قائمة المدونة محتويات المدونة

26‏/04‏/2015

العقيدة الإسلامية

سألني أحد الإخوة: ما هو المنهج لدراسة العقيدة بالنسبة للمبتدئ والمتوسط والمتقدم، وكم هي المدة اللازمة لدراسة هذا المنهج ؟!
الجواب:
الحقيقة عندما أرى الإسلام من خلال معالم القرآن ومشكاة النبوة.. أراه سهلاً يسيراً بسيطاً لا يحتاج إلى "منهج أكاديمي" بالنسبة للمسلم - هذا غير الباحثين والمحققين - أرى يُسره إعجازاً في حد ذاته !.

وإننا نرتكب جُرماً عندما نُعَقد على الناس معرفة "الدين" فإنما هو جاء ليُخاطب الفطرة، فهو دين الفطرة، وفي دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - له تتجلى هذه البساطة واليسر، ويتجلى معها العمق الذي يلمس جنبات الوجود كله، وتتجلى أعمال القلوب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "التقوى ها هنا، التقوى هنا هنا" ويشير إلى صدره،  وتتجلى طهارة النفوس، وتزكية الأرواح، وخلاصة الإنسان لربه خالقه ورازقه..

إنَّ العقيدة في الإسلام ليست كتباً تُدرس، ولا هي إثبات "صفات الله" أم تأويلها وتفويضها !! ولا هي الصراع المذهبي بين المدارس الفقهية..

إنما هي ضبط علاقة الإنسان بـ "الله" و"الحياة" و"الوجود" من حوله، وتضع الإنسان على صراط الله المستقيم، ليمضِ  في طريق الحياة من خلافة للأرض راشدة، تصل به - في النهاية - نحو السماء لجنة عرضها السموات والأرض، وذلك هو الفوز العظيم.

ولنتأمل هذا الحديث الجامع لأركان الإسلام والإيمان والإحسان:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تؤمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِسْلَامُ ؟ قَالَ: " الإِسْلَامُ، أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ..." [صحيح مسلم/12] فكان الرجل هو جبريل - عليه السلام - جاء يُعلم الناس دينهم في صورة السؤال والجواب، لنقف على الحقائق الكبرى في أبسط وأسهل صورها..

فجاءت دعوة الإسلام - دعوة كل الرسل - بشهادة "أن لا إله إلا الله" و"أن محمداً رسول الله" النبي الذي يحمل الأمانة "أمانة الوحي" ويُبلغ عن الله، فوجب اتباعه، واتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - فكانت دعائم الإيمان هي الإيمان بـ: "الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خير وشره".. ونرى عِماد الإيمان: هو الإيمان غيباً بالله وما خلقه الله - مما لا تدركه حواسنا - فالإيمان بالغيب هو الذي يرفع الإنسان من عالم البهيمة، وإدراك البهيمة، واهتمام البهيمة.. ويرفع شعوره واهتمامه وتصوراته، ويتجلى هنا أهمية الإيمان بالغيب واليوم الآخر عندما يبرز الفكر المادي الذي يُقدس المادة، ويكفر بالغيب، ويَدعي الألوهية والربوبية، ويستكبر عن الله - جل جلاله - فالإيمان باليوم الآخر هو الضابط لحركة الإنسان في هذه الحياة، وهو الذي يُحوله من أن "يفجر أمامه" إلى أن "يتنافس ويُسارع إلى جنة عرضها السموات والأرض".

ونرى الإيمان بالملائكة وهي تحيطنا من كل جانب، وتُحصي علينا أعمالنا، وتحفظنا - بأمر الله - من الشرور، وتُبشرنا بالجنة، فإذا كان الشيطان يقعد لصراط الله المستقيم؛ ليحيد بالإنسان عنه، فإن الملائكة في الجانب المقابل تدفع هذه الشياطين، وتُثبت الذين آمنوا، ويبقى أمام الإنسان "الاختيار" بين "سبيل الله" أو "سبيل الشيطان".

ونرى هذا الإيمان وهو يربطنا بالرسل والكتب المنزلة - قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - فيجمعنا جميعاً في موكب الإيمان من لدن نوح - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إخوة في الدين، لا نحمل غلاً ولا حسداً للذين سبقونا بالإيمان، بل وشيجة من الود والحب ممتدة في شعاب الزمان، تربطنا بهذا الموكب الوضئ الكريم.

ويبرز الإيمان بالقدر خيره وشره.. حتى لا يَأسى الإنسان على ما فات، ولا يفرح بما ملكت يداه، بل يُفوض في كل حال أمره إلى الله، ويشكر ربه على كل حال، ويتسع أفقه إلى رؤية شاملة، تسعى إلى الخير، وتُقدم أسبابه.. ولا تحزن من فوات حظ، فالأمر كله بيد الله - القوة الوحيدة المتحكمة في هذا الوجود - والتي بيدها مقاليد كل شيء.. فيشعر الإنسان بإمتنان الله عليه، وفضله، وكرمه، وإحسانه، وعفوه.. فيتجه إلى الشكر والذكر والثناء والتواضع والتوبة لله.. لا الكفر ولا الاستكبار ولا العناد.

وكانت دعائم الإسلام: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"

فكانت شهادة التوحيد هي عنوان الإسلام، وهي شهادة طاهرة من الشرك - فهو الظلم الأكبر والذنب العظيم - فالله سبحانه وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته فهو الإله الرب الخالق الرازق، ليس معه إله، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في المُلك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، ولا شريك له في "العبادة والشعيرة"، فهو المستحق وحده للعبادة والصلاة والدعاء والنذر، والنُسك...إلخ بلا شريك، ولا شريك له في "الحكم والتشريع"، فهو وحده المُشرع لعباده ما يَحل لهم، وما يُحرم عليهم..

فالإسلام يحارب الشرك كله بجميع صوره المادية المتمثلة في صرف صور العبادة - من اعتقاد أو عبادة أو تشريع - لغير الله، ويحارب الصور المعنوية المتمثلة في الرياء، والنفاق، والكبر، وأمراض القلوب...إلخ، فهو يهدف إلى أن يكون الإنسان خالصاً في عبوديته لله وحده لا شريك له: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام : 162]

وجاءت الصلاة: عماد الدين، ليكون الإنسان على صلة دائمة بالله، تربط كل حياته بالله - جل جلاله - وجعلها صورة مادية من العبادة، تتجلى خلفها المعاني الروحية التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتأمر بالقسط، وإطعام المسكين واليتيم، بلا رياء أو نفاق.

وجاءت الزكاة: لتُطهر النفوس من الشح والبخل، ولتستثمر أموال الناس في الآخرة، وتُطيب قلوب الفقراء في الدنيا، وتقيم نظام التكافل الاجتماعي والاقتصادي، وأطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله.. لتتسابق الأرواح نحو رضى الله، وجنته.

وجاء الصوم: تقوى للقلوب، وتهذيباً للأرواح، وقمعاً لهيجان الشهوات، وإحساساً بجوع الفقراء، ليؤلف القلوب، ويجمع المسلمين، وبه يغفر الله الذنوب، ويقبل الطاعات، فهو موسم ومهرجان للحسنات والمغفرة.

وجاء الحج: ليُذكر الناس بدعوة الإسلام، وملة أبينا إبراهيم - عليه السلام - وليُذيب الفروق النفسية والمادية بين المسلمين، ليجمع كلمتهم، ويوحد رايتهم، ويُأخي بينهم.

وجاء الجهاد: ليكون هو ذورة سنام الإسلام، التي تحفظ الدين، وتحمي المسلمين، وتُعلي رايتهم، وتقيم دولتهم، وترفع الظلم والقهر، والاستبداد والفساد، وتحمل رسالة الله ورحمته وعدله إلى العالمين.

ثم جاء الإحسان المستوى السامق بعد الإسلام والإيمان.. وهو أن ترى صُنع الله في كل شيء حولك، فترى قدرته، وحكمته، وفضله، وعدله، ومنته، وقوته، وقوامته، وعلمه، وإحاطته.. فتكون القلوب من الحساسية والرقابة - على نفسها - وهي تمارس كل عمل، ومن الوجل فيما يختلج في صدرها من نية وقصد وإرادة، ويا لها من مرتبة هي ثمرة بعد غرس الإيمان في القلوب، وإقامة الإسلام في الحياة.

ثم جاءت لحظة النهاية وهي "عِلم الساعة" التي ثقلت في السموات والأرض، لا يعلمها إلا الله، لتجعل الإنسان في حالة من اليقظة الدائمة، والحذر المستمر، وهو يترقب موعد الجزاء، ويتحفز لرؤية ثمرة عمله، دون تواكل أو تهاون أو انتظار أو تسويف، وأن يتجه إلى "العمل" وإلى "المضي في سنن الله في الكون والحياة" فلا عجز يسلب الإنسان قوته وفاعليته، ولا تجبر يطغى بالإنسان ويستكبر به.. بل عمل وجهاد، وتوبة دائمة مستمرة.

*   *   *

فكان المسلم الذي يهدف إليه الإسلام هو: المؤمن الهَين اللين القريب السهل، الذي يَألف ويُؤلف، ويأمنه الناس، ويطيبون له، ويُدخل عليهم السرور، وينفعهم.. دون انتظار جزاء أو شكورا، ويَسلم المسلمون من لسانه ويده، أحسن الناس خُلقاً، يخفض الجناح للمسلمين، والمُسالمين من الناس ويَبرهم ويُقسط إليهم، ويرفع السنان للمحاربين المعتدين سواء على المسلمين أو المعتدين على حُرمات الله وألوهيته في أرضه أو المحاربين لرسالة الله الأخيرة للبشرية.. فجاء الإسلام - دين الحرية - ليُتمم مكارم الأخلاق، ويحفظ حرمات الإسلام من دم، وعرض، ومال، وحرية..

فحرّم الإسلام القتل وشدد فيه، وحرّم الزنا والسرقة وشرب الخمر والمُسكرات، وأكل المحرمات والسحت، وأكل أموال الناس بالباطل، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي.. وحرّم الربا والظلم والفساد، وأمر ببر الوالدين، وأمر بكل معروف، ونهى عن كل منكر، فأمر بكل خير ، ونهى عن كل شر.

*   *   *

وليس صحيحاً أن دراسة العقيدة هي الغرق فيما غرق فيه السابقون ممن جادلوا في ذات الله - وهو شديد المِحال - وليس صحيحاً أنه هو التنازع والتقاتل الفقهي بين المدارس الفقهية.. إنما العقيدة الإسلامية شديدة البساطة، عميقة الواقعية، عظيمة الأثر، يُنشأها الإسلام في القلوب أولاً ويزرع فيها التقوى والوجل، والإخلاص والحب لله جل جلاله، ثم يُتابع آثارها في الحياة ثانياً من خلافة في الأرض، وجهاد للباطل والظلم.. وقطع الطريق على حبائل الشيطان وحزبه، ودفع الكفر، والفساد.. وتعريف الإنسانية بربها، وتطهيرها مما لحق بها من وساوس الشيطان، لتنجح في رحلة الحياة.. وتعبر إلى رضوان الله وجنته.

هذا طرفاً من مفهوم الإسلام في صورته الربانية المتكاملة المتوازنة الشاملة المثالية الواقعية.. فكان رحمة وسلاماً وعدلاً وقسطاً لكل البشرية، ويوم أن تعود الصورة الصحيحة للإسلام؛ ويُجاهد المسلمون ليرفعوا عنه التصورات المنحرفة، ويُطهروا الأرض من رجس الطاغوت، ستدخل الناس فيه أفواجا كما دخلت أول مرة { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف : 21]

 

*   *   *

موضوعات ذات صلة:
-          أمراض القلوب.

*   *   *