قائمة المدونة محتويات المدونة

04‏/01‏/2020

المشهد العراقي


بعد مقتل اللواء قاسم سليماني رجل النظام الإيراني في العراق وسوريا ربما تصبح العراق هي ساحة المواجهة بين أمريكا وإيران، والمتوقع تجنب الحرب المباشرة، واعتماد الحرب عبر الوكلاء، والأذرع الشيعية في (العراق، ولبنان، واليمن، وربما فلسطين).

قاسم سليماني – والنظام الإيراني – يعتبر مجرم حرب، لا يقل جرمه عن جرم النظام الأمريكي والروسي في قتال المسلمين، خاصة بسوريا، والعراق بزعم "القضاء على الإرهاب" تلكم اليافطة التي يستخدمها كل طاغية وجبار عنيد لاستباحة قتال الأبرياء والضعفاء!
ولكن تبعية سليماني إلى ما يُسمى بـ "محور المقاومة" هو ما قد يسبب اللبس عند البعض، إذ تجد الفصائل المسلحة الفلسطينية - كحماس والجهاد الإسلامي - نفسها مضطرة – أو راغبة – في نعي سليماني واعتباره من قادة الجهاد والمقاومة؛ وذلك للدعم السخي الذي يقدمه الحرس الثوري الإيراني للفصائل هناك، وهذا الموقف البراجماتي قد يظنه البعض موقفاً أخلاقياً لهم! وما هو بذلك فالنظام السوري المدعوم إيرانياً – وتحت إشراف سليماني – قتل من المسلمين والأبرياء أضعاف ما قتله "الكيان الصهيوني" وهو شر لا يقل خطراً عنه، والموقف الأخلاقي الصحيح هو البراءة من هذا الظلم المبين، والتمسك بالحق، ولو كان مُكلفاً، لأن خسارة القيمة الأخلاقية لأي عمل، لا تعادلها خسارة.
بعد سقوط نظام صدام حسين بالعراق، وجد العراق نفسه يسقط في دوامة إيرانية تسعى للسيطرة على مقدرات البلاد والقرار السياسي والثقافي فيها، وربما أمريكا لم تحسب لذلك حساباً.. فقد كانت تبحث عن النفط وثروة العراق المهولة، ولكنها أغرقتها في الفوضى الشاملة، التي كانوا يُسمونها "الفوضى الخلاقة"! وبزعم نشر "الديمقراطية" التي ضربت العراقيين بالفسفور الأبيض المُشع!
واليوم – وبعد مقتل سليماني وقيادي في الحشد الشيعي العراقي – ترتكب أمريكا حماقتها الثانية لتسليم قرار العراق كله لإيران.. وستجدها إيران فرصة لاستكمال نفوذها الشامل على العراق، وستتحرك عبر أذرعها العراقية (سياسياً وعسكرياً ومذهبياً) لمحاولة إخراج القوات الأمريكية من هناك.
القواعد العسكرية الأمريكية بالعراق كانت في حماية الشيعة سابقاً لمحاربة السلفية الجهادية، والقضاء على جميع التنظيمات السُنية المسلحة، وعلى رأسها "تنظيم الدولة".. واليوم انقلبت المعادلة، ستكون هذه القواعد في "بيئة معادية" بعد أن كانت في "بيئة حاضنة" وهذا ما يُشكل خطراً كبيراً عليها..
ومن المتوقع إصدار البرلمان العراقي قراراً بإنهاء الاتفاقات الأمنية مع أمريكا، لانتهاك السيادة المزعومة للعراق، واستغلال حالة الشحن العاطفي الرهيبة – والتي يتقنها النظام الإيراني ويفجرها تفجيراً – في منع أي صوت يقول ببقاء الوجود القانوني لتلك القواعد.. وبعد إضفاء الشرعية السياسية، ستأتي الشرعية العسكرية، عن طريق قوات "الحشد الشيعي" و"جيش المهدي" و"عصائب الحق" و"حزب الله العراقي" لقصف تلك القواعد الأمريكية على الأراضي العراقية؛ مما يضطرها في النهاية إلى الانسحاب إلى الكويت أو عمان..
كما أن عملية الاغتيال هذه، أضعفت الحراك الشعبي في العراق ولبنان، والذي كان يحاول الخلاص من الفساد المالي والسياسي للجميع شيعة وسنة، ووجد نفسه يعود لنقطة الصفر من جديد، تحت حالة الهياج العارمة الحاصلة الآن.
وبذلك تكون الحماقة الأمريكية سلّمت العراق مرتين إلى إيران! وإيران تجيد استغلال الفرص، والتحرك سياسياً وعسكرياً في خطوط متوازية، وليس كما كان يظن البعض – خاصة الأخوة السلفيون – أن إيران وأمريكا في تحالف ضدهم! وهذا تسطيح لمشهد سياسي غاية في التعقيد.
***
واقعنا – كمسلمين وشعوب مستضعفة – في حالة "الصفر السياسي" فالحكومات السُنية، علمانية محاربة للدين، أو مستغلة له، وفاسدة تسترق الشعوب وتسرق الثروات، والحكومات الشيعية تدور مع إيران حيث دارت، والمشروع الإيراني ليس هو "نصرة المستضعفين" كما تزعم، إنما للهيمنة أيضاً، والنظام الدولي بقيادة أمريكا وأوروبا وروسيا والصين لا يريد الخير لبلادنا، بل يريد أيضاً الهيمنة وسرقة الثروات، ومنع التحرر الحقيقي للشعوب، ودعم الطغاة والفاسدين، والمكاسب السياسية لبعض الأحزاب الوطنية مكاسب هشة في مهب الريح..
هذا المشهد العدمي يفرض علينا فرضا إعادة النظر في أسباب هذا التراجع، وفقدان الأثر، والغثائية التي أصابتنا في كل شيء - (حيث ليس لدينا مرجعية جامعة، ولسنا على قلب رجل واحد، وليس لدينا قوة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو حتى القدرة على تقديم عادلة قضيتنا وحقوقنا إعلامياً) - ولا يكون ذلك إلا بمراجعة أنفسنا، والنظر في خللها الداخلي، والتوجه نحو النفس الفردية والاجتماعية، لمحاولة الاجتماع مرة ثانية ليكون لها الأثر والفاعلية التي تنقلنا من الموت إلى الحياة. وما أسهل سب ولعن الجميع، وما أصعب معالجة أمراضنا الداخلية.
***