قائمة المدونة محتويات المدونة

25‏/11‏/2018

الوعي بالعدو

سأل سائل عن: كيف لأناس أن تقتل رجلاً وتُقطِعه – وهو يبكي ويصرخ ويتألم – ثم تخرج ضاحكة، لتناول الطعام؟!
قلت: إن هذا السؤال يختلج فقط في مَن في صدورهم قلوب، فإنهم لا يستطيعون فقط سماع تفاصيل الحكاية، فضلاً عن تخيلها أو رؤيتها..

 

ولكن من يفعل ذلك كائنات ممسوخة ليس في صدورها سوى "حجارة" – أو أشد قسوة من الحجارة – ألِفت واعتادت هذه الممارسات؛ حتى صارت تتلذذ بها، وتستمتع بفظائعها، بل إني أعتقد أن لديهم من "شياطين الإنس" من يقولون لهم: إنَّ الله يبارك أعمالكم! وإنكم على جادة الصواب!

ولكن الإشكالية في هذا السؤال، لم تكن في معرفة الجواب.. إنما في السؤال نفسه!

لقد تَذكرت "الحركة الإسلامية" وشباب الحركة الإسلامية المُعذب في سجون الطغاة والبغاة.. وقلت: إنما أُجهز على الحركة الإسلامية عندما لم تكن (تعرف، وتتوقع، وتُعد) لرد فعل هؤلاء الشياطين (سواء الشياطين الذين يمارسون سحق الإنسان، أو الشياطين الذين يُعطون "الشرعية الإسلامية" لهذا السحق)..

لقد اصطدم شباب الحركة الإسلامية في السجون المصرية – مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وحتى الآن – بأُناس تمزق كتاب الله، وتلعن دينه، وتستبيح كل محرم، وتَفجر في الفسوق والفجور والطغيان والعصيان والقهر والإذلال والتعذيب؛ فمن الشباب من جُن، وفقد عقله، ومنهم من قرر الإنتقام  من الجميع، ومنهم من خضع وخنع وخاف وسالم..

وإن أي حركة تغيير تجهل عدوها.. فستأتي من قِبله، وكان على الحركة أن تعد أنفسها لمثل هؤلاء الشياطين.. تعد أنفسها على مستوى الوعي والتأهيل النفسي، وعلى مستوى الحماية المادية من أجل أن لا تكون أكلة مستباحة أمام كلاب مسعورة لا ترقب في إنسان إلاً ولا ذمة.. وصلت لقاع التسافل، والبغي، والعدوان، والفجور؛ مرحلة انقلاب إنساني تام، لا يُرجى منها عودة أبداً!

وكان هذا ما يُخطط له ويتصوره الشيخ حسن البنا وسيد قطب - رحمهما الله – فقد كانوا يدركون تماماً مدى وحشية وجبروت العدو – سواء أكان المحتل أو وكيله الذي كان ومازال يحب أن يُثبت ولائه بتقديم لحوم المسلمين ودمائهم قرباناً له، فكانوا أسوأ ألف مرة من أسوأ محتل – كان رواد الحركة الإسلامية الأوائل يريدون البحث عن "تموضع" للحركة الإسلامية داخل المجتمع؛ لتصبح رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه أو استباحته أو الاستهانة به، ولكن من أتى بعدهم لم يكن لديهم من الوعي الكافي – أو الشجاعة الكافية أو الإخلاص الكافي – فأصبحت الحركة الإسلامية صفراً مستباحاً لا قيمة له؛ فرخصت دماء المسلمين وأعراضهم؛ حتى أصبحت الحركة الإسلامية ذاتها أخاديد يُلقى بها خيرة الشباب، دون هدف أو غاية.. حتى صارنا إلى ما صرنا إليه الآن. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

***

ومن يريد أن يُنشأ "حركة تغيير" فعليه الإعداد النفسي والعقلي، والمادي (إعداد القوة)؛ لأن هذه الحركة ستكون أكبر خطر يُهدد عروش الطغاة، وأكبر خطر يُهدد هيمنة المحتل؛ فيجب لكل حركة تغيير من "ركن شديد" تسدد وتقارب وتستتر به، وتحمي أنفسها من ضربات العدو..

وعلى من يرهب ويرتعد من هذا التصور، أو يجد نفسه ضعيفاً، لا يقدر نفسياً ولا مادياً ولا عقلياً على استيعاب ذلك، فأولى له أن لا يشغل باله بـ "حركة تغيير" – سواء إسلامية أو غيرها – ولا يجر غيره إلى شعارات فارغة، ولا أحلام موهومة، ولا معارك تافهة أو فاشلة، فليشتغل بنفسه، أو فليشتغل بالتجارة.

وأما "حركة البلاغ" فيجب أن تظل مستمرة دائماً أبداً في كل حال، وعلى كل ظرف، فدعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – أمانة يجب أن تُوفى في كل الأحوال، وهذا هو الفرق بين "حركة البلاغ" و"حركة التغيير" والخلط بينهما، وعدم إدراك طبيعة وسُنن كل منهما، يُضيع على الأمة الكثير.

فمن يحدد – من البداية - طبيعة حركته، واتجاهه، ويعد العدة لكل ضرورة، ويستعد لكل متطلب، ويعرف إلى أين يتجه؟ ولماذا؟ فهو الذي يصل بإذن الله.. وهو الذي يُفلح، دون أن يسقط في ظلمات اليأس، أو يغرق في أوهام الجهل. {ومن لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور}.