل الأوكرانيين في أولوية الدخول وركوب وسائل النقل؛ لأنهم (مسيحيين، بيض، ذوي الشعر الأشقر، والعيون الزرقاء، وأذكياء، ومتعلمون) كما قالوا وبرروا ذلك نصاً على وسائل إعلامهم، فهم إذاً يفرقون على أساس (الدين، واللون، والعرق، والجنسية)؟! فهم ينظرون بمنتهى الدونية والاحتقار للمسلمين، والملونين، وكل غيرهم! ويستعلون عليهم بكل "عصبية جاهلية" وأكلوا صنم "حقوق الإنسان" عندما جاعوا!

ويجب ألا يؤثر مثل هذا السلوك في أخلاقنا وقيمنا.. فهي أساس الحضارة الربانية والبشرى للإنسانية، ولا نطلب العزة والسيادة والكرامة إلا من عند الله، ومن نور كتابه. وليس بتقليد أحد، ولا التزلف لأحد.

23ـ لا يمكن أن نلوم أوروبا أنها تُفضل اللاجئين الأوكرانيين على اللاجئين العرب المسلمين.. فأرى أن هذا حقها! وأنها تتحرك وفق مصلحتها وتصوراتها، ولكن اللوم الحقيقي والعار الكامل إنما يُوجه إلى الأنظمة العربية الخائنة لدينها وأوطانها؛ التي هجرّ بعضها المسلمين، وأخرجتهم من ديارهم وأبنائهم وأموالهم ـ بعدما قتلت الألوف وشردت الملايين! ـ وأمتنع البعض الآخر عن استقبالهم ومنحهم الاستقرار اللازم لاستمرار الحياة وإدماجهم في المجتمعات "العربية المسلمة" ونحن "أمة واحدة" خرجت من رحم "كتاب واحد" على يد "رسول واحد" ـ عليه السلام ـ وتؤمن بإله واحد، ذات نسب مشترك، وقبائل عربية واحدة، ولغة واحدة، وجغرافيا واحدة، وتاريخ واحد.. فما كانت هذه الأنظمة إلا نبتة لعينة من جرثومة "القومية" الخبيثة التي غرسها الاستعمار الغربي البغيض.

هذه الأنظمة هي التي تقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، وتظلم الشعوب، وتبغي وتستكبر في الأرض بغير الحق، وتحارب الله ورسوله وتسعى في الأرض فساداً.. وقضيتنا المصيرية هي التحرر من قبضة هذه الأنظمة، والخلاص منها بإذن الله.

24- أفتى بعض المشايخ بجواز الانضواء تحت راية الأوكرانيين من أجل الدفاع عن الوطن، وهي فتوى غير صحيحة، وغير مدركة للواقع السياسي بين الغرب من جانب وروسيا من جانب آخر.. وهي حرب ليس للمسلمين فيها ناقة ولا جمل، ولا يحل ـ فيما أرى ـ الانضواء تحت أي راية فيها للقتال سواء للدفاع أو للأجر؛ فالمسلم لا يُقاتل تحت راية عصبية، ولا عمية، ولا حمية، ولا للمغنم.. إنما يُقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أو يدفع عن نفسه الضرر المباشر الواقع عليه من عدوه.

25- مصلحة الأمة المسلمة ليست مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، ولا مع روسيا والصين.. مصلحة الأمة المسلمة في "إسلامها لله"؛ وتخلصها من الطغاة والمفسدين، وتوحدها أمام جميع أعدائها؛ حتى تتمكن من مواجهتهم مجتمعة موحدة؛ فتكون محترمة ومرهوبة الجانب أمامهم.

26- يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال (73)] وقد رأينا كيف تتضامن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا، وأعطاها الدعم والنصرة والولاء والتأييد لأنهم اعتبروا أنفسهم جسداً واحداً ـ وإنْ كانت تَطغى برجماتيتهم الميكافيلية في النهاية ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ[الحشر (14)] ـ  فدفاعهم عنها هو دفاع عن أنفسهم.. حيث إنهم متشابهين في الأيديولوجيا والفكر والسياسة، حتى على المستوى الفردي قام ملياردير أمريكي بتوفير الإنترنت الفضائي لأوكرانيا خشية انقطاع الإنترنت الأرضي!

وهذا ما يجب أن تكون عليه الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها.. وإلا تقع الفتنة والفساد الكبير، وحقيق بها هذه "الولاية والائتلاف"؛ فمفترض في الأمة المسلمة أنها على قلب واحد مُسلم ومتوجه لله سبحانه وتعالى، ومُتبع لشرعه وكتابه.

27- يقول تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا[النساء (104)] هكذا الحياة.. فيها الكَبد والألم، وهو يصيب بني البشر كلهم.. في السلم والحرب، في العسر واليسر.. وهذا الكَبد والألم للتذكير بطبيعة الحياة، ورجاء اليوم الآخر، والسعيد من كان كبده وألمه وهو مؤمن بالله، ويرجو ما عند الله، الذي هو خير وأبقى.

28- يقول تعالى:

﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الأحقاف (27)]

﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ[القصص (58)]

﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ[الأنبياء (11)]

﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[الأعراف (183،182)]

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ[آل عمران (140)]

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[السجدة (21)]

يُعلمنا الله ـ تعالى ـ أنه لا يقع شيء في هذا الوجود "صدفة"، وأنه ـ جل جلاله ـ مُسبب الأسباب، ومُقدر الأقدار، وأنه يبعث بالبشرى والنذير.. هذا النذير الذي يُحلله البعض "سياسيا واقتصادياً" وينتهي عند هذا الحد، ولا يتجاوز حدود الحياة الدنيا، فهو محدد الرؤية بظاهر الحياة الدنيا، ويغفلون عن القوى الكبرى المتحكمة في هذا الوجود، فهذا الخراب الذي يحصل هو إشارة إلى "زوال الدنيا، ونعيمها"، والمتاع إلى حين لا يأمن له إلا المغرور المفتون به.. ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ[الشعراء (207:205)]

هذه الأرض التي يظن أهلها أنهم قادرون عليها.. يُسبب الله الأسباب؛ فتصبح حصيداً كأن لم تَغن بالأمس.. ومثل ذلك فيما يقع من الزلازل والأعاصير والأوبئة... إلخ، إنَّ من تعاسة الإنسان أن يتوقف عند ظاهر الحياة الدنيا؛ فيحاول فقط تفسيرها فيزيائياً وجيولوجياً وطبياً أو سياسياً واقتصادياً... إلخ، ولا يتجاوز هذا الظاهر إلى القوى الكبرى المتحكمة والمدبرة لهذا الوجود ـ سبحانه وتعالى ـ وإنها علامات، لمن يريد الاهتداء: {لعلهم يَرجعون} { لعلهم يَتذكرون} {لعلهم يَتفكرون} {لعلهم يَتضرعون}.

***