(1)
قسم تنظيمي إجرائي. (2)
قسم تشريعي قانوني.
القسم الأول: التنظيمي
الإجرائي هو: يختص بكيفية "التنظيم والإدارة" - بغض النظر عن طبيعية
القوانين التي يتم التحاكم إليها - وهو قسم معني بسرعة التحاكم، وحسن الإدارة،
ودقة التنظيم، وسهولة الإجراءات، وحفظ كرامة الإنسان، والاهتمام به في حالة كونه
المجني عليه، وحفظ كرامته في حال كونه الجاني.. ذلك أن المحكمة تهدف إلى تحقيق
"العدالة" لا "الانتقام" !.
ولقد برع الغرب في حسن "التنظيم
والإدارة" فيما يختص في تنظيم محاكمهم وآليات القضاء - بغض النظر عن القوانين
التي يتحاكمون إليها - فنجد تنظيماً بارعاً يراعي أدق التفاصيل، وفي نفس الوقت
سرعة الإنجاز، وإفهام الجاني والمجني عليه كافة حقوق كل منهما، ولسنا هنا لعرض نقد
تفصيلي للمحاكم في الغرب، إنما هنا لنشير إلى "ضرورة" الاستفادة من حسن
التنظيم والإدارة الذي برعوا فيه مع طول الممارسة، ومع رغبتهم الدائمة بشعور
"الرغبة" والتفوق على باقي الجنس البشري !.
والناظر في محاكمنا
العلمانية اليوم - في بلادنا - يرى جريمتين: الأولى: نبذ شرع الله إلى القوانين
العلمانية. والثانية: إهدار حقوق الناس مع الفساد الإداري، والفوضى، والظلم،
والقهر حتى قبل إطلاق الأحكام !.
وإذا نحن أردنا بعثاً
جديداً لـ "المحكمة الإسلامية"، يجب أن يحضرنا حسن التنظيم والإدارة،
وحفظ كرامة الإنسان.. الذي كرّمه الله حتى وهو كافر به !، فلا تهدر كرامته، ولا
يعتدي عليه أحد إلا بحق الله، وإلا بأمر الله.. فلا غضب، ولا انتقام، ولا افتراض
أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، وإن أول شيء تلتفت إليه المحكمة هو "احترام"
الإنسان" وتقديره، وشعور آلامه، وغيرها مما يخفف عن المجي عليه، ومما يرفع من
كرامة الجاني.. ويشعر - قبل المحاكمة - أنه بالفعل يقف أمام محكمة إسلامية لا
تتجرأ على أحد إلا بحكم الله، وأنها بالفعل تعمد إلى تحقيق "الحق والعدل"،
ولا تلتفت إلى شيء سواهما، فحفظ "الكرامة" وعدم القهر.. ترفع من قيمة
الإنسان، وتكبح فيه جماح الشر والجريمة، فيتكون لديه شعور "التوبة
والندم" أما في حالة إهدار الكرامة والقهر، تنتفش أجنحة الشر، والرغبة في
الانتقام من الجميع، فإذا استطاع فعل، وإذ عجز.. ظل يكمن الشر، ويتولد فيه شعور
الخسة والتحايل.. كما حدث في مجتمعاتنا !!.
* * *
القسم الثاني: التشريعي
القانوني
وهو ماهية القوانين التي
يتم التحاكم إليها، وكونها محكمة إسلامية فإنه لا خيار لها، سوى الاحتكام إلى
"شرع الله" وإذا نبذت شرع الله إلى غيره تحولت من فورها إلى "محكمة
علمانية جاهلية" بل حتى ولو جعلت مع شرع الله شريكاً له في استنباط الأحكام
والقوانين أصبحت أيضاً علمانية، ذلك أن شرع الله هو "المرجعية الوحيدة"
- لا شريك لها - التي على المسلمين الاعتبار بها، والتحاكم إليها.
ومن هذا الشرع - الذي لا
يسع لأي مسلم الخروج عليه أو نبذه إلى غيره - تتفرع فروع الفقه الإسلامي ومدارسه..
التي نشأت منها المدارس الفقهية الإسلامية
المشهورة في علوم الفقه.
والفقه: هو اجتهاد بشري من
أجل استنباط "الأحكام" من الشرع، بعد فهم: (أ) مراد الشرع العام. (ب)
فهم الحالة الواقعية بصورة شاملة متكاملة.
ونلحظ من خلال
"الشرع" و"سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" و"مدارس
الفقه" أن الإسلام وصل لأقصى درجات "الشدة" في حالات، ووصل أقصى
درجات "الرحمة" في حالات، ووصل لمرحلة من "التفاوض والسياسة"
في حالات ( وهذه خاصة بـ "سياسة الدولة" لا في الحكم على الأفراد في
التقاضي ).. ولعل هذا هو سبب "التنوع" في الفقه الإسلامي، وعلى القاضي
أن يفهم طبيعة هذا التنوع، فيعمد وهو يحكم - من خلال الفقه - إلى فهم حالات الشدة
والرحمة لا أن يأخذ الأمور على ظواهرها بشكل سطحي.
ولا يجوز للقاضي أن يفرض
مذهباً فقهياً على من يحكمهم، فمتى وجد رحمة معتبرة شرعاً عمد إليها.. ذلك أن
الإسلام يهدف إلى تحقيق "الحق والعدل" لا "الانتقام والغضب"
كما لا يجوز للقاضي أن يكون "متعصباً" إلى مذهب فقهي، وأن يكون مؤهلاً
لـ "الاجتهاد" و"الترجيح" فيعمد إلى النظر في أقوال جميع
فقهاء المذاهب.. ثم يمحص أدلة كل مذهب على حدا، ثم يراجع الحالة الواقعية، ثم يُرجح
أو يجتهد في الحكم الصادر عنه، وهنا يحضر "ضمير" القاضي في مسألة عدم
"الهوى" أو وقوع "حكم مسبق" له يميل إليه نفسياً - دون أن
يشعر - كما لا يجوز للقاضي أيضاً إذا شعر بالرغبة في الانتقام من المجني عليه.. أن
يحكم في هذه القضية، بل عليه تركها لغيره، حتى لا يحكم فيها بهوى.
ذلك أن تحقيق "الحق
والعدل (الرباني)" هو الهدف الأسمى من "المحكمة الإسلامية" وكونه
ربانياً فمعناه أنه يراعي الحق والعدل في كل صغيرة وكبيرة قبل وأثناء وبعد إجراء
المحكمة.. فهي مسألة ليست هينة، أو بسيطة.. بل هي "خلافة" في الأرض،
بحكم الله الذي يحبه ويريده.
وعلى القاضي أن لا يَذل من
يتحاكم إليهم، أو يُعطل قضاياهم، أو يتعالى عليهم، أو يرهبهم، أو يقلل من شأنهم،
أو يُحقر من كرامتهم !...إلخ، فهذا كله لا يليق بـ "المحكمة الإسلامية".
أما الظلم - والعياذ بالله
- سواء في تعطيل التحاكم بلا عذر، أو إهدار كرامتهم، أو تأخير حقوقهم، أو الميل عن
مراد الله، أو إرهاب الناس بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، أو فرض عليهم مما لم
يفرضه الله عليهم، أو القسوة عليهم بما لم يأذن به الله.. فهذا عاقبته لا تحتاج إلا
بيان.
إن المحكمة الإسلامية..
تعبير عملي عن "شرع الله" الذي جاء رحمة وسلاماً وعدلاً وحقاً لكل
البشرية، فإذا حادت المحكمة الإسلامية عن مقاصد الشرع الحنيف، فلم تعد بعد تستحق
هذا الوصف العظيم، ومتى حققت مقاصد الشرع، نالت هذه المكانة العظيمة - "المحكمة
الإسلامية" - فالعبرة بالمضمون لا بالعناوين.. وإنها لأمانة عظيمة، فليحملها
أهل الأمانة والفطرة السوية.. أهل العلم والفضل والكرم والعدل.
* * *
موضوعات ذات صلة:
-
مشكلات في تناول الفقه
الإسلامي. ( تحت الإعداد ).
* * *