قائمة المدونة محتويات المدونة

14‏/12‏/2013

خطورة الفكر المُتقولب

الفكر أخطر مرحلة يمر بها الإنسان؛ لأنها تُحدد منطلقاته وسلوكه، والمسلم فكره يكون ربانياً.. أي قائماً بالكتاب، ومتحرراً من الآبائية والنمطية والقولبة، فكَونه قائماً بالكتاب.. وحاملاً للشرع المؤهل لكل العصور والأزمان؛ يجعل فكره حياً حركياً ابداعياً ابتكارياً.. بمعنى فكر يَخلق واقع جديد لا يخضع للمُسلّمات النمطية السائدة، ولا للقوالب الجاهلية القائمة.
وإن هذا الفكر الرباني المتحرر من المُسلّمات الجاهلية والنمطية السائدة.. هو وحده المؤهل لحمل رسالة الله إلى العالمين.
وإن الإنسان حينما يُقوم بالكتاب والشرع، دون أن يتحرر من سجن الآبائية، وظلام المُسلّمات الجاهلية، وقوالب الأنماط السائدة؛ فإن محاولته تُكلف الكثير من الدماء والأرواح والأجيال.. ثم تنتهي إلى الفشل !
ولنفهم المراد من هذا المقال تحديداً نضرب أمثلة من الواقع المصري الحالي، حتى نفهم مدى خطوة الفكر المُتقولب..
الرئيس محمد مرسي هو وجماعته وحزبه - أنا أؤمن بشدة - أنهم يريدون الخير لمصر، وأنهم طاهروا اليد، وأن عندهم كفاءات قادرة على إدارة الدولة بنجاح فقط بعد استقرار الثورة، ولكن دون أن تقوم ثورة كاملة، يحميها حرس ثوري يسحق الفساد سحقاً.. فلن يستطيعوا التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
ولننظر ماذا فعل الفكر النمطي المتقولب؟ وهذا الفكر يعني وجود مُسلّمات ونتائج لا تقبل المناقشة أو التغيير أو التحوير أو التطوير.. مُسلّمات كقوانين الفيزياء !
الأمثلة:
* انتهج الرئيس مرسي المنهج الإصلاحي مع أجهزة الفساد والمؤسسة العسكرية ( الفكرة النمطية ) الصدام يعني انهيار الدولة.
* سلميتنا أقوى من الرصاص ( الفكرة النمطية ) الصدام يعني الحرب الأهلية وسيناريو سوريا.
* المقاومة وصد العدوان ( الفكرة النمطية ) سنُتهم بالإرهاب.
* رفع لواء الشريعة ( الفكرة النمطية ) سيُعادينا الغرب، والشعب غير مؤهل لذلك.
ونجد هنا أن الفكرة النمطية تصبح في مقام "القانون المقدس" الذي لا يمكن تغييره أو تحويره أو تفكيكه أو تبديله أو خلق نتائج مختلفة عنه!
ومكمن الخطورة في هذا الفكر:
§         أن "العقل والتفكير" يتوقفان أمام هذا القانون المقدس.. وتتوقف عملية الابداع وإنشاء واقع جديد مختلف تماماً عن هذا النمط، لأن العقل ينظر إليه على أنه "قانون مقدس" نتيجته حتمية لا يمكن تغييرها أو تعديها أو تحويرها أو الصدام معها.
§         أن العقل لا يقبل النصيحة المبذولة له من خارجه، بل لا يستجيب لليد الممدودة له تريد تحريره من سجنه.
§         أن الأخطاء والكوارث التي تقع بسبب هذا الفكر، لا تحطم أسوار السجن، بل تجعله فقط في حالة هياج عاطفي رومانسي يُعلي من قيمة التضحية والفداء.. ولكن بلا مقابل لأن العقل مسجون داخل أسوار قوانين مقدسة، ونمطية جامدة !
والكثير منا في واقع حياته اليومية يقع أسيراً للفكر النمطي المتقولب في اختيارته وممارساته، استناداً لنتائج تجارب آخرين، فيصبح أسيراً لها.. وهنا يدخل العقل أقصى وأشد سجن يمكن أن يتصوره.
ولنُعيد ذكر الأمثلة السابقة مع محاولة عدم التفكير بنمطية أو بنتائج متقولبة:
* المنهج الثوري ضد مؤسسات الفساد: لا يهدم الدولة بل يُنقذها ( الاستناد إلى الحالة الثورية القائمة - تكوين حرس ثوري - تشكيل وعي إعلامي - فضح مؤسسات الفساد - الضربة القاضية لمن يهددون الدولة بأي طريقة ) إذن الدولة لن تُهدم، بل يتم انقاذها بأقل الخسائر الممكنة. ولكن حدث العكس فخسرنا كل شيء !.
* سلمينا أقوى من الرصاص: والخروج عنها قيد أُنملة ستقوم الحرب الأهلية.. رغم أن كل الثورات في العالم كان لها قوة تحميها، وكل فئة قليلة في العالم لها حماية قوية مُسلحة ومنظمة مثال: ( الكنيسة وحزب الله اللبناني) فكان يكفي مع الحراك الثوري قوة قادرة على رد العدوان وردع القاتل والمجرم والمعتدي، ولكن حدث العكس فتزداد فاتورة الدماء والتكاليف.
* المقاومة وصد العدوان: أنت في كل أحوالك متهم بالإرهاب.. والمقاومة يمكن أن تشمل جميع الجوانب الإعلامية والسياسية والدبلوماسية والدولية والثقافية والعسكرية، ولا ترتكن لواحدة فقط دون أن يكون لك سند من باقي أدوات القوى الآخرى.
* رفع لواء الشريعة: وهو الكلمة الوحيدة الجامعة للأمة.. الغرب يُعاديك في كل الأحوال، وتعاطف الشعوب الغربية لن يُغير من معادلة الهيمنة الدولية شيء، والناس عندما تعرف الشرع ستجدها أول من يطالب به ويُضحي من أجل إقامته.
الحقيقة أنا هنا لا أُقدم بديلاً.. ولكن أفتح الطرق أمام العقل ليتحرر من سجنه، وإن ما طرحته هنا من طريقة فكر متحررة من القولبة والنمطية لهي محاولة إنسان بسيط، فما بالنا لو اجتمعت العقول والأفكار والطاقات ماذا يمكن أن يحدث من خير عظيم ؟!
كل المطلوب: عقل رباني قائم بالكتاب، ومتحرر من الأنماط والقوالب والمُسلّمات الجاهلية، ويكسر أسوار السجن.. فينطلق يخلق واقعاً ربانياً جديداً، ويحطم الأصنام الفكرية، ويتحرر من العبودية لنتائج ليست حتمية.
كُتب في 14/12/2013