قائمة المدونة محتويات المدونة

05‏/01‏/2023

عن طبعة الظلال "غير الشرعية"!

صَدر عن دار جسور للترجمة والنشر، طبعة (غير شرعية) من تفسير "في ظلال القرآن" للشيخ الأستاذ سيد قطب رحمه الله، بتحقيق الشيخ عصام تليمة وفقه الله، ويُقال: إنها الطبعة التي كتبها المؤلف قبل سجنه في عام 1954، وتقل بمقدار الثلث عن الطبعة الأخيرة المشهورة لتفسير الظلال (التي أضاف إليها بعد ذلك مجموعة من الأفكار ثار حولها الجدل، وقبل التغيّر الذي شهده فكره ومنهجه وتصوراته).

ـ بَداية لا يجوز نقد أي كتاب دون قراءته قراءة تامة كلمة كلمة، كما نتعلم من أمانة الشهادة، وعلى مثل الشمس في رابعة النهار نشهد، وأنا لم أطلع على هذه النسخة "غير الشرعية".

ـ إنَّ إصدار نسخة من تفسير "في ظلال القرآن" تحمل نفس اسم الطبعة الشرعية هو مخالفة للأمانة العلمية، وتقديم هذه النسخة لأي لجنة علمية مُحكّمة نزيهة، فإنها لترد العمل من فورها لأنه سطو على اسم الطبعة الشرعية المعروفة من الظلال. وقال الأستاذ محمد قطب (رحمه الله) في مُقدمة الطبعة الشرعية من الظلال (طبعة دار الشروق) "فلتكن هذه الطبعة المشروعة الصادرة عن دار الشروق.. بعد طول التطواف في طبعات غير مشروعة.. فلتكن في ثوبها الجديد هذا، تحّية منّا في رحلتنا العابرة على الأرض.. إلى المؤلف الشهيد".

ـ يحق للمُحقق أن يصدر تحقيقاً لتناول الاختلافات أو التطورات أو البدايات للمؤلف، تكون مثلاً بعنوان: تطور التفسير الموضوعي عند سيد قطب، الظلال نموذجاً، أو نحو ذلك؛ بحيث يظهر عمل المحقق، ولا يُلبس على القارئ؛ فتظهر الأمانة العلمية، والطرح الموضوعي المتجرد.. فهو يتناول دراسة الطبعة الشرعية المعروفة باسم "في ظلال القرآن" التي ارتضاها المؤلف، وبين الطبعات الأوائل من الكتاب، ويعقد المقارنة ـ إن شاء ـ فتَتحقق الأمانة العلمية، والعمل الجاد. ولما افتقر العمل لذلك، تصبح هذه الطبعة "غير شرعية"؛ لأنها تحمل اسم مموه، ومُلبس، وفيه تدليس.

ـ إنَّ وجد المُحقق أفكاراً مثيرة للجدل ـ على حد تعبيرهم! ـ فمن الأولى أن يقول ما يعتقده صواباً، دون اختراع سيد قطب على المقاس الذي يهواه! فقطب ليس معصوماً، والنقاش العلمي، والأمانة العلمية، والعمل الجاد هي من سمات طالب العلم الصادق، فيُبين الصواب ـ دون إهدار الكرامة وحفظ مقام العلماء ـ ويقول لنا ما هو سبيل الرشاد لواقعنا هذا، فلربما يفتح الله عليه بما لم يفتح على قطب ـ رحمه الله ـ وعطاء الله غير محدود.

ـ لما طَلّقت جماعة الإخوان فكر حسن البنا ـ رحمه الله ـ وانخرطت في العملية السياسية مع المنافقين والبغاة كسبيل أوحد للإصلاح!! وطَلّقت منهج إعداد القوة (راجع ـ إن شئت ـ مقال: مفهوم القوة والجهاد عند حسن البنا رحمه الله) كان بالنسبة لها أفكار سيد قطب مزعجة، وحاولت الاستفادة من شعبية شخصية قطب رحمه الله، وفي نفس الوقت تجميد فكره، فهذه ليست المرة الأولى!

ـ إنَّ بعض المحبين لمنهج قطب الأدبي والبلاغي والتعبيري، يستهويهم أن يُقال، سيد قطب مجرد أديب وليس بعالم دين، والظلال ليس بتفسير، وقد تأثر قطب بفترة السجن؛ فأصبح ناقماً ساخطاً على المجتمع والبشرية! ومن ثم يجب قطع الطريق على أفكار قطب! وحاولوا تحجيمها بكتاب "دعاة لا قضاة" (راجع مقال: بين منهجين، كتبته تعليقاً بشكل غير مباشر على الكتاب).

 فأمسكوا في تلابيب سيد قطب، وتركوا أئمة النفاق والخيانة التي عذبت المسلمين، واغتصبت نسائهم، وأفسدت الأمة وحولتها إلى ماخور كبير، واستهزئت بالدين والشريعة، ولم تستفق إلا على كارثة 1967، وما تلها من كوارث، فأصبح يُقام لقطب محكمة كل يوم، بينما أئمة النفاق والخيانة المتسلطين بالجبروت على حكم الأمة المسلمة، لا يشغلنا كيفية الخلاص منهم، ونصرة الدين والأمة.

ـ يُقال عن هذه الطبعة (غير الشرعية) إنها اكتملت في العام 1959م، وذلك أيضاً بعد سجنه الأول ـ وسجن إخوانه وقتلهم بالرصاص داخل السجن ـ في عام 1954 وما تلها، فعلى منهجهم يمكن القول: إن هذه الطبعة غير الشرعية كُتبت تحت تأثير السجن أيضاً، وحوت أفكاراً مثيرة للجدل! ومن ثم يجب التخلص منها جميعاً، واعتبار قطب مجرد أديب، وشاعر، وناقد! فانظر ـ أيها القارئ الكريم ـ كيف يمكن أن ينتهي بنا العبث؟!

ـ ولقد كان من الأولى أن ينصرف الجهد في بيان الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان منذ خروجها من السجون في السبعينات، حتى عودتها للسجون مرة ثانية بعد كارثة الانقلاب! ومازالت تستكبر أن تعترف بأخطائها!

فإننا يا إخواني نُبدئ ونُعيد، وندور حول أنفسنا، ولا نملك بعد الشجاعة لأخذ خطوة واحدة صحيحة على طريق الرشد!

ـ إنَّ أفكار سيد قطب لم تأخذ منعطفات كبيرة ـ كما يظن البعض ـ فالرجل يحب دينه من أول لحظة ـ ولا نزكيه على الله ـ وما حصل هو نوع من اليقين والزيادة في الفهم مع طول المعايشة والتجربة وهو شيء طبيعي يحدث لكل عالم ومؤلف، فكانت محاولة منه تحديد طريق العمل، مثلما كتب معالمه، وهي الخلاصة التي انتهى إليها، وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه، ومن أوائل ما كتب قطب رحمه الله: كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" وهو كتاب فريد يطرح البديل الإسلامي بكل قوة ومنهجية وأصالة، وإن انزعج بعض الأخوة السلفيين منه، ومن يقرأ آخر ما كتبه مثل خصاص ومقومات التصور الإسلامي.. يجد نفس الروح، ونفس القلب، ونفس المنهج، ونفس القلم النابض، والأحرف الحية.

ـ إنَّ الجاهلية التي تحدث عنها قطب، تحدث عنها غيره، ومنهم الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، وإنْ اعترض على بعض أفكار قطب ـ راجع مقال: مفهوم الحاكمية عند سيد قطب ـ وقال الغزالي في كتابه جهاد الدعوة: "إن شعار العلمانية يُرفع للنفاذ إلى صميم الإسلام والإتيان عليه من القواعد... ألا تكون العلمانية خيانة عظمى" وقال في كتابه "كيف نتعامل مع القرآن": ’’عندما تكون الشعوب في سجن وضعها فيه الحاكم، فمن حقها أن تكسر السجن، وتقتل السجّان‘‘. ولم يكن قطب يهدف إلى تكفير المجتمعات، ولكن كان يهدف إلى إعادة اجتماع الأمة المسلمة على كتاب ربها، وكان يرى استخدام القوة حيث لا تنفع السلمية، ومواجهة الواقع بالوسائل المكافئة له ـ (وقد سبقه إلى ذلك بالقول والفعل حسن البنا رحمه الله) ـ وكان يرى أن الإسلام يجب أن تعود له السيادة والإمامة، وهذا ما أزعج القوى الغربية كلها، فهل نقول عن هذه الأفكار "مثيرة للجدل"! أم مثيرة للعمل الجاد؟ بعد أكثر من خمسين سنة من تيه "العمل الغير جاد" ثم طوفان من التضحيات والدماء والأوقات والأعمار والأموال ثم لا شيء في النهاية.

أليس هذا هو الأولى بالبحث والتحقيق، والنظر والتدقيق، عسى نهتدي ـ بإذن الله ـ إلى سبيل الرشاد؟!

***

نسخة شَرعية من تفسير: "في ظلال القرآن _ طبعة دار الشروق"

[نسخة مُفهرسة من تفسير الظلال، إعداد فريق "إسلام وي" مُرقمة حسب الطبعة الأخيرة من دار الشروق ـ الطبعة الشرعية الثانية والثلاثون (1423هـ - 2003م)، ومُفهرسة حسب كل سورة وكل آية، وهو درة بين التفاسير، نفع الله به، ورد الله الأمة المسلمة لدينها رداً جميلاً]. لتنزيل نسخة (PDF) ملف واحد، لطفاً (اضغط هنا).

فهارس في ظلال القرآن:

1- فهارس في ظلال القرآن، أحمد أحمد جاد، الطبعة الأولى 2004، دار الدعوة، متوافق مع النسخة الشرعية من تفسير الظلال – طبعة دار الشروق. [فهرس إجمالي] حصري يُنشر لأول مرة، لطفاً (اضغط هنا).

2ـ مفتاح كنوز في ظلال القرآن، محمد يوسف عباس، الطبعة الأولى 1987، دار طيبة، متوافق مع النسخة الشرعية من تفسير الظلال – طبعة دار الشروق. [فهرس تفصيلي] لطفاً (اضغط هنا).

***

للمزيد راجع إن شئت (على المدونة):

ـ منهجية البحث عند سيد قطب.

ـ سيد قطب خطوط عريضة.

ـ سيد قطب رجل الدولة.

ـ مفهوم الحاكمية عند سيد قطب.

ـ سيد قطب حسب المقاس.

ـ جولة في مؤلفات سيد قطب.

ـ شبهات حول فكر سيد قطب.

ـ أزمة العقلية السلفية مع سيد قطب.

ـ عملاق الفكر الإسلامي.

ـ بين منهجين. [كتبتُ هذا المقال ـ بفضل الله ـ بعد قراءة كتاب "دعاة لا قضاة"]

ـ مجزرة رابعة.

ـ القاعدة الجماهيرية الإسلامية.. والقيادة الجديدة.

****

ونردد مع شاعر الموصل ذو النون مصطفى (رحمه الله) هذه الأبيات ـ والتي جاءت رداً على قصيدة سيد قطب (رحمه الله) "أخي أنت حر وراء السدود" ـ  فرثاه بقصيدة "أخي سوف تبكي عليك العيون".

أخي سوف تبكي عليك العــــــــيون *** وتَسأل عنك دموع المَعين

فإنْ جــــف دمعي سيبكي الغمام *** يُرصّع قبركَ بالياســـــــــــــمين

أخي إنْ قضيت سَتحيا بنـــــــــــــــــــــا *** كـــأن لم يَمرّ عليك الفــــــــــــنا

فتَمرح مهما احتوتك القــــــــــــــــيود *** وتَنعم بالحب ما بيننــــــــــــــــــــا

أخي عند ذكرك تَجري الدمـــــــــــــــوع *** لتربأ صدع الفؤاد الهلــــــــــوع

وتَسجد في ســــــــيرها للإلــــــــــــــــــــه *** وتَذكركم عنده في الركــــــــــــوع

أخي أنت مصباح هذي الحــــــــــــــياة *** تمـــــــــوت لتُبعد عنها الهــلاك

فأشــــعل لها في الظـــــلام الظلوم *** منار الشــعوب ونار الطغاة

 أخي قد مـــــــضى سُنةً بالمــــثل **** فكان شهــــــيداً وكان البطــــــــــــل

فإنْ ذقــــــــــت أنت صنوف العـــــــــذاب *** فإنك على دربــــــهـــــــم لم تزل

أخي ســــــــــتُنير الدماء الظـــــــــــلام *** وتزرعــــــــه رحمــــــــــةً وســــــــــــــــلام

فيا سُحب غطّي شُــــعاع الهلال *** سيُشرق بَعدك بدر التمــــــــــام

أخي إننا ما أسأنا الظنـــــــــــون *** بـــــروحٍ قــــــــــــوي وجســــــــــم نحـــــيل

فمــــــاذا تَروم لديك الخطوب *** وماذا يُضــــــــــــــــيرك كيد العــــــــبيد

أخي ما يريــــدون من مؤمـــــــــــــــن  *** له قـــــــــــــبره أفضل المســـكن

هلــــــــــــمى اي حــــــــــــادثات الزمن ***  فلــــــــــن تُجدى فيه من مُوهـن

أخي لن ننام وتحيــــــــــا السُهاد *** أخى ســــــــنُحرك قلــــــب الجماد

أخي إن إيمـــــــــــاننا لكــــــفيل بهز *** الرواســـي ومحق الفســـــــــــــــاد

أخي ما يأسنا ولن نيأســــــــــــا *** وما طال في القــــلب لبُس الأسى

وما حــــــــــــل أفـــــــــــئدة المؤمنين *** ســـــــــوى أملٍ في الجنان رسى

أخـــــــي إنني ما رَضـــــــيتُ الهوان ***     وما اخــــترتُ إلا طريق الجنان

طـــــــــــريقُ الهداية دَربُ امتحان  *** ومــــــا قَــــدر اللهُ يَمـــــــــــضي لآن

أخي لست وحدك فى الامتحان *** فكن رابط الجأش صلب الجنان

ستصــــــــــرخ بالظلم كل الشــــــــــفاه *** ويهزأ بالمــــــــــــوت كل لسان

أخي أنت فى النــــــــار فى المرجــــــــــل *** ونحن على بعــــــــدها نصطلي

فكن مشــــــــــعلاً خالداً لا يزول *** فنحن الوقـــــــــــــــــــود لذا المشعل

أخي فانتظـــــــــــــــــر ولتعـــــــــــش في غدِ *** ســـــينبثق الأمل السرمدي

فإن مزقـــــــــــــتنا ســـــــــــــــــني الحياة *** فإنّا مع النصـــــــــر في موعـــــــــدِ

***

وهذه رائعة سيد قطب (رحمه الله)

أخــــــــي أنت حرٌّ وراء السدود ..... أخي أنت حرٌّ بتلك القـــــــيود

إذا كــــنت بالله مستعصما .... فماذا يضيرك كيد العـــــــــــبيد

أخــــي: ستُبيد جيوش الظلام .... ويُشرق في الكون فجر جديد

فأطلق لروحــــــــــك إشراقها .... ترى الفــــــــــجر يرمقنا من بعيد

أخي: قد أصـــــــــابك سهم ذليل .... وغدراً رماك ذراع كــــــــــــليل

ســـــتُبتَر يوماً فصــــــبرٌ جميل .... ولم يــــــــدمَ بعدُ عرين الأسود

أخي: قد ســـــرت من يديك الدماء .... أبت أن تُشلَّ بقيد الإماء

ســـــــــترفع قربانها للســـــــــماء ...... مخضبة بوســـــــــــام الخلود

أخي هل تُراك سئمت الكفاح؟ .... وألقيتَ عن كاهليك السلاح

فمن للضحايا يواســــــــــــــي الجراح؟ ..... ويرفــــع راياتها من جديد

أخي: إنني اليوم صلب المراس ... أدكُّ صخور الجبال الرواســـــي

غــــداً سأشيحُ بفأسي الخلاص ... رؤوس الأفاعي إلى أن تبيـــــــد

أخــــي: إن ذرفت عليَّ الدموع ... وبللت قبري بها في خشـــــــــــــــــوع

فأوقــــــد لهم من رفاتي الشموع ... وسيروا بها نحو مجد تلـــــيد

أخـــــــي: إنْ مـــــتْ نلقَ أحبابنا .... فروضــــــــــــــات ربي أُعـــــــــــــــــدَّت لنا

وأطيارهـــــــــــــــــــا رفرفـــــــــت حولنا ... فطوبى لنا في ديار الخلـــــــود

أخي إنني ما سئمتُ الكفــــــــــــــاح ... ولا أنا ألقيتُ عني الســـــــــلاح

فإنْ أنا متُّ فإني شهـــــــــــــيد ..... وأنت ستمـــــــــــضي بنصر مجيد

سأثار ولكن لـــــــــــــرب ودين ... وأمضي على ســـــــــــــــنتي في يــقين

فإما إلى النصـــــــــــر فوق الأنام ... وإما إلى الله في الخالـــــــــــدين

قد اختارنا الله في دعـــــــــــــوته .... وإنا ســــــــنمضي على ســــــــنته

فمنا الذين قضـــــــــــــــوا نحبهم .... ومنا الحفيظ على ذمـــــــــــــته

أخي: فامضِ لا تلتفت للوراء ... طريقك قد خضـــــبته الدمـــــــاء

ولا تلتفت هنا أو هناك .... ولا تتطلــــــع لغير الســـــــــــــــــــــــــــــــــماء

***