قال مندوب "دولة يهود" بالأمم المتحدة:
"إن الملك داوود اختار لهم القدس عاصمة لهم منذ 3 آلاف سنة" وفي هذا
المقال نستعرض - بإذن الله - بعض الحقائق حول هذا الأمر..
كان
داوود - عليه السلام - مجاهداً في سبيل الله في جيش طالوت، حنيفاً مسلماً لله على
ملة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقاتل هو "والقلة" المؤمنة من بني
إسرائيل، ودخلوا الأرض المقدسة، بعدما تخلف الذين كفروا من بني إسرائيل، فقال
تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ
اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ
اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو
فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة : 251]
ولقد
لَعن داوود وعيسى ابن مريم - عليهما السلام - الذين كفروا من بني إسرائيل بسبب
"عصيانهم، وعدوانهم، وعدم تناهيهم عن المنكر، وولايتهم للكافرين" فقال
تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ
دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ.
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ. تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ
مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي
الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [المائدة: 78: 80]
وبنو
إسرائيل اليوم هم في هذه اللعنة لنفس الأسباب التي كانت في أسلافهم، إضافة إلى
خطتهم الممنهجة في إفساد البشرية، والعلو والتجبر فيها بغير الحق.. مصحوباً كل ذلك
بالغرور في دينهم ! فهم ملعونون على لسان داوود، وعلى ألسنة أنبيائهم.
* * *
ولقد
جعل الله - سبحانه وتعالى - النبوة والرسالة في أبينا إبراهيم عليه السلام، وجعله
الله للناس إماماً.. كما قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ فسأل إبراهيم ربه: ﴿قَالَ: وَمِن
ذُرِّيَّتِي﴾ فكان الجواب: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة
: 124]
فالانتساب
لإبراهيم - عليه السلام - مع الظلم والعدوان نسباً لا قيمة له، ولا شرعية لأي
إمامة من نسله إن كانت ظالمة.. فرسالة الله ودينه وشرعه قوامها الحق والعدل المطلق،
والقيام بالقسط، والشهادة لله..
ومن
نسل إبراهيم (عليه السلام) كان "إسحاق" - من رحم سارة عليها السلام - و"إسماعيل"
- من رحم هاجر عليها السلام - ومن نسل إسحاق كان "إسرائيل" - يعقوب عليه
السلام - ومن نسله أيضاً كان عيسى - عليه السلام - وكلهم على دين
"التوحيد" والاستسلام لله سبحانه وتعالى..
وكان
موقف الفئة التي استمرأت الذل من بني إسرائيل، وظلمت واعتدت باسم الدين، هي قتال أنبيائهم
وتكذيبهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا
مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ
وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ
تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً
تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة : 87]
وجاءت
البشارة في التوراة والإنجيل برسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد كان
يهود إبان البعثة المحمدية "يستفتحون" على الذين كفروا بهذا النبي الذي
قد أظل زمانه، وأنه سيرفع شأنهم، ويلملم فرقتهم، ويرفع ذكرهم مرة ثانية، فقال
تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا
مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ
فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى
الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة : 89]
لقد
كان يهود يظنون - بل كانوا على يقين - أن النبي القادم هو من نسل إسحاق، وسيخرج
فيهم، ومن بينهم، ولكن انتقلت "الإمامة" من نسل إسحاق إلى نسل إسماعيل -
عليهما السلام - وهنا حسد يهود وحقدوا أن خرجت النبوة والرسالة من بين أيديهم،
فكفروا واستكبروا، واخترعوا لأنفسهم مخلصاً - وليس هو إلا دجالاً - بدلاً عن النبي
الخاتم..
والإشكالية
الأخرى أن هذا النبي هو نبي آخر الزمان، ورسالته هي الرسالة الأخيرة والخاتمة؛ مما
يعني أنه لن يخرج نبي مرة أخرى لا من نسل إسحاق، ولا من نسل إسماعيل، فكان حقد يهود
ومكرهم وعداوتهم أشد ما تكون على المؤمنين، والولاء والنصرة أشد ما تكون
للمشركين.. لتنكشف حقيقة كفرهم وفسق الغالبية - إلا الذين آمنوا منهم - والتي
صحبتهم طوال تاريخهم الموصوم بقتل الأنبياء، وبالظلم والعدوان، وبتحريف الكلم عن
مواضعه.
* * *
فكانت
رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الرسالة الأخيرة والتامة لكل الرسالات
السابقة، وكتاب هذه الرسالة - القرآن الكريم - هو المهيمن على ما قبله من الكتب -
التوراة والإنجيل - فقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ [المائدة
: 48]
ومن
ثَم كانت الأمة المسلمة أحق بدين إبراهيم - عليه السلام - والمُتبعة له طالما كانت
على الحنيفية السمحة.. فقال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ
نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
[آل عمران : 67] وتنازع أهل الكتاب - اليهود والنصارى - في
إبراهيم فقال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران : 65]
فهذه
الأمة هي الحقيقة باتصال النسب بأئمة العدل والحق والتوحيد من: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وإسرائيل، وموسى، وداوود، وعيسى عليهم السلام..
فكانت
الأمة المسلمة من أصول إيمانها الإيمان بكل الرسل، والاتصال بموكب الرسل الكرام،
والإيمان بكل الكتب، فقال تعالى: ﴿آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]
ومن
هنا جاءت وراثة "مدينة القدس" لتكون خالصة لدين الله الذي جاء به:
إبراهيم، وموسى، وداوود، وعيسى، ومحمد.. عليهم صلوات الله وسلامه.
وفي
وقت مبكر من عمر البعثة المحمدية جاءت "حادثة الإسراء" من مكة حيث
المسجد الحرام (وحيث ميراث إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام) إلى بيت المقدس
حيث المسجد الأقصى (وحيث ميراث إبراهيم وإسحاق وأنبياء بني إسرائيل عليهم السلام)
ليُصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - في "المسجد الأقصى"، ويؤم الأنبياء
جميعهم.. ليكون هذا هو الإعلان عن "إمامة" محمد - صلى الله عليه
وسلم - لدين إبراهيم، وهيمنة الكتاب الخالد على كل ما سبقه، وكانت هذه ضرورة
طبيعية للرسالة الخاتمة التي خصت بالذكر رسالة موسى - عليه السلام - وتفصيلاً لكل
فصولها، ورسالة عيسى - عليه السلام - ودفاعاً عنه وعن أمه مريم - عليها السلام -
دون غلو النصارى أو عدوان يهود.. فكانت هي الحافظة والمدافعة عن رسالة موسى وعيسى
عليهما السلام..
وأصبحت
الأمة التي تم ميلادها على يد محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الأمة الشاهدة
والقائدة، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة
: 143] ولا يكون ذلك إلا عندما تقوم بشروط الخيرية في تحقيق الإيمان
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحق والعدل، والقسط بين الناس.
وفي
سياق "سورة الإسراء" تُلفت الآيات بني إسرائيل إلى "علوهم الكبير"
وإفسادهم في الأرض، وتحذرهم من تدمير ماحق ساحق إن هم عادوا إلى الكفر والعدوان،
لأنه سيكون العلو الأخير فيما يبدو، والفصل الأخير في حياة بني إسرائيل.
ومن
ثَم فقضية القدس ليست قضية "أرض محتلة" فحسب.. بل هي قضية "إيمان"
ابتداء، وقضية "إمامة" للدين.. وسقوطها في يد اليهود أو
النصارى.. هو كسقوط مكة أو المدينة - والعياذ بالله - لأن بها ميراث أعمامنا من
نسل إسحاق فنحن أولى به.. والأحق به، فهو ارتباط الروح، وارتباط الدم.. والدفاع
عنها وتحريرها هو دفاع بالأساس عن إمامة الإسلام، والاضطلاع بالدور الذي خوله الله
لهذا الدين الخاتم.
"والخلفاء"
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم من يجب أن يقوموا بهذا الدور.. وتمضي الآية
إلى قيام الساعة: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فكل من يُوصم
بالظلم والعدوان فقد سقطت شرعيته كائناً من كان، ولم يعد خليفة عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فالخليفة عن رسول الله هو الذي يقوم بالحق والعدل المطلق، ويتبع
"سنة" النبي - صلى الله عليه وسلم - في شؤون الحكم والمال خاصة، ويدافع
عن دين الله، وعن الأمة المسلمة، ويسترد ميراث أبينا إبراهيم - عليه السلام -
وميراث الرسل من بعده، ويقوم بالإمامة الحقة لهذا الدين.
* * *