قائمة المدونة محتويات المدونة

10‏/07‏/2019

طاغوتية "تنظيم الدولة"


قالت بعض وسائل الإعلام: إن "تنظيم الدولة" أعلن مسؤوليته عن تفجير حفل الزفاف في أفغانستان الذي راح ضحيته أكثر من (63) قتيلاً بينهم نساء وأطفال – و(182) من الجرحى والمصابين – عبر عملية انتحارية.. وإن صح تبني التنظيم هذا الجرم الشنيع، فهذا يُعبر عن مدى الطاغوتية والوحشية التي وصل إليها هؤلاء!

ولقد أصبح هذا التنظيم الذي أعلن عن هدفه في عودة الخلافة الراشدة.. زعموا! أصبح هدفه يتلخص في:
-         محاربة وقتل المسلمين والأبرياء.. بزعم الجهاد.
-         الصد عن سبيل الله.. بزعم تطبيق الشريعة.
-         التمكين لأعداء الله.. وأعداء الأمة.. بزعم قتال المرتدين.
فهي جرائم مركبة: قتل الأبرياء، وقتل النفس فيما يسمى بـ "العمليات الاستشهادية" ولم أجد لها أي مستند شرعي، سوى ما قاله البعض عن "الانغماس" وفيه أن ينغمس المقاتل المسلم في الكافرين – المعادين للأمة – فيقاتلهم حتى يُقتل، ولا وجه للاستدلال في ذلك، فالذي قتله هم الكافرين ولم يقتل نفسه – كما في العمليات الانتحارية – وأما في مسألة فك الحصار عن المسلمين – إن حُوصروا – فهذه حالة استثنائية عند الضرورة القصوى؛ لإنقاذ المسلمين من الأسر، ويبقى الأصل: حرمة قتل الإنسان لنفسه، والحرمة الأشد أن يكون ذلك القتل في مسلمين مسالمين وأبرياء لا ذنب لهم!
والمُبرر الذي ساقه التنظيم لتبرير هذه الجريمة الوحشية هي أن حفل الزفاف هذا كان للرافضة! وقد سبق له مرات عديدة أيضاً استهداف مساجد الشيعة أيضاً فهو يرى كفرهم جميعاً – عوام وقادة – كما يرى كذلك تكفير غيرهم من المسلمين السُنة المشاركين في العملية الديمقراطية، وقد سبق الرد على ترهات هذا التنظيم في مقالات: (الغلو في التكفير، المسألة الشيعية، الجيا والدولة، مجلة دابق.. الوجه الحقيقي)... إلخ، كما يرى قتل كل كافر حتى ولو كان مسالماً – وكل هذه انحرافات لا أصل لها في الشريعة – ثم يمارس تنفيذ هذا القتل، فقد أعطى لنفسه الشرعية في أي مكان يُعلن فيه عن وجوده، ويمارس سلطته في قتل المسلمين.. والمساعدة في تمكين أعداء الله، ولا يريد العدو أكثر من وجود هذا التنظيم الموتور في فكره وروحه ليدمر به الأمة، ويصد به عن سبيل الله.
ولقد أصبح وجود هذا التنظيم وبالاً على المسلمين في أي مكان، ووجب على المسلمين والعقلاء أصحاب التأثير.. إعلان البراءة من هذا التنظيم المنحرف الذي فاق في جرائمه.. جرائم الخوارج الأوائل. ومازال لهذا التنظيم أتباع كثر خاصة من الشباب.
وبعد أن انهزم التنظيم في العراق وسوريا، وأصبح وجوده مقصوراً على بعض الجيوب والمناطق الصحراوية، وخفت نجم التنظيم، وانحسر وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوارى من كان يشجع ويبارك هذا التنظيم المجرم ظناً منه أنه يدافع عن رسالة حق، وعن التوحيد النقي بزعمهم.. بعد هذا الانحسار، مازال هناك بعض المفتونين بهذا التنظيم، يدعمونه بالكلمة بين الحين والآخر، استناداً على الأيديولوجية "السلفية".. كون التنظيم ينتمي إليها، وهو أشد ما يُسيء إليها.
وأرى واجب العقلاء – الذين يقومون لله، ويشهدون بالقسط – تحذير الشباب من فتنة هذا التنظيم، وليس ذلك فحسب.. فالمشكلة ليست في الوجود المادي فقط لهذا التنظيم، إنما في "الفكر المنحرف والضال" الذي يتغذى عليه هذا التنظيم، والذي يعني أنه قد يظهر في المستقبل مرة أخرى والعياذ بالله.. إذ لم نُبين للناس مدى وخطورة هذا الانحراف الذي يتلخص في:
-         رمي المسلمين بالشرك والردة، واستباحة دمائهم وأموالهم.
-         القتل العشوائي للآمنين والأبرياء.
-         العمل من خلال خطة العدو، والتمكين له.
-         خداع الشباب الصغير بأوهام لا أصل لها، ودفعه لقتل نفسه!
-         إرباك وتعطيل الحركات - القريبة من الصواب – التي تحاول تحرير الأمة من أعدائها.
-         الصد عن سبيل الله، بالتنطع والغلو وتبني الآراء الشاذة.
ويجب مواجهة هذا الفكر المنحرف من جذوره، فالأمر ليس في عداء ذاتي مع تنظيم ما، بل مع فكر منحرف لطالما أذى الأمة المسلمة..
وهذا الشباب الصغير الذي يغتر بالتنظيم، ويرى فيه تعبيراً عن "غربته" و"غضبه" يحتاج أولاً إلى العلاج النفسي والتربوي.. وأخيراً الفكري.
***
وإنَّ طاغوتية تنظيم الدولة وفكره، لا تقل أبداً عن طاغوتية ووحشية الأنظمة الجاثمة على صدر الأمة، فلطالما كان (الفكر الخارجي الغالي المنحرف)، و(الفكر الطاغوتي المفتون بالملك والمتاع) هما أعدى أعداء الأمة في طريق تحريرها من أسرها الذي وقعت فيه من قديم.. وكلما همّت أن تحارب الطغاة الفجرة الذين يتحكمون فيها ويستبدون بها، يخرج عليها "الخوارج" ومن على شاكلتهم – مثل تنظيم الدولة وغيره – ليفسدوا عليها المحاولة بزعم: التوحيد النقي، والشريعة، والجهاد!
فأيديولوجية هذا التنظيم تُمثل حالة استنزاف لطاقات الأمة، وقطع للطريق عليها أثناء محاولة الخروج من محنتها التاريخية..
ويجب التركيز في تربية الشباب الصغير على:
-         الانتساب إلى الأمة المسلمة جميعها، وشعور الجسد الواحد والمسؤولية الجماعية عن قضايا الأمة.
-         التركيز على "تواضع الشباب" لأمته، ولدينه،  والتأكيد على عدم وصايته على الأمة، وبعدم كونه صاحب الحق المطلق، وكونه مجرد خادم لأمته ودينه، وتربيتهم على إنقاذ الأمة لا قتلها.
-         تنمية الفكر السياسي الإسلامي لهؤلاء الشباب، لتمكينهم من قراءة واقعهم وتاريخهم وتاريخ البشرية قراءة صحيحة.
-         قطع الطريق على نمو أي أشكال للتعصب أو غلو، وتربيتهم تربية رسالية تدور مع الكتاب حيث دار، وتقوم لله، وتشهد بالقسط.
-         تربيتهم بالقرآن الكريم، فكراً وخلقاً وسلوكاً بعيداً عن أوهام من يجعلون كل خلاف محتمل عقيدة ينعقد عليها الولاء والبراء، وتمزيق الأمة بالآراء الجدلية، ومحاربة طواحين الهواء!
عسى هذا السبيل أن يُشفي جسد الأمة وروحها من هذه الأسقام بإذن الله؛ حتى تستطيع أن تنهض وتنفض عن جسدها وروحها الطغاة الظلمة الفجرة، وتقوم لتؤدي دورها الذي من أجله أخرجها الله تعالى للناس.
***