قائمة المدونة محتويات المدونة

16‏/05‏/2021

السلمية والعنف

هل السلمية في مواجهة الطغيان، فضيلة يجب التمسك بها، والدعوة إليها، وعدم الخروج عنها أبداً؟! وبالمقابل: هل استخدام العنف في مواجهة الطغيان هو الحل الذي لا سبيل غيره، مهما كانت النتائج المتوقعة؟ وأيهما الصواب في مواجهة الطغيان.. السلمية أم العنف؟

بداية.. إنَّ تَحوُّل وسائل مواجهة الطغيان (سواء العمل السلمي أو العمل العنيف) إلى "أيديولوجيا"، هو من أخطر ما يكون، فهذا التحول الأيديولوجي يُساهم في ترسيخ أنظمة الطغيان والفساد، ومظاهر هذا التحول.. هو تحول الوسيلة (سواء السلمية أو العنيفة) إلى فكر وعقيدة وغاية وهدف؛ يتم التعصب له، والدعوة إليه، والمفاصلة حوله، والتفرق فيه؛ ويؤدي إلى الصراع البيني بين كل من الفريقين.. فريق السلمية، وفريق العنف..

فيَتهم فريق السلمية أصحاب منهج العنف: بالاندفاع والتهور، وعدم الإعداد، والتبرأ منهم، وعدم دعمهم، بل وتسويق أنفسهم على حساب أصحاب العنف.

ويَتهم فريق العنف أصحاب السلمية: بالضعف والخوار، والجبن، ومخالفة المنطق، والواقع، والركون إلى العمل السياسي السهل.

وعندما يفشل "المنهج السلمي" ينتقل أصحاب العقيدة الحارة، والقلوب الغاضبة إلى "منهج العنف" كثورة على السلمية التي أذلتهم وأهانتهم، ويجعلون من هذا التحول "عقيدة ومنهج وراية"، ويُسخِرون قواهم في نقد المنهج السلمي الفاشل الضعيف، ويُحاولون نشر أدبيات العنف المسلح، كضرورة حياة ووجود لمواجهة الطغيان.

وعندما يفشل بالمقابل "منهج العنف" ينتقل المُنهزمون في معركة العنف، والذين اُنهكت قواهم في معارك غير متكافئة إلى "منهج السلمية" كثورة على منهج العنف الذي انهزم أمام وحشية الطغيان، ويجعلون من هذا التحول "عقيدة ومنهج وراية"، يُفاصلون عليها، ويرفضون أي حديث عن ضرورة القوة، فيتحول الأمر عند كلا الفريقين إلى "هواجس" و"أيديولوجيات" تتكون نتيجة "التجربة المريرة" وهي حصيلتها، ويظل التجاذب بين كلا المنهجين قائماً يدور بينهما على هذا النحو.

***

فأي سبيل صحيح يمكن انتهاجه في مواجهة الطغيان؟

بداية.. يجب التخلي عن التعصب الأيديولوجي لوسائل المواجهة سواء الوسائل السياسية السلمية، أو الوسائل العنيفة في المواجهة، بمعنى: إنَّ المسلم في هذه المواجهة يجب أن يكون مفتوحاً على جميع الخيارات، فهي بالنسبة له مجرد وسائل لتحقيق غاية: التدافع مع الباطل والظلم، والنهي عن الفساد والعدوان، وإقرار الحق والعدل، ومواجهة أعداء الداخل من المنافقين والطغاة، وأعداء الخارج من الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.

ولنأخذ من سيرة الأمة المسلمة الأولى نبراساً لحديثنا هذا..

لقد كانت البداية: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[سورة النساء: 77] فجاء النهي عن القتال والمواجهة ـ في العهد المكي ـ رغم القدرة النسبية على المواجهة، فقد كان بالإمكان أن يحمل كل فرد سيفه، ويقاتل، ولكن جاء النهي ـ فيما نرى ـ لأن الدعوة مازالت في مهدها، ولم تتأهل بعد للقتال في سبيل الله وحده، ولا يريد أن يتحول القتال إلى ثارات عربية قبلية.. ولم تتكون بعد "الوحدة السياسية والشرعية" في هذا القتال، رغم وجود القائد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورغم كونه في أشرف أنساب أشرف قبيلة.. قريش.

ولكن.. رغم هذا الكف عن القتال، كان القرآن الكريم يُربيهم تربية مبكرة ـ في العهد المكي أيضاً ـ على الانتصار من البغاة، وعدم الضعف، والذلة والاستسلام، وكان يربي فيهم أيضاً الشخصية السياسية القويمة، القائمة على تحقيق الشورى والعدالة، وامتثال مكارم الأخلاق، فهذا جزء أصيل من الشخصية المسلمة، بَيّنت سورة الشورى المكية جزءاً منه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ. وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[سورة الشورى: (39: 42)] فكان يوازن هذه الشخصية بميزان رباني دقيق، إنه حتى في عدم الإذن بالقتال ـ لعدم اكتمال مقوماته وشروطه ـ لا يدعهم للضعف، بل للانتصار، والإعداد، ويحفظ لهم حقهم فيه، وفي نفس الوقت القدرة على العفو.. عند التمكين، وهذا هو الصراط المستقيم، أما الذين يسلكون السبيل إلى النار، فهم الذين يَظلمون الناس، ويَبغون في الأرض بغير الحق.

ثم تكونت الوحدة الشرعية والسياسية بالهجرة إلى المدينة.. وأصبح لأفراد هذه الأمة "الوجود الشرعي السياسي" المنتظم في قيادة وأمة وأرض ومجتمع، فجاء الإذن بالقتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[سورة الحج (39)] بل لقد دفعهم للمواجهة ـ رغم فارق القوة الهائل لصالح العدو ـ دفعهم لأن الأساس الاجتماعي السياسي، وقاعدة الانطلاق قد تكونت بالفعل؛ ومن ثم فلا بد من مواجهة العدو المعتدي المتربص.

ثم جاء الأمر بالقتال، والاستعداد الدائم للمواجهة: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ[سورة البقرة (193)]

وجاء الأمر المطلق بإعداد كل قوة، لمواجهة العدو من جانب، ولبقاء الأمة في حركة إيجابية في حماية نفسها، وتسليح نفسها بالإيمان من جانب، وبالقوة من جانب آخر: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[سورة الأنفال: (60)]

وبعد ضمان القوة.. يأتي التحبيب في الجنوح إلى "السلم".. السلم القوي، القادر على الرد عند الخيانة: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[الأنفال (61)]

إذن.. نستلهم من هذه السيرة الأولى للأمة المسلمة، وهي تخطو أولى خطواتها، ومراحل تكوينها:

ـ إنَّ السلمية لم تكن ديناً، ولا منهجاً.. بل كانت الاختيار المناسب لمرحلة ما.

ـ إنَّ القرآن الكريم ربَى المسلمين على الانتصار من الظالمين، كحق أصيل لهم، حتى وهم في مرحلة الاستضعاف بمكة.

ـ إنَّ استخدام القوة، والمواجهة.. كان بعد وجود الشرعية السياسية الاجتماعية، ووجود القيادة الراشدة المخلصة.

ـ إنَّ الإسلام يحب السلام، متى كان هناك جنوح من الجميع إليه، وإعداد القوة ضرورة لردع أي خيانة.

ـ إنَّ محاولة بعض الأفراد ـ الذين لا يخضعون للنظام الاجتماعي السياسي لدولة المدينة ـ تأديب الباطل، كانت محل ترحيب، كما حصل في حادثة أبي بصير ـ بعد صلح الحديبية ـ الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: "مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ" [صحيح البخاري/ 2734]، وكان لها نتائج إيجابية في حماية المُستَضعفين.

***

 كيفية المواجهة؟

يتركز الحديث هنا عن تحرير الأمة من أعداء الداخل من المنافقين والطغاة والفسدة والفجرة.. ومعضلتهم أنهم ينتسبون للإسلام، ويجب احترام هذا الانتساب مهما بلغ نفاقهم! فيجب ـ إن تعين وتقرر قتالهم ـ أن يكون "قتال أهل البغي" كما سبق البيان في بحث "الفئة الباغية"، وإنَّ محاولة تكفيرهم، والدخول في جدال قضايا الإيمان والكفر، والعذر بالجهل، ونواقض الإسلام... إلخ، أفسد المحاولة كلها، ولم تأتِ بأي نتيجة لا على مستوى الدعوة، ولا على مستوى التغيير السياسي!

المنهج السلمي

عندما يكون دعاة الحق، أفراداً لا قوة لهم، ولا نظام، ولا شرعية تجمعهم، ولا قيادة تُنظمهم، فإن المنهج السلمي يكون هو "الاختيار المناسب" لهذه الحالة، ويتركز فيها "المنهج الدعوي والفكري" ببيان الحق، والشهادة بالقسط، وقول كلمة الحق عند كل سلطان جائر، والإنكار باللسان والقلب، وعدم التهور بأي اندفاع لصراع لم يتم إعداد العدة له.

فالمنهج السلمي هو منهج الحركات الفردية، ومنهج الأفراد الذين ينطلقون بدافع الغيرة على الدين والحق لبيانه والدعوة إليه.. ولكنها لا يجب أن تظل هكذا أبدا، بل لا بد أن تأخذ خطوة نحو "الشرعية السياسية الاجتماعية" وتكون لها قاعدة في الواقع السياسي، لا يمكن استئصالها، ولا إبادتها.. ولا تتخذ من السلمية منهجاً لا حياد عنه أبداً، لأنه متى تَكوّن لها قوة شعبية وسياسية، وأصبحت ذات تأثير سيفترسها الطغاة، بل إنهم يفترسون ويفتكون حتى بالضعاف والنساء والأطفال، وهذا دين الطغاة والطواغيت في كل جيل وقبيل.

منهج القوة

القوة غير العنف.. العنف: هو حالة عمياء من الغضب الصادق تجاه واقع ما، حالة عاطفية مندفعة للانتقام والرد، وتريد أن تُطفأ نيران الغضب بالانتقام من الطغيان.. وهذا الشعور محمود، ومطلوب، ولكن يجب أن يتم ضبطه حتى لا ينفلت من جانب، وحتى لا يتحول إلى هوى من جانب آخر، فكل حركة يجب أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، ولا حظ فيها للإنسان، وهذا معنى الإخلاص. وفي الحديث: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ" [صحيح مسلم/ 2596]

أما القوة: فالمقصود بها مواجهة الواقع بالوسائل المكافئة له، وليس شرطاً أن تكون "قوة السلاح" فحسب، فقد تكون قوة المعلومات الاستخبارية، أو قوة فهم الواقع السياسي، والتنبؤ بمجريات الحياة السياسية، أو القوة التقنية، أو القوة الشعبية، أو القوة الإعلامية، أو القوة النوعية، أو القوة الدعوية... إلخ، وتوظيف كل هذه القوى في المواجهة مع الباطل والطغيان.

ولأنها مواجهة حتمية لا مفر منها.. فإنه يجب الاستعداد لها، وهي حتمية لأنها تدافع على "السيادة والحاكمية" لمن تكون؟ لمنهج الله وشرعه.. أم لمنهج الباطل وطاغوته؟ وإذا كان الباطل يتسلح بكل سلاح، ويحاول أن يكون على قلب رجل فاجر واحد؛ لاتحاد مصالحهم.. فيجب أن يكون الحق متسلحاً بكل قوة، وعلى قلب رجل واحد، مخلصاً لله وحده.

***

 لماذا يفشل المنهج السلمي؟

لأن المنهج السلمي ليس مُقدراً له أن ينتصر وحده في مواجهة الباطل والطغيان والطاغوت، بل لا بد من مواجهته بالوسائل المكافئة له، ولأن المنهج السلمي يتحول ـ بطول الأمد وقسوة القلوب ـ إلى "مصالح سياسية براجماتية"، ومصالح فئات حزبية.. تتحول بمرور الوقت إلى جزءٍ من الواقع السياسي للباطل والفساد! وتصبح عقبة في سبيل التغيير، ومهلكة لطاقات الأمة، ومواردها، كما تستهلك "رصيد دعوة الحق" دون ثمرة مرجوة.

لماذا يفشل المنهج العنيف؟

لأن العنف والغضب ليس هو المطلوب، ولأن المواجهة الفردية دون شرعية سياسية اجتماعية، وقيادة راشدة، تنتهي إلى الهزيمة، وتشويه منهج القوة الضرورية لمواجهة الباطل؛ ولأن العنف يتحول إلى مجرد أيديولوجيا يجب اعتناقها والإيمان بها بغض النظر عن نتائجها.. أي: يتحول إلى غاية في ذاتها، ودعوة بحد ذاتها، وللأسف لا ينجذب إليها ـ في الغالب ـ سوى البسطاء الصادقين.. الذين لا يملكون مشروعاً سياسياً، بقدر ما يملكون رغبة في الاستشهاد والموت!

متى ينجح المنهج السلمي؟

يستطيع المنهج السلمي أن ينجح منفرداً ـ أو بأقل القليل من القوة ـ إذا حصل يقظة للشعوب، واجتماع لها، فإنها تستطيع أن تهزم الأنظمة السياسية الباغية متى تحررت من الخوف، ومتى قررت المواجهة، بل بمجرد "الاعتزال" "والبراءة"، أو ما يسمى اليوم بالعصيان المدني، أو الإضرابات العامة... إلخ، ولكن لينجح ذلك لا بد أن يصل إلى "الكتلة الحرجة" التي تستطيع التأثير، وبالطبع لا بد من وجود قيادات تستطيع تحريك الشارع، وبالطبع لا بد من حماية هذه القيادات، وضمان حرية وصول كلمتها إلى الجماهير، والقدرة على التعبئة العامة، واستغلال حالات الضعف السياسي للطغيان.. وكذلك عدم استخدام الطغيان للقوة المُميتة في فض فعاليات المنهج السلمي، فاستخدام القوة المميتة المفرطة ـ بتواطؤ دولي ـ يُفشل المنهج السلمي، ويزرع الخوف والرعب بين السلميين، طالما ليس هناك من يصده، ويردعه، فسيمضي في حماية نفسه من السقوط، ولو ضحى بنصف الشعب!!

إنَّ الطغيان ضعيف في ذاته، منهزم لا محالة.. ولكنه يعيش ويقتات على خوف الشعوب، واستكانتها، وتفرقها، هذا هو وحده سر بقاء الطغيان، وانتفاشه إلى حين، وهذا ما يفسر جزعه ورعبه.. عندما تستيقظ بعض الجماهير من ثُباتها، وتواجهه ولو مواجهة بسيطة.

كما إن الأمر لا ينتهي عند حد يقظة الشعوب وتوحدها في مواجهة الطغيان، وإسقاطه.. بل لا بد ـ بعد هذا المنهج السلمي ـ من ضمان السيادة والقوة لمنهج الحق الذي قامت من أجله الشعوب، فانتهاء المشهد عند سقوط الطغيان بلا ضمان للقوة، معناه ـ بكل تأكيد ـ ولادة لطغيان جديد! أشد قسوة ووحشية وحرصاً على قمع شعبه، وقهره، ومنعه من الثورة مرة أخرى.

متى ينجح منهج القوة؟

يفشل منهج القوة عندما يكون بلا حاضنة شعبية، وعندما يكون بلا مشروع سياسي، وعندما يفشل في كسب "القلوب والعقول"، وعندما يكون كل حديثه عنيفاً لا يتحدث إلا عن القوة والعنف، وعندما لا يفهم شعبه، وعندما يريد تغيير شعبه بالقوة، أو يفرض عليهم أيديولوجيا ما، وعندما ينعزل عن الأمة، وينزوي إلى الأطراف ليضرب من بعيد، وعندما يفشل في إيصال رسالته الإعلامية والدعوية بصورة صحيحة، وعندما يواجه الطغاة والبغاة مواجهة أهل الكفر.. فيُكثر في قتل الأبرياء، والمسالمين.. وإنَّ الذي يستخدم منهج القوة أحوج الناس لأَن يكون للناس سهلاً قريباً حبيباً ليناً هيناً..

وينجح منهج القوة عندما يكون جزءاً من المشروع السياسي الاجتماعي، وعندما يستخدم القوة الاستخدام الأمثل المحدود، وعندما يكون لديه حاضنة شعبية هو منها، وهي منه، وعندما يلتزم أفراده بطاعة القيادة، وعندما تكون هذه القيادة راشدة واعية، وعندما يوالي اهتماماً كثيراً بمعركة كسب العقول والقلوب، وعندما يكون قريباً من الناس، ومستفيداً من خبرات الجميع، ودافعاً بالأفضل في كل مكان، كما هي "أمانة الولاية على الناس والعمل الراشد"، وعندما يعد القوة المناسبة والمكافئة للمواجهة.

وعندما يكون الواقع فقيراً من هذه المُقومات، فإن ذلك لا يعني إجازة مفتوحة.. بل يعني: إعداد العدة، والاستعداد والتهيؤ لها، والدعوة إليها.. والحشد لها الحشد المناسب، والتحرك عند مظنة النجاح، وعند سنوح الفرصة..

ويستمر النجاح ـ بعد أن يسقط الطغيان ـ بالتخلي عن الطمع في القيادة، وضمان حماية "المشروع السياسي"، والدفع بالأفضل ممن يحبه الناس، ويتألفون ويلتفون حوله، والمزج بين "السياسي" و"الجهادي" في منظومة الحكم.. حتى يتم ضمان "التوازن الحركي" فالسياسي ـ بحكم عمله وطبيعته ـ يميل إلى الحلول الوسط، والجهادي ـ بحكم عمله وطبيعته ـ يميل إلى الحلول الجذرية، وكل منهما مطلوب في "شخصية الدولة الراشدة".

***