في العام 1952 انهارت الملكية المصرية، عقب انقلاب عسكري قاده ما يُسمى "الضابط الأحرار".
الملكية
المصرية كانت تعيش في حمى الاستعمار الإنجليزي، وتسمح بالحياة النيابية والبرلمانية،
وكان لمصر اقتصاد اقطاعي لكنه اقتصاد قوي، وكان الجنيه المصري أعلى قيمة من
الدولار الأمريكي.
كان
للانقلاب العسكري على الملكية، والذي سُمي فيما بعد فيما يُعرف بثورة يوليو 1952،
كان لهذا الانقلاب مطالب يتطلع لها الشعب، مثل: ( العدالة الاجتماعية - جلاء
الإنجليز - تحديد الملكية الزراعية... إلخ ) وكان مجرد من ينادي بتلك المطالب يصبح
قائداً وزعيماً للأمة المتعطشة لمطالبها والقليلة الحيلة.. فلا فكر، ولا قيادة !.
ساعد
الإخوان الضباط الأحرار في تنفيذ انقلابهم، ظناً منهم أنه يقود البلاد إلى الأفضل،
وإلى التحرر والسيادة والشريعة.
بدأت ملامح الانقلاب الحقيقية تظهر ملامحها القبيحة عاماً بعد عام ( ضاعت سيناء - أم الرشراش "إيلات حالياً" - دُمر الجيش المصري - دُمر الاقتصاد - ضاعت السودان - فقدنا السيطرة على ميناء العقبة وغزة... إلخ ) هذا من حيث الدولة. أما من حيث جماعة الإخوان ( تم ضرب الجماعة في سويدا القلب - القتل بلا حساب - امتهان الإسلام وانتشار الإلحاد ) وتم الغدر بالجماعة التي ساعدت في الانقلاب العسكري من أجل إقامة دولة إسلامية !
وقال الرئيس الذي لم يحكم مصر "محمد نجيب": لقد أطحنا بالملك، فأتينا بـ 19 ملك ( يقصد مجلس قيادة الثورة ).
ورث
نظام عبد الناصر العسكري مصر بدلاً عن الأسرة الملكية المصرية، فتحولت مصر من
الملكية العلوية إلى ( الملكية العسكرية ) وصارت الملكية العسكرية نظاماً شبيه
بالأسرة المالكة الحاكمة، بمعنى أن من يحكم مصر لا بد أن يأتي من داخل الأسرة
العسكرية الحاكمة، وبرضها.. ولا مشكلة في تباين الأفكار والاتجاهات طالما داخل
إطار الأسرة، ولذا وجدنا التباين بين منهج عبدالناصر، والسادات، ومبارك.. فهناك
سِعة لهذا التباين طالما في إطار وداخل حدود الأسرة العسكرية الحاكمة والحامية
لعلمانية الدولة.
والأسرة
العسكرية لها نفس نفوذ وملكية النظم الملكية.. فهي من يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في
الدولة، وهي من تملك الدولة، ولا يمر أي شيء إلا بها ومن خلالها وبإذنها، وساء
سلوك الأسرة العسكرية وفسادها وانحرافها حتى تندر الناس على أيام الأسرة الملكية
العلوية وحكومة تحت الاحتلال، فلقد كان الناس في سعة من العيش لم تكن في حكم
الأسرة العسكرية الوريثة للنظام الملكي !
صارت
كل الأمور على ما يرام - بالنسبة للأسرة العسكرية - طوال 62 سنة ما بين عبدالناصر،
والسادات، ومبارك.. حتى طال حكم مبارك، وانتهت فترة صلاحيته وأصبح خارج الخدمة،
وهذا أحدث أزمة داخل المؤسسة العسكرية. فمبارك اتجه إلى عملية توريث ابنه الحكم..
فمبارك - في العشر سنوات الأخيرة من حكمه - كان سلّم إدارة البلاد لابنه جمال،
واتجه فريق ابنه للتمهيد لعملية التوريث، وظهر هنا مصطلح الحرس القديم متمثلاً في
مبارك ورجاله، والحرس الجديد متمثلاً في ابنه ورجاله. هذا الملف كان يزعج "الأسرة
العسكرية" جداً فلا بد للحاكم أن يكون من داخل الأسرة العسكرية، وابنه لم يكن
منتسباً لتلك الأسرة، وتوريثه يعني ( خروج ) على ثورة يوليو الوريثة للنظام
الملكي.
ثم
جاءت ( انتفاضة 25 يناير 2011 ) تحمل مطالب يحلم بها الشعب - شبيهة بالمطالب التي
كان يتطلع إليها إبان ثورة يوليو 1952 - وبعيداً عن ملابسات انتفاضة يناير 2011 ، دعونا
نقرر قاعدة: لماذا الانقلاب العسكري في يوليو أصبح ثورة، وانتفاضة يناير أصبحت
مجرد انتفاضة لم تحقق أي من أهدافها ؟
لأن
الانقلاب العسكري في يوليو 1952 ورث الدولة كلها، السلطة والثورة والحكم واستحوذ
على كل مقدراتها، فتغير النظام بأكمله، بفكره ورجاله وقادته.. وتغير وجه الدولة
المصرية كلها.
أما
في انتفاضة يناير فهي لم ترث الدولة من الأسرة العسكرية ولم تقض عليها، ولم تمسها
بسوء، بل هتفت باسمها!! وحدث ما كانت الأسرة العسكرية ترغب فيه وهو: القضاء على جمال مبارك
ورجاله، الأمر الذي سبب لها صداعاً لم تكن تعرف ماذا تتصرف حياله ! فكان - حتى
الآن - نتائج انتفاضة يناير - والتي خرج الشعب يحلم فيها بالكرامة ولقمة عيش
بإنسانية - كان نتائجها تصب في صالح الأسرة العسكرية وهي: القضاء على جمال مبارك -
عودة المجلس العسكري لحكم البلاد - إدارة كل صغيرة وكبيرة تحت إشراف وإذن المؤسسة
العسكرية.. من سلطة واقتصاد وقضاء وإعلام وانتخابات.. كله تحت رقابة صرامة ودقيقة
وعالمية !
جاءت
لعبة الانتخابات.. اُستبعد الرجال الأقوياء من السابق الشيخ حازم، والأستاذ خيرت
الشاطر.. وبقي الدكتور مرسي وشفيق، كان مجرد وجود شفيق في الانتخابات - وهو رئيس
وزراء معركة الجمل - يعني أن الانتفاضة فشلت بكل معنى الكلمة، جاء مرسي - وكان
العسكر يأمل أن يتحول لسكرتير عنده، أو يخطط للقضاء عليه - ولنبل مرسي وكرامته أبى
أن يرضخ للعسكر، فكان مصيره الانقلاب والسجن.. كان الانقلاب على الرئيس مرسي - في
ظل سياق الأسرة الملكية العسكرية - يبدو طبيعياً جداً، وبديهياً أمام الأسرة التي
تحكم البلاد منذ 1952.!
من
هذا السرد التاريخي، يتبين الآتي:
*
أنه يستحيل أن يُطلق لفظ "ثورة" على الحالة المصرية الحالية، مالم
تستهدف "الأسرة الملكية العسكرية" سواء استهدفتها بالجلاء كحالة الملك
فاروق، أو استهدفتها بالقصاص.
*
أن الثورة لا تستهدف أبداً شخص دفعت به "الأسرة العسكرية" بل تستهدف
"الأسرة نفسها.. مصنع الطواغيت والفراعنة".
*
أن الثورة لا بد أن ترث "الأسرة العسكرية" كما ورث العسكر ميراث الملكية
العلوية بعد الملك فاروق، لا بد للثورة أن ترث الحكم والثروة والسلطة ونظام الدولة
كاملاً.
*
أن بقاء "الأسرة الملكية العسكرية" يعني أن من سيحكم مصر في الفترة
القادمة حتماً سيكون من داخل المؤسسة العسكرية، أو مجرد شخصية مدنية تعمل سكرتير
للأسرة العسكرية، واعتقد لو كان "جمال مبارك" يصلح أن يكون سكرتيراً
للأسرة العسكرية لمنع العسكر "انتفاضة يناير بكل وحشية" لكن جمال مبارك
كان رجلاً قوياً وله نفوذ وقوة اقتصادية متمثلة في رجال الأعمال أصدقائه.
*
أن أي "انتفاضة ارتجالية" مع الأسرة العسكرية يعني مزيد من الضعف
والانهاك للدولة يتحمل عبئه المواطن البسيط، ولن يغير في الأمور شيئاً.
*
إن أي محاولة للعمل داخل إطار الأسرة العسكرية الحامية لهوية الدولة المصرية
العلمانية، هي محاولة خسيسة ولن تجدي نفعاً مع الشعوب، فضلاً على أنها تستجلب غضب
الله سبحانه.
*
إنه إذن لا بد من ثورة كاملة "ترث الأسرة العسكرية" ويكون لها السلطة
والثورة والحكم.. والثورة إما أن تكون: علمانية ديمقراطية مدنية.. تتحول فيها
الدولة من الأسرة العسكرية إلى النظام الديمقراطي داخل إطار هوية الدولة
العلمانية. وإما أن تكون ثورة إسلامية ترث "الأسرة العسكرية" وتتحول
فيها الدولة إلى نظام إسلامي تتغير فيه هوية الدولة نحو الإسلام.
العلمانيون
المصريون من أخبث وأحط وأحقر الناس، وليس لهم همة ولا كرامة ولا عزة أن تقف في وجه
الأسرة العسكرية، بقي اختيار واحد هو "الثورة الإسلامية" التي تستهدف
القضاء على الأسرة العسكرية وترثها.
وأول
خطوة في طريق الثورة الإسلامية هو الوعي بالمنهج الإسلامي، ورفع راية الإسلام.
كُتب
في 31 / 12 / 2013