لعلني شعرت بالرغبة في السبق في حجز اسم الكتاب الذي سيصدر يوماً ما ـ إن شاء الله ـ يتحدث عن هذا الجاسوس الذي حكم مصر، في غفلة من شعبها، وغلبة عليهم بقوة السلاح، وكيف استطاع ـ من خلال منصبه كرئيس! ـ أن يخدم دولة بني إسرائيل، ويكون مخلصاً في يهوديته وصهيونيته أكثر من أي يهودي في العالم. ويقول كاتبه بعد رحيلنا نحن عن هذه الحياة: لقد وجدت مَن أشار إلى مضمون هذا الكتاب مِن أهل هذا الزمن الغابر!
فلقد قدّم هذا "الجاسوس" لدولته الأم ما لم تحلم به، ولا يمكن حتى أن تستطيعه، وكان مخلصاً لها غاية الإخلاص، ووفياً لها تمام الوفاء، قدّم لها ثلاث كوارث، كسرت عنق مصر، وقضت على قوتها ومقوماتها وجغرافيتها:
الأولى: تسليم تيران وصنافير للسعودية، ولو سلّم ضعف مساحة هذه الأرض لها.. ولكن في مكان آخر، لما كان هناك مشكلة كتلك التي فعلها هذا الجاسوس، إذ بتسليمه لهذه الجزر للسعودية، وخروجها من المياه الإقليمية والاقتصادية لمصر، تحول البحر الأحمر إلى مرر دولي ـ بعدما كان بحيرة إسلامية خالصة حافظ جميع الحكام على حمايتها حتى امتنع هارون الرشيد عن حفر قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط خشية جيوش الروم! ـ يحق لدولة بني إسرائيل العبور فيه، ولا يمكن إغلاقه في وجه إسرائيل، أو التهديد بمحاصرتها من جهة البحر الأحمر، وكان لإغلاق هذا المضيق في السابق السبب في قيام العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. (راجع ـ إن شئت ـ مقال: الحدود تراب، وتيران وصنافير بعيون إسرائيلية)
الثانية: التواطؤ في تضييع حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، وذلك بمساعدة إسرائيل المشرفة على بناء السد، والتي تقوم بحمايته، وتمويله، وما أثيوبيا إلا واجهة لهذه الكارثة، ودخلت مصر مرحلة الفقر المائي، وتم تدمير مستقبلها في الزراعة. ومن ثم بيع الأراضي الزراعية للأجانب عندما يعجز الفلاح عن زراعتها ولا يجد الماء، ولا الأسمدة، حتى مصانع الأسمدة باعها للأجانب! (راجع ـ إن شئت ـ مقال: سد النهضة، والخداع الاستراتيجي)
الثالثة: بيع أسهم قناة السويس ـ عن طريق صندوق القناة ـ والأراضي التي حولها، رغم أنها من أهم مصادر الدخل القومي، وستصل أسهم هذه القناة في النهاية إلى إسرائيل، وإلى شركائها الدوليين. ومن ثم سيجعل أرض سيناء مرتعاً ليهود، وملكاً لهم. وأخرج لسانه للمصريين ـ عند اعتراضهم ـ وقال لهم: "بطلوا هري"، ولم يتبق منها إلا المجرى الملاحي، وهذا هو المستهدف اليوم!
والكلام على بيع قناة السويس يتم التفاوض عليه من شهور، وليس وليد قرار البرلمان، بل تم بالفعل، وما البرلمان إلا "المحامي القانوني" الذي يكتب للعاهرة عقد زواج. بل هناك تفاوض عليه منذ عمل التفريعة الجديدة لقناة السويس، بل وقبل ذلك بكثير أيضاً، ولم يجدوا أوفى من هذا الجاسوس لتنفيذ مخططهم. ولقد تم إنشاء صندوق القناة قبل إقرار البرلمان، فالأمر كان تحصيل حاصل.
هذا وقد وصل دخل القناة حوالي 8 مليارات دولار في عام 2022م، لا يعرف أحد أين تذهب، ولا يحق لأحد أن يسأل، والذي يسأل يُعتقل ويُعذب! ومع ذلك باع السيسي شرف مصر ودمر اقتصادها من أجل قرض صندوق النقد بـ 4 مليارات، ويبيع أصول مصر من أجل سداد القروض! وتسديد الفوائد الربوية فيما يسمى "خدمة الدين"..
فهو يفعل ذلك ليس عن استبداد أو جهالة أو ضعف في القيادة السياسية أو حتى طمع وفساد البعض.. كلا! لو كان كل ذلك مجتمعاً ما وصلنا حتى هذه المرحلة، إنما يفعل ذلك عامداً متعمداً من أجل تدمير حاضر ومستقبل مصر، وجعلها في منتهى الضعف، وتدمير كل مقوماتها الاقتصادية والجغرافية والإنسانية والأخلاقية؛ فلا تقوم لها قائمة.
هذه الكوارث الثلاث إن شاءت مصر ـ بعد هلاك هذا الجاسوس ـ أن تحلها، وتُعيد الأمور إلى نصابها، وتستعيد مصر قوتها ومكانتها مرة ثانية.. ستجد أنها إن أرادت حل مشكلة واحدة من هذه الثلاث أن تصطدم بالقوانين الدولية، والاتفاقات المبرمة، ومخالفتها يعني إطلاق حرب اقتصادية عليها، وإيقاع العقوبات الاقتصادية، وحصارها، وتدمير البقية الباقية من اقتصادها.. والحل الوحيد لكل مشكلة يعني قيام حرب، فاستعادة تيران وصنافير، وحصة مياه النيل، وأسهم قناة السويس لا يمكن أن يتم بصورة سلمية أبداً، ستجد الدولة نفسها تحتاج لخوض الحروب من أجل ذلك، وقد لا تجد القوة الكافية لذلك لا القوة الحربية، ولا القوة الاقتصادية، ولا القوة السياسية، وستجد نفسها مُكبلة بديون داخلية، وديون خارجية، وأزمات من كل شكل ولون..
وهناك كارثة رابعة وهي تفريغ سيناء وجعلها ظهير صحراوي لإسرائيل وبيع أراضيها أيضاً للأجانب وفي كل مرة ستجد الأجانب ـ ورائهم يد الصهيونية أو خادمة لها ـ ومن ثم تسليم أرض سيناء لهم، وصولاً إلى جبل الطور! وعزل سيناء عن باقي محافظات مصر، وعدم السماح بدخولها إلا للملاك الجدد، والعمالة المصرية الرخيصة!
وبذلك تأمن دولة بني إسرائيل غاية الأمن، وتستثمر في الأرض الجديدة، ويغرق الشعب في الاستعباد والديون والهيمنة الصهيونية والدولية، فلم يعد سيد قراره، ولا يملك من ثروات بلده ومقدراتها من شيء، بل عليه ديوان بمئات المليارات!
وقد وتم بالفعل بيع أراضي كثيرة من سيناء لمستثمرين إماراتيين ـ وهم الذراع الاقتصادي للصهيونية ـ وبيع القناة من الناحية الاقتصادية، يرهن مصر بالكامل للخارج خاصة ليهود، ومن الناحية الحربية يزيد في تحقيق أمن دولة بني إسرائيل، إضافة إلى الظهير الصحراوي في سيناء الذي فعله "السيسي" لأجل عيونها.
فهذا خير ما قدّمه هذا الجاسوس لوطنه الأم.
فالأمر تجاوز مرحلة الفساد والظلم والاستبداد والاستئثار بالمال والثروة والسلطة، وتقسيم البلد لأسياد وعبيد، الأمر وصل لمرحلة التدمير والتخريب المتعمد، مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط للوصول إلى هذه الحالة التي عليها مصر، فالأمر لم يقع عن فساد أو جهالة، فمصر بها كفاءات عالمية في كل المجالات، ومنهم من يوالي هذا النظام المجرم، ومع ذلك هذه الكفاءات تم استبعادها على ولائها المطلق للنظام! والجاسوس يعرف ذلك، ولهذا نقول: لم يقع الأمر عن فساد أو جهالة أو غباء أو نقص في الكفاءات أو عيب في التقدير، بل تخريب متعمد، مقصود؛ حتى لا تقوم لهذا البلد قائمة ـ ليس الآن فحسب، فهو ضامن لذلك ـ ولكن لا تقوم لها قائمة في المستقبل، والعياذ بالله.
وغير هذه الكوارث الثلاث:
ـ تدمير العملة المحلية، وإغراق البلد في دوامة لا تنتهي من الديون. وتدمير الطبقة المتوسطة. (بلغت خدمة الديون "الفوائد الربوية" على أصل الدين حوالي 33% من الموازنة العامة!)
ـ تدمير الصناعات الوطنية، وبيع كافة مقدرات الدولة وشركاتها لمستثمرين أجانب يريدون التحكم في اقتصاد وسياسة مصر بعيداً عن مسألة الربح والخسارة. فهي ليست مجرد عملية "خصخصة" وتحديث وتطوير وعلاج مشكلات اقتصادية، وإنما رهن الدولة للخارج، وتسليمها لأعدائها. فهناك نوعية من المستثمرين لا تبحث عن الربح المجرد ولو كان سحتاً ورباً، بل يبحثون عن التركيع السياسي، والسيطرة التامة، فهذا هو الغرض الرئيس من الاستثمار.
ـ بيع غاز المتوسط وحقوق مصر التاريخية فيه لصالح إسرائيل وقبرص واليونان.
ـ هروب رؤوس الأموال، والكفاءات الوطنية، والعقول المميزة، وارتفاع نسبة البطالة، والفقر، والانهيار الأخلاقي، وتفكيك المجتمع، وإضعاف تماسكه الديني والأخلاقي، وتحويل حياة الناس إلى جحيم ومعاناة، وإلى مفاسد وإباحية.
ـ تطوير وتحديث الأجهزة الأمنية، وتوحشها أكثر فأكثر والفتك بكل مُعارض، حتى لا تقوم أي مظاهر للمعارضة، قد تُوقف نزيف الكوارث، وتحد ـ ولو قليلاً ـ من خطة تفكيك وتدمير الدولة وثرواتها. وملاحقة الناس على أدنى اعتراض، والتوحش في الفتك بهم، وبثهم الرعب والإرهاب في نفوس الناس حتى يتم مخططه الجاسوسي بسلام، وينام مرتاح الضمير أنه أدى مهمته على أكمل وجه.
ـ إفساد العقيدة القتالية للجيش المصري، وتحويله إلى مؤسسة تجارية يتسلط عليها حفنة من الأرذال الفسدة، يتاجرون في كل شيء، ويفسدون في كل شيء، ويحاربون الناس في أرزاقهم، والدخول مع الصهاينة في كثير من الصفقات التجارية، كأي عصابة مافيا.
ـ وقبل كل هذا محاداة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعاداة الدين وأهله، وإقامة الأوضاع المعادية للشريعة، وتعمد قتل وتشريد كل من يدعو إلى الله، وإرهابه بشتى أنواع الإرهاب والتوحش.
وتحصين كل هذا الفساد والظلم والعدوان وبيع الوطن بقوانين دستورية لا يحق للشعب الاستئناف عليها لاحقاً، وعندما يفيق قد يجد أنه فاته كل شيء، ولم يترك له الجاسوس من ثغرة يستطيع معها الإصلاح أو العلاج.
وكل ذلك مما هو ظاهر لنا، مُعلن في وسائل الإعلام، وأمام أعين الناظرين، أما ما خفي فهو أشد وأخطر مما نتصوره، مهما بلغ بنا قبح الخيال!!
***
ولما كان الأمر كذلك، فإن منتهى العبث، والتيه "المطالبة" بإصلاحات، أو صُراخ في البرلمان، أو عمل مبادرة ما، كأن المسألة: اختلاف في وجهات النظر، أو جهالة ببعض الأمور، أو تقديم بعض الحلول، أو الاستجابة للدعوة إلى الإصلاح، والمساهمة في التغيير، أو المشاركة في العملية السياسية! والأمر ليس كذلك بالمرة، بل إن هؤلاء بدعوتهم تلك يُساهمون في "التعمية والتغبيش" على الحقيقة الواقعة، وهي أنه "جاسوس" يتعمد تخريب وتدمير مصر، مُحاط بأجهزة أمنية متوحشة، ربط مصيرها به وبنظامه.
والحكومة ـ مُمثلة في وزرائها ـ ما هي إلا مجرد سكرتارية له، ليس لها من الأمر شيء، وما اجتماعاتها إلا مجرد شكليات وصور، وتغييرها واستبدالها لن يؤثر في أي شيء، والوزراء تسترزق من وراء مناصبها ـ قبل أن تُستبدل ـ فتُؤمن لنفسها قصر في الدنيا، وقصر في قعر جهنم، وبئس المصير بإذن الله.
والأجهزة الأمنية تحاول أن تمنع أن تصل الأمور لحد الانفجار، فتراقب كل شيء، وتتحسس كل كلمة، ولو تافهة، وتتجسس على كل الناس، مخافة أن يقع المحذور، وتشتعل شرارة هنا أو هناك فتجعل عاليها سافلها، والجاسوس يخرج في كل مرة سعيداً ضاحكاً راضياً بعدما أتم مهمته بنجاح منقطع النظير، مُخرجاً للمصريين لسانه بأنه استطاع أن يدمر مقومات بلدهم، وفعل ما لم يفعل كل محتل أجنبي تسلط على حكم مصر!
ومهمة الأجهزة الأمنية وضع وسادات الأمان ومضادات الحريق التي تمنع الاشتعال لضمان بقاء النظام أطول فترة ممكنة؛ لينعموا بالسلطة والملك، ولقد ظهر استعراض واستنفار الأجهزة الأمنية في دعوات التظاهر في يوم (11 ـ 11 ـ 2022) فتعمد أن يظهر هذا الانتشار المرعب ليُرهب الناس إرهاباً عن أي اعتراض، وتدمير أي رغبة في المقاومة أو المحاولة.
على إنه دوماً هناك أمل، وهناك دوماً فرصة، وهناك رب لا يُصلح عمل المفسدين، ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويُملي لهم إلى حين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، والبداية دوماً مع الإخلاص لله، ومعرفة سُبل المجرمين، والتعرف إلى الحقائق الواقعة دون مخادعة النفس، أو تجهيلها، ومعرفة خريطة العدو، وأهدافه، وأوصافه، وتعريفاته الصحيحة.. مقدمة أساسية لكل نصر. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
***
لمزيد من التعرف على هذا الجاسوس فضلاً (اضغط هنا)، وهذا ملف مضغوط (rar) يحتوي على بعض تصريحاته (خادم بني صهيون).