قائمة المدونة محتويات المدونة

18‏/06‏/2014

وما يُدريك؟

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }
الأمير المجاهد الذي يسأل - ويمتحن - شيخاً هرماً في دينه فلا يعرف شيئاً.. وأياً كان انتساب الأمير، وأياً ما حدث بعدها من عزله، وجب البيان، فهي مسألة نفسية خطيرة.. ونتخذ من هذه الحادثة مثلاً لتوضيح التصور الإسلامي وروحه في الدعوة والجهاد.
عندما يستلقي الأمير المجاهد على أريكته هكذا، ثم يسأل شيخاً هرماً عن نبيه والملائكة والكتاب فلا يدري شيئاً ! والشيخ الهرم في كل مرة يقول: "علمني ديني" فليس هذا موطن استهزاء.. بل هو موطن "بكاء الأمير" وانفطار قلبه على هذا الشيخ، هذه هي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي ندعي أننا أهلها، بل إن الله - تعالى - يقول لنبيه:
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء : 3]
أي: ستقتل نفسك من شدة الحزن والحسرة على عدم إيمانهم، بينما هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم يدعوهم، وهم عنه معرضون.. وليس شيخاً هرماً لا يعرف دينه، ويطلب العلم به.
بل إن القرآن نزل معاتباً النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تولى عن الأعمى، بينما كان يدعو أشراف قريش: { عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى  } [عبس: 1، 3]
ومن شدة رحمته - صلى الله عليه وسلم - بأمته كان يقول: "أَلَا وَإِنِّي مُمْسِكٌ بِحُجَزِكُمْ أَنْ تَهَافَتُوا فِي النَّارِ كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ وَالذُّبَابِ" [مسند أحمد/3890]  أي: أنتم تلقون أنفسكم في النار، وأنا أقف أمسك بكم وأمنعكم عنها حتى لا تقعون فيها.
إن حالة "الغرور" المقيتة هذه تعبر عن خلل نفسي وتربوي جسيم !
وإن أشد ما يكرهه الله - سبحانه - أن يغتر عبد بطاعته أو جهاده أو عمله، بل إن حال المؤمن وهو يجاهد ويقاتل ويقيم الليل...إلخ من الطاعات هو قوله تعالى:
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [المؤمنون : 60]
الخوف والوجل من الله، ونحن نؤدي طاعته.. أما "المغرور" بالطاعة.. فالله - سبحانه - غني عنه وعن طاعته، وإن لم يتب إلى الله.. انتكس، وضاع. وهل بعيد على الله أن يعافي الشيخ الهرم، ويبتلي الأمير؟ أولم تدخل الجنة امرأة بغياً سقت كلباً ؟!
وماذا يظن الأمير في أمة تعيش تحت ذل الاحتلال والعلمانية ما يقرب من مائتي سنة؟ فإذا مَنّ الله عليه بالعلم، فليحمله لغيره.. بكل الحب والنصح والنصرة، والخوف على المسلمين.. بل إن المسلم وهو يقتل عدو الملة والدين.. يشعر بالحسرة أن هناك نفساً لم تدخل الجنة، وكان الأولى أن تصلها الدعوة، ويدخل قلبها الإيمان.
أولم يقل الله تعالى للمؤمنين: { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [النساء : 94]
إن الله ينظر إلى قلوب عباده، فإذا وجد فيها التقوى والوجل والحب والخشية منه.. هداها إليه، وإذا وجد الغرور والكبر - بعد الهداية - أضلها الله سبحانه..
إن الجماهير العريضة من هذه الأمة لا تعرف شيئاً عن دينها، ولا تعرف حتى كيفية الوضوء.. ولقد كان لي صديق متعلم بأعرق المدارس الأجنبية، ووالدته أستاذة بكلية الطب، وكذلك والده طبيب، وهو طالب بكلية الطب.. وحتى السنة الجامعية الأولى كان يجهل كيفية الوضوء، والغسل!! هذا المتعلم.. فما بالنا بغيره؟!!
إننا مع جماهير الأمة لا نحمل لها إلا الحب والنصح والولاء والنصرة، ولا نتجه إليها أبداً بأي إدانة أو حكم.. بل تحليل، وتشخيص، ,وعلاج.
ولقد اتخذت هذه الحادثة، للتفصيل في هذه الجزئية.. حتى نكون رحمة بهذه الأمة، لا سيفاً مسلطاً عليها، وإن المستقبل للخلافة الراشدة، ولشورى المسلمين.. وأي جنوح نحو الاستبداد أو القهر أو الظلم، فاعلم أنك تكتب فشلك بيديك.
واعلم أن الجنوح نحو الظلم والقهر والاستبداد، لن يقيم دولة.. بل هو الثغرة التي يدخل منها العدو، ليفتك بالجميع.

{ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }[الأنفال : 1] ولا تسخروا من هذه الأمة، وليكن الوجل من الله هو "الهاجس" الذي يؤرق المسلم.. أتقبل الله عمله، أم رده في وجهه؟!!