قائمة المدونة محتويات المدونة

15‏/11‏/2015

تكبيل الأمة


لماذا خسر "حزب النور - الدعوة السلفية" في الانتخابات البرلمانية؟
تنوعت التبريرات من داخل الحزب حول الهزيمة، فقالوا: إنه تم استهداف الطعن فيهم عبر وسائل الإعلام، وأن مؤامرة تمت عليهم، وقال كبيرهم: إنه حتى فشل في إقناع أنباءه بالنزول للتصويت في الانتخابات، وقال آخر: إن 99 % من الشباب لم ينزل الانتخابات.

وظهر الحزب بمظهر "الضحية" التي ضحت بـ "حقها الانتخابي" من أجل مصر والدين... إلخ.
والحقيقة.. إنه في هذه الانتخابات لم ينجح أحد، فالجميع فشل ! ولكن سبب فشل حزب النور تحديداً.. ليست هي التبريرات الواهية عن الهجمة الإعلامية - فمتى توقف الإعلام عن الهجوم؟! - وإنما لأن "التركيبة السياسية" ليست بحاجة ابتداء للبرلمان عموماً.. وللأحزاب الدينية خصوصاً !.
إن الفرصة الوحيدة التي ينجح فيها "حزب النور" هي أن يكون "التيار الإسلامي" يتحرك في الشارع يطالب بـ "التحرر من النظام الحاكم" في هذه الحالة يظهر هذا الحزب ومثيله، ليكون سيفاً مسلطاً على رقاب المسلمين، وليضرب في صفوفهم بالفتنة وبالفتاوى الباطلة، ولعمل الإرباك اللازم لخلخلة أي محاولة لتحرر - كما فعل في ثورة يناير وما بعدها - في هذه الحالة سيأتيه التمويل من كل حدب وصوب، وفي هذه الحالة سينجح بالنسبة التي تساهم في عملية "التشويش" اللازمة لذلك.. فهذا الحزب وهذه الدعوة، لا يهمها حقوق ولا عدالة ولا مقاومة للظلم ولا طواغيت.. بل أصل الدعوة هو "شرعنة الظلم" و"عبادة الحاكم" و"تأصيل الفساد" فلا هي تؤمن بثورة، ولا عدل، ولا أي من ذلك.. بل يتم الدفع بهم لإرباك المشهد السياسي، وسيتم الدفع بهم في كل محاولة - ولو كانت مبادئها خاطئة - لتحرير الأمة، فهو فكر يطعن في ظهر الأمة كلما نهضت، وأرادت الخروج مما هي فيه.
ولما لم يكن "المناخ السياسي" في مصر بحاجة لوجود "حزب النور" فقد حصل على هذا "الصفر الكبير" ولكن المفاجأة.. أن "مسرحية الانتخابات" كلها فشلت.. لأنه ببساطة لم يحضر أحد ! وهذا شيء إيجابي كبير، ولكن لا نُعول عليه كثيراً ما لم يدرك الشباب والأمة.. حقيقة المعركة،  وطبيعة الصراع، ومن الذي يُكبلها فكرياً وحركياً ودعوياً وجهادياً، ويقطع عليها الطريق في كل مرة لصالح العدو.
وبهذا نجد هذا الحزب، وهذه الدعوة.. أصبحت "مربطاً" من مرابط تكبيل الأمة، لتركيعها باسم "الدين والسلف" لتظل في حالة من الذلة والخنوع والقهر.. ولا يمنع ذلك وجود كثير من الشباب المخلص، الذي يريد الخير لدينه وأمته، لكنه مخدوع في هذه "الفتنة المُضلة".
وإن "السلفية الجهادية" - إن صح التعبير - هي على رأس من يجاهد ويقف للطواغيت.. ولكن - ومن خلال القراءة التاريخية لصور المواجهة - وجدت هناك "نقاط تلاقي" بين جميع أنواع السلفية - السابق بيانها في مقالات أخرى - ووجدت أمور قادرة على تفريق الأمة بدلاً عن تجميعها منها: اعتقاد الحق المطلق حتى على أتفه الأمور.. وهو أمر سيؤدي إلى التفسيق والتبديع والتكفير مع كل مخالف، التكريس وخلق بيئة الاستبداد بعد التحرر، العاطفة الزائدة، والجمود الحرفي؛ لهذا دعوت في مقال: إشكاليات السلفية "التحرر من العقلية السلفية عموماً، وبشكل كلي.. وهو تحرر فيما يخص الفقه السياسي، وليس أمور العبادة والشعائر.
*  *  *
وأما الإخوانية المعاصرة: فلقد صارت "محرقة" للشباب.. و"مُحبطة" لطاقاتهم. وتم تلخيص كل حركتها المعاصرة في "السلمية السياسية" ومحاولة التغيير من داخل النظام.. فصار فكرها وحركتها وسلوكها هو "البرجماتية" الخاصة، وما يحقق مصالح الجماعة.. بل حتى ليس كل الجماعة إنما مصلحة بعض أفراد منها ! بعدما تم اختراقها فكرياً، وأمنياً.. فصارت الجماعة - رغم ثقلها التاريخي - طاحونة للطاقات والدماء والشباب والثروات.. تطحن كل شيء، ولا تنتج إلا الخنوع والاعتقالات وانتهاك الأعرض والحرمات ! ثم - وبكل وقاحة - تتهرب من المسؤولية، وتلعب دور "الضحية" البريئة" لتكرر نفس الأخطاء، بنفس الصورة، بنفس الترتيب.. في كل مرحلة، وفي كل جيل.
لقد خدعت هذه الجماعة بفكرها المعاصر الشباب، وجعلتهم أمام "معادلة مستحيلة" و"فرضية خيالية" فهي تريد الحكم بلا قوة ! ولا يمكن أن يتحقق "التمكين من دون القوة"، فتدفع الشباب إلى هذه المعادلة المستحيلة بعد شحنه عاطفياً ودينياً وتثوير وجدانه بالأمجاد والبطولات، فلا يجد إلا الرصاص يخترق الصدور، وعندها.. بدلاً من المراجعة، والتصحيح، والتقويم، يقولون: إنه الصبر والابتلاء، فيظل الشباب يغرق في هذا التيه، ينتظر الوهم، ويعيش الخرافة، ويصدق الكذبة.. ثم لا يجد شيئاً في النهاية.
وبهذا نجد أن هذا الفكر، وهذه الحركة.. أصبحت "مربطاً" من مرابط تكبيل الأمة، وحرق طاقتها، وتحطيم شبابها، ولا يمنع ذلك وجود كثير من الشباب المخلص، الذي يريد الخير لدينه وأمته، لكنه مخدوع في "الأوهام والأماني الباطلة".
*   *   *
العلمانية:
وهي الوجه الآخر للديانة النصرانية.. وهو الفكر الغربي الذي نشأ بعد الفصل بين الكنيسة والدولة، وقيام الدولة القومية الأوربية الحديثة، وتضم هذه العلمانية كافة الأفكار الوضعية من : اشتراكية ورأسمالية وشيوعية وديمقراطية وديكتاتورية وليبرالية وقومية وحداثة... إلخ.
ولقد جربت الأمة جميع الأفكار الوضعية بلا استثناء حتى الإلحاد!! لم تترك شيئاً لم تجربه، واُفتتن شباب هذه الأمة بهذا الفكر الوضعي، ورضعوا سمومه منذ نعومة أظفارهم..
جربت الأمة كل هذه الأفكار، وفشلت جميعها فشلاً ذريعاً.. إلا أنه يتم تصوير الفشل على أنها نجاح باهر، وانتصار عظيم !
ثم يأتي رؤوس هذا الفكر وأصحابه ليتاجروا بآلام الأمة، وليخدعوا الشباب بوعود الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. ويعدونهم بجنة الغرب، ويصدقهم الكثير، بفعل السيطرة العلمانية على أجهزة التوجيه والإعلام والحكم، وفي كل مرة يبيعون القضية، ولا يؤمنون بفكرة، فالاشتراكي المناضل يبيع القضية - بل ويبيع أصحابه وإخوانه - عندما يلوح له الليبرالي بحفنة الدولارات !
ولقد صار هذا الفكر لعنة على الأمة، انحرف بها منذ اللحظة الأولى عن الطريق، وغرق بها في عمق التيه البعيد.. فلا نالت الدنيا، ولا أرضت خالقها.. وصار هذا الفكر - بكل أنواعه - وقيادته هو يد المحتل على بلادنا، وهو المشجع عليه، حتى تظل الأمة بلا ذكر، وبلا فكر، وبلا كتاب.. فنبذت كتاب الله وراء ظهرها، فضاع ذكرها بين العالمين، وصارت عالة على غيرها في كل شيء.
وبهذا نجد أن هذا الفكر، بكل اتجاهاته.. أصبح "مربطاً" من مرابط تكبيل الأمة، وتضليلها، وإبعادها عن دينها، وعن إيجاد الصراط المستقيم لها، وصار هو يد المحتل الذي يقهرنا بها.. ولا يمنع ذلك وجود كثير من الشباب المخلص، الذي يريد الخير لدينه وأمته، لكنه مخدوع في هذه "الفتنة المُضلة".
*   *   *
وبهذا نجد إن كل فكر منحرف، وسلوك باطل.. يصبح "سلاسلاً وأغلالاً" في عنق هذه الأمة، لا تستطيع التحرر طالما هذا الفكر ساكن في عقولها، ويعبث بها:
فـ "السلفية": ستُشرعن للظلم، والفساد، وتُأصل للاستبداد والتغلب، وعبادة الحاكم.
و "الإخوانية": ستحرق الشباب والطاقات في عبث لن يُفضي بهم إلا إلى المشانق في النهاية.
و "العلمانية": تتنكر لـ "دين الله" ابتداء، وتعبد "متاع الحياة" فلا تنال المتاع، ولا رضى الله.
وعلى شباب الأمة "الثورة" على هذا الفكر كله، وتحصين عقله تحصيناً يمنع الاختراق الذي يدمر عقله، ويتحرر أولاً من هذه الآصار والأغلال.. ومن هنا يبدأ التمكين، ومن هنا يبدأ طريق النصر، فالعدو مهما بلغت قوته وحشوده.. لن يستطيع هزيمتنا طالما تم التحصين من الداخل، وكم فرصة ضيعتها الأمة.. وانهزمت بسبب "أمراضنا الداخلية" لا بسبب قوة العدو !.
لقد أخذ هذا الفكر جميعه فرصته.. وفشل كله في الدفع بالأمة خطوة واحدة للأمام، وآن الأوان للتخلص منه، والعودة لـ "الدوران مع الكتاب حيث دار" .. لا الدوران مع "السلطان" حيث دار، ولا الدوران مع "المصلحة الحزبية" حيث دارات، ولا الدوران مع "الغرب ومتاع الدنيا" حيث دار..
"دوروا مع الكتاب حيث دار" باسم الله، ابتغاء مرضاة الله، نصرة لدينه، وأمته.
*   *   *