قائمة المدونة محتويات المدونة

12‏/06‏/2014

عدو واحد.. ملة واحدة

 في الإسلام - وكذلك في كل نظم العالم - لا يوجد سياسة لا يحميها سلاح، ولا يوجد سلاح من دون سياسة، وإن الذين يحولون بيننا وبين عزنا "الجهاد" أولئك هم العدو.
وإن الذي يُسقط فريضة الجهاد من حركته، لهو يُسقط أول مقوم من مقومات النصر والتمكين بعد السياسة الشرعية والدعوة، وإن الجهاد وتوقيته هي مسألة انتظار ليس إلا، والمسلم يتحين الفرصة، ويستغل المنحة الربانية عندما يُفتح الطريق، فإذ لم يفتح الطريق.. مهدنا له الصعاب!
وإن الإخوان بُنيت في الأصل لتكون جماعة جهادية، وما الجندية فيها إلا لهذا الأصل، وقال هذا الكلام المؤسس الأول الشيخ حسن البنا - رحمه الله - : "وفي الوقت الذي يكون فيه منكم - معشر الإخوان المسلمين - ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسياً وروحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: { ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة }. إني أُقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته" (رسالة المؤتمر الخامس – رسائل الإمام حسن البنا-181)
ولقد أسهبت الكلام عن ذلك في موضوع "السلمية والديمقراطية"، ولا داعي للتكرار هنا، لذا فأهيب بكل إخواننا أن يرتفعوا إلى مستوى الأزمة، وإدراك طبيعة المرحلة، فإنه لا ناصر لنا إلا الله، ولا ولي لنا إلا الله، وإننا - بكل وضوح - نُضيع معية الله - سبحانه - عندما نسارع في الذين كفروا، ننتظر منهم كلمة حسنة، أو نظرة حانية..
إنهم يقطعوننا عن الله؛ فيضيع منا الطريق، والله لن ينتصروا للإخوان ولا لغيرهم أبداً.. ومن شاء فليرجع إلى آيات الولاء والبراء ومن هم الأعداء كما ورد في القرآن الكريم. ومن شاء فليرجع إلى تاريخهم، لم يتوقف أهل الصليب يوماً عن سفك دماء المسلمين في كل الأرض.. ففي اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات، فإن ... دماء المسلمين المسفوكة، وأعراضهم المنتهكة، وأموالهم المسلوبة في كل مشارق الأرض ومغاربها الآن، فإنما كل ذلك بهم وبجندهم، وبإشرافهم ودعمهم، وتحت أعينهم.
ويجب أن نكون على يقين أنه لن تُحل أي مشكلة لهذه الأمة - صغرت أم كبرت - بمعزل عن "العقيدة"، وعودة الإسلام كاملاً إلى سدة الحكم، ونظم الحياة.
وكل أولئك الذين يحاولون بعيداً عن ذلك، فإنهم يغرقون في "التيه"، ولو ظلوا آلاف السنين.. فلن يصلوا لشيء !!
***
وإنه لا يجوز - بأي حال من الأحوال - أن نستجيب لمكر العدو في صناعة "علاقة عكسية" بين السياسة والجهاد! فإذا ارتفع "النجاح السياسي" شمت أصحابه في "أهل الجهاد".. وإذا ارتفع "النجاح الجهادي" شمت أصحابه في "أهل السياسة" فهذا فخ كبير.. ويجب أن تكون "العلاقة طردية" بين "السياسة والجهاد" فإذا نجحت السياسة اشتد عود الجهاد، وإذا نجح الجهاد اشتد عود السياسة ! وهكذا يجب أن يكون التكامل بين مراحل العمل للإسلام الثلاثة: (الدعوة - السياسة - الجهاد) وما بينها من توازن، ومرونة، وتكامل.
وإنه لا يجوز - بأي حال من الأحوال - أن يظن البعض أن العلمانية ستنتصر للإسلام، فهذا هو المستحيل الذي لن يحدث أبداً أن يتوحد الإسلام مع العلمانية، بأي شكل من الأشكال.. وبأي صورة من الصور! فكلاهما عدو للآخر، ولن يلتقيا في أول الطريق، ولا في منتصفه، ولا في نهايته. فالإسلام يعطل عمل العلمانية، والعلمانية تعطل عمل الإسلام.. والإسلام لا ينتصر ولا يعمل إلا برايته المنفردة، وعندما يظن البعض أن لا غبار على دعم العلمانيين للمسلمين المستضعفين، فهذه وساوس الشياطين.. العلمانية: أقصى درجات الإلحاد. والإسلام: أقصى درجات الاستسلام لله رب العالمين، فأني يلتقيان؟!!
مجرد فكرة واحدة فاسدة، تعطل حركة الأمة عشرات السنين، وأولى بنا - ونحن في هذه المرحلة - أن نكون تجاوزنا مرحلة تصحيح المفاهيم.. إلى استقرارها، وألا تحركنا فكرة فاسدة هنا أو هناك.
مجرد فكرة واحدة فاسدة، فإنها كفيلة بـ "استنزاف طاقات" شباب الأمة في لا شيء.. فطهروا عقولكم، وأخلصوا قلوبكم لله.. واتبعوا صراطه المستقيم، ولا تنشغلوا بأفكار علمانية، أو بها شائبة العلمانية.
***
إن الذين يريدون العمل لهذا الدين، عليهم التجرد الكامل لله - سبحانه وتعالى - وليستعدوا للمواجهة مع أعداء هذا الدين.. فهم أعداء إلى قيام الساعة، وسنة التدافع بيننا وبينهم قائمة إلى يوم الدين..
وأما الذين يتخوفون من المواجهة، أو يستشعرون الفشل، وحجم الفجوة مع الغرب، أو يخافون على مصالحهم المادية، واستقرار أوضاعهم الحالية.. فأولى لهم أن يشتغلوا بالتجارة أو الرياضة، أما هذا الدين فسنة التمكين فيه ثابتة، وهي الجهاد إلى يوم الدين.. جهاد لا ينقطع، ولا يتوقف !
وأما الذين يريدون أن يلعبوا سياسة ضمن "إطار الدولة العلمانية"، وتحت "تحكيم النظام الدولي".. فليلعبوا كما يشاءون، لكن لا يلعبوا بدين الله، ولا يدّعون أنها "سياسة إسلامية" أو "ديمقراطية إسلامية"..! لأن ذلك إهانة للإسلام، وانتقاص وتلاعب بالدين.
وإن العدو ليخدع الكثير من المسلمين ببعض مظاهر النصر، حتى يظنوا أنهم على الطريق الصحيح، وما هي إلا مجرد "مكاسب هشة" سمح بها؛ لـ "تفريغ الطاقات"، و"احتواء الشباب".. فيمررون بعض النجاحات الديمقراطية - تحت أعينهم - لغرض الاحتواء والتفريغ، أما إذا اتجه الأمر ناحية "الجد والتمكن وحفظ ثروات الأمة"، فليس لنا إلا "الانقلابات والاغتيالات"، فلن تحفظ مكتسبات المسلمين الحقيقية إلا بسلاح هذه الأمة وبجهاد أبنائها.
إننا أمام منعطفات خطيرة في تاريخ الأمة كلها، ومرحلة "خلخلة الحكم الجبري".. وهي مرحلة حساسة ودقيقة للغاية، أبسط خطأ فيها ممكن أن يؤخر الأمة عشرات السنين.. وإن الطريق هو هو لم يتغير:
-         إحياء الأمة، وتصحيح مفاهيمها، وجمعها حول الرسالة.
-         اقتلاع العلمانية من جذورها، بتصوراتها، وأفكارها، ومؤسساتها، ونظم الحكم فيها.
-         ممارسة السياسة الشرعية التي تحمي حقوق الأمة، وتسترد مكانتها.
-         الجهاد الذي يحمي كل ذلك، وإلا ذهب هباءً..
وإن كل دعوة، وسياسة إنما هي لتؤهل الأمة للقيام برسالتها، وجهادها، وعندما نخجل من هذا الخطاب أو نخاف، فالأولى لنا أن نصمت، ونلاعب أولادنا.. ونترك الحق لأهله ورجاله.
هذه المرحلة كاشفة، وفاضحة، ومُمحصة.. فمن وجد في نفسه انحرافاً فليهرع إلى الله - سبحانه - ليعلن بين يديه التوبة، ويسأله الهداية.. فسنة الاستبدال قائمة. وأما من وجد الخير، فليحمد الله فمنه الفضل، وعنده الجزاء، { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } [النحل : 53]، وعليه وعليه أن يكون ممن قال الله فيهم: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب : 39]، ويؤلف بين قلوب الأمة، ويرحم جهلها وضعفها، ولا ييأس منها أبداً، فعندما تستيقظ هذه الأمة ستغير وجه التاريخ، والحياة البشرية.. نحن لا نتحدث عن قطعة أرض، أو حقوق شعب، بل نتحدث عن مصير أمة بأكملها، ومصير البشرية كلها من ورائها، فنحن الأمة الشاهدة والمعلمة، والله - سبحانه - رفع ذكرها بكتابه، ولن يرفع مرة ثانية إلا بهذا الكتاب، وسوف تُسأل عن هذا الكتاب.
{ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنبياء : 10]
{ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } [الزخرف: 43، 44]
روابط ذات صلة: