تعقيب بتاريخ: (21 / 06 / 2021)
مرسي والفساد
كان لدى الرئيس مرسي ـ رحمه الله ـ رغبة أكيدة في محاربة الفساد، ولكن (الخطأ) الذي ارتكبه مرسي، كان هو محاولة محاربة الفساد دون (حماية وقوة) ولائها لشخصه وللثورة، وهذه مهمة مستحيلة وانتحارية انتهت بقتله ـ رحمه الله ـ لأن الفساد هو بنية النظام المصري، وعموده الفقري، والزيت المحرك لتروس الدولة كلها، ومن ثم فهناك اختيارين لا ثالث لهما إلا القتل، الأول: أن تكون جزءاً من منظومة الفساد، وحينها سيدعمك النظام ويرحب بك. والثاني: محاربته بقوات ولائها للرئيس والثورة. وللأسف كان الخيار الثالث.
وبالمثال يتضح المقال: الرئيس السادات في بداية حكمه، كانت مراكز
القوى كلها ضده ـ أي النظام كله ـ وقد خططت هذه القوى لعزله، وتجسست عليه واستهزأت
به، ولم يكن السادات يثق في أحد ـ على عكس مرسي ـ لدرجة أنه أرسل ابنته من القاهرة
إلى الإسكندرية لحضور شخصية لها دور في القضاء على مراكز القوى، وأخبرته برسالة
والدها، وأوصته ألا يخبر أحداً، وأحضر السادات رئيس الحرس الجمهوري وأقسم على
الولاء له، وعندما امتلك السادات هذه القوة التي تضمن حمايته عندما يتحرك ضد
خصومه، فتك السادات بمراكز القوى التي كانت قد قدّمت استقالتها لإجبار السادات على
التنحي، فما كان منه إلا أن اعتقلها جميعاً، وعمل ما سماه بـ "ثورة
التصحيح"، وبعدها تحول ولاء النظام بأجهزته الأمنية والعسكرية للولاء التام
للسادات، هذا الذي فعله السادات في حكمه بالباطل، فالأولى في الحكم بالحق ـ كما في
حالة مرسي ـ أن يكون له من القوات التي يكون ولائها لشخصه وللثورة (أي: الحرس
الثوري) ولكن مرسي ـ وللأسف ـ وثق فيمن لا يستحق الثقة، فكان المسؤول عن حمايته هو
الذي اعتقله! ولو انتصر مرسي على "مراكز القوى" في حكمه؛ لتحول ولاء بقية النظام له، فمراكز القوى هي كالقلب من الأطراف، ومتى تم السيطرة على القلب، خضعت الأطراف للقوي المنتصر، وأعطته ولائها.
ومن أكبر (الأخطاء) أيضاً عدم إقالة الحكومة كلها بعد محاولة اقتحام قصر الاتحادية، والتخلص من وزيري الدفاع والداخلية، وليكن بعدها ما يكون، ولكن أغراهم حلم مرسي الذي كان في غير محله، وعندما حانت الخطوة التي كان يجب أن يأخذها في اليوم الأول ـ أو الشهور الأولى ـ من حكمه، كانوا قد سبقوه وأجهزوا عليه! وقد كانوا يتجسسون عليه، ويعدون أنفاسه.
ومن أكبر (الأخطاء) أيضاً هو عدم الاستجابة للنصح، عندما يأتي من خارج "جماعة الإخوان"، والنظر فيه بنوع من الزهد، أو قلة الاهتمام، رغم وجود كثير من المخلصين حذروا من كارثة الانقلاب، ومن كارثة الدولة العميقة. وقد كان خلاص مصر، ليس خلاصاً للعرب وحدهم، بل للعالم الإسلامي كله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الأهمية البالغة والشديدة، ونحن نذكر محاسن الدكتور مرسي، وإخلاصه، وذكرى مقتله.. أن نُبين هذه (الأخطاء)؛ حتى لا تتكرر مرة ثانية، وحتى لا نَعمى عنها، ولا تضيع دروسها في زحمة الرثاء، والثناء الحسن، وتُعلمنا النقد الذاتي، والتسديد والتقريب، وتعلمنا دروس التاريخ، ودروس القوة، ودروس السياسة الراشدة.
ولو كنت مكان الرئيس مرسي ـ ولا يحب عاقل هذا المنصب ـ لكان أول شيء أعمله، هو الإنفاق بسخاء شديد على أمني الشخصي، وشراء سيارات حماية جديدة، وتغيير طاقم الرئاسة كله، وبناء قصر للحكم جديد تحت إشراف شخصي، وشركة تابعة لي، وتطهير جميع قصور الحكم من أجهزة التنصت، واختيار الحرس الشخصي من أشد الناس ولاء لي ومن جماعتي، واختيار قائد الحرس الجمهوري بعناية فائقة، وتأمين كل تحركاتي أمنياً واستخباراتياً وسياسياً (فالحرص ها هنا أولى من الشجاعة، لأنها أمانة منصب، وأمانة ثورة، وليست حظاً ذاتياً)، ثم افتعال واستغلال أي أزمة لإقالة الحكومة كلها للقضاء على مراكز القوى في الأجهزة الأمنية خاصة، وقضاء السنة الأولى في حماية "منصب الرئيس"، وعدم الثقة في أي أحد له علاقة بالنظام القديم إلا من يثبت ولائه التام، وشراء الولاءات عند الضرورة، ومحاولة تسيير أمور الشعب بالممكن المتاح في السنة الأولى، ثم بعد تأمين المنصب تأتي محاربة الفساد بعد التسلح بالقوى اللازمة لمواجهته، ولعلني لم أكن أفعل شيئاً من ذلك، ولكنه درس التاريخ الذي تعلمناه بمداد الدم، فأولى أن لا يضيع منا هذا الدرس أبداً.
***