الحوادث المتكررة في حرق كتاب الله ـ جل جلاله ـ في الدول الغربية، ليس سببها لوازم ومقتضيات "حرية التعبير" ـ كما يزعمون! إنما سببها لوازم ومقتضيات "الذلة والضعف والتفكك" الذي عليه الأمة الإسلامية! والضعف يُغري بالعدوان بشكل عام، فما بالنا بمن تنبض قلوبهم بالغل والحسد والبغضاء للإسلام والمسلمين؟!
ولو أن للمسلمين كياناً اجتماعياً سياسياً راشداً، لما احتاجوا أن يفكروا في كيفية الرد على مثل هذه الحوادث: هل يقطعون العلاقات الدبلوماسية، هل يهددون بالمقاطعة والحرب الاقتصادية، هل يهددون بالمعاملة بالمثل... إلخ من الخيارات، لا يحتاجون لكل ذلك؛ لأنه لو أن لهم كياناً اجتماعياً سياسياً راشداً، له "قوة وسيادة" لما كان يجرؤ أحد كائناً من كان على فعل ذلك؛ لأنهم سيخشون ردة الفعل، مهما كانت حرية تعبيرهم تسمح لهم بذلك، بل على العكس سنجدهم يخطبون ود "دولة الإسلام" ويتأدبون معها، ذلك أن العقل الإنساني بالفطرة يعرف كيف يتعامل مع الأقوياء!
ولكن لما ضُربت علينا "الذلة والمسكنة" بما قدّمت أيدينا؛ وصلنا إلى هذه الحالة من الهوان. إن حوادث حرق كتاب الله ـ جل جلاله ـ هي إحدى إشارات أمراضنا نحن، ولا نُبرأ المجرمين دولاً وحكومات وشعوباً وأفراداً، ونطالب بأخذهم بالشدة قدر الوسع والطاقة، ولكن لا أدري ممن نُطالب؟!
ومن أهم أسباب ضعف وتفكك المسلمين (الفكرية) هو: "الفكر القومي العلماني" الذي ضرب الأمة بعد سقوط "الدولة العثمانية" وإن كان له تجليات سابقة ـ كانت تحت السيطرة ـ ولكن لما غرس العدو هذا الفكر المادي الإلحادي في العالم الإسلامي.. تفككت وحدته: السياسية، والجغرافية، والفكرية.. بعدما كان "أمة واحدة".
ومن أهم أسباب ضعف وتفكك المسلمين (السياسية) هو: تسلط أئمة النفاق والخيانة على حكم الأمة المسلمة، والعمل على إضعافها، وتبديد وسرقة ثرواتها، وقهر شعوبها وأبنائها، ونشر المفاسد والأفكار الهدامة فيها، وغلق كل طريق للإصلاح والرشد.. ووجود وتسلط "العدو اليهودي الصهيوني" في قلب الأمة الإسلامية، وهو محطة الإفساد في الأرض، ومركز المحاربة للإسلام والمسلمين، والقاعدة العسكرية والاستخباراتية التي تحيط بالأمة المسلمة، مع شبكة عملائها في بلادنا، والذي يصل بعضهم إلى رأس الحكم في بلادنا.
***
يجب ألا يشغل بالنا مسألة "ازدواجية المعايير" فنروح نفضح الغرب! ونُحرجه بأن لديه ازدواجية في المعايير كأنه سيخجل من ذلك! أو كأننا نحسن الظن به لهذه الدرجة، فهذه سذاجة يجب أن يترفع عنها عقلاء المسلمين! ولا يَغرّنهم دجل الغرب.. وعليهم أن ينظروا بعيون "قرآنية" إلى واقعهم، ولا ينظرون بعيون "غربية" إلى "الغرب" فهذا أول طريق الهزيمة.
لقد قال الأمين العام لحلف الناتو، في يوم "العار" لقوم لوط.. إننا ندافع عن رايتكم، وعن حريتكم، ورغم وجود دولة مسلمة كبرى في هذا الحلف ـ تركيا ـ وحُرّق كتاب الله أمام سفارتها وفي دول الحلف.. بينما لم يتكلم أحد من الحلف عن حرية احترام مقدسات المسلمين.
وإنَّ الدخول في هذا الحلف ـ من الدول الإسلامية ـ لا شك إثم عظيم، وجرم كبير لم يأمر به الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم، بل نهى عنه أشد النهي، حتى وصل إلى "مضاهاة" أفعال الذين كفروا! والحسابات والتوازنات السياسية إنما يكون محددها الأول هو: "مصلحة الإسلام"، ثم المصلحة العامة للأمة المسلمة دون إثم أو عدوان.
***
إننا لا نستطيع اليوم أن نفعل شيئاً ذا بال أمام هذه الحوادث، ولا غيرها، بما فيها العدوان العسكري الذي يحرق البلاد والعباد وبيوت الله ـ بينما بلغ عدد المسلمين في العالم حوالي 2 مليار مسلم ـ وذلك لأننا ضعفاء على كل صعيد:
ـ ضعفاء من ناحية العقيدة والسلوك الإيماني الصحيح، والفكر والواقع السياسي الراشد.
ـ وضعفاء من ناحية التماسك الاجتماعي، فنحن في حالة من التشظي والتفتت.
ـ وضعفاء من ناحية القوة القتالية والعلمية والتقنية.
ـ وضعفاء من ناحية القوة الاقتصادية.
رغم أننا نملك "كل" مقومات القوة: الإيمانية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.. ولكن هناك أهوالاً وحواجز تحول بيننا وبينها، وعلى رأسها القوة الأمنية ـ من بني جلدتنا ـ التي تأسر الأمة وتستعبدها، وتفسد عليها كل محاولة للنهوض والتحرر من الأَسر؛ لتسترد قوتها وإيمانها وعافيتها. بينما هي الحامي للطغاة والفسدة، وأعوان يهود!
إننا حتى لا نستطيع "المقاطعة الاقتصادية" لأن كثيراً من دولنا يَمد يده للغرب يتسول بعض أمواله، رغم الوفرة الهائلة، والثروات المتفجرة في بلدان العالم الإسلامي، لكن اللصوص وعصابات المافيا الحاكمة.. تستذل الأمة بهذا السوء، فالغرب يدفع المعونات لهذه الأمة الغنية! ولا تستطع أن تقاطع من يدفع لك، ويمن، ويتفوق عليك! وهذه الأموال يذهب جلها إلى جيوب الفسدة والطغاة، وقلة قليلة تذهب لبعض برامج المساعدات؛ ليظهر الغرب بمظهر المتحضر، المتفوق، الأخلاقي!
وإننا نبارك كل شجب، وتنديد، ورد فعل يقوم به أفراد المسلمين هنا وهناك على ضعف تأثيره! ولا نظن خيراً بحكومات البلدان الإسلامية، والتي هي أول من يحارب "كتاب الله" وإن تظاهرت بأنها تحترمه وتقدسه! وإن هذه الحكومات إنما تدور مع "مصلحتها" حيث دارت، وهذه المصلحة تتمثل في البقاء في السلطة، والتمتع بالثروة إلى أن تموت، ولا يهمها كتاب الله إلا بالقدر الذي يحقق مصلحتها، ولو كانت مصلحتها ـ بموازينها ـ في نبذ كتاب الله، وغض الطرف عن أفعال الغرب المجرم، لاقتحمته غير مترددة! كما يفعل جلّها الآن!
ومن المفارقات المخزية المحزنة أن محاولة التظاهر في بلداننا الإسلامية إنكاراً لحوادث حرق كتاب الله في البلدان الغربية تُقابله بعض الحكومات في بلادنا بالاعتقال والتعذيب وربما القتل! بينما يحق للمسلمين التظاهر في البلدان الغربية التي سمحت بحرق كتاب الله!
ويجب توحيد المواقف الشعبية ـ في الأمة المسلمة ـ قدر الوسع والطاقة، مهما حاول الطغاة والفسدة منع ذلك، واتخاذ المواقف التي من شأنها منع تكرار مثل هذه الحوادث، فالتسافل والتوحش والطغيان والكفر ليس له حدود، ويجب مقاومته وإنكاره حتى لا يتمادى أكثر فأكثر، وهذا ما نملكه الآن.
كما يجب ـ بالأساس ـ أن نقاوم ونجاهد كل أسباب ضعفنا (الفكرية والسياسية) المذكور بعضها أعلاه؛ ذلك أن هذا هو الطريق الذي يجعلنا جديرين بأن نحمل أمانة هذا الكتاب، ونرفع راية الله ـ سبحانه وتعالى ـ وندافع عن دينه وكتابه.
فهذا الكتاب هو سبب بقاء الأمة المسلمة، وكتاب الله محفوظ، ودينه خالد.. والأمة باقية ـ بإذن الله ـ فيا لشرف ومكانة من اصطفاهم الله لتبليغ رسالته، والدفاع عن كتابه، وإقامة شريعته، وتوحيد أمة الإسلام.
***