مَثّل هذا التهديد نقلة نوعية في طبيعة المعركة، وتوحيد الشعور الفلسطيني الداخلي، بعدما كانت القضية مختزلة ـ إلى حد كبير ـ في القطاع ومشكلاته، فانتقلت إلى قلبها الأساسي وهو: "القدس، والمسجد الأقصى"، والقدس رمز الإمامة والسيادة للأمة المسلمة، وضياعه، واحتلاله على يد يهود، هو علامة فقدان إمامة الأمة المسلمة، فهو ليست قضية أرض محتلة، أو فصل عنصري فحسب.. كل هذه أمور جانبية بجوار القضية الأصيلة، قضية إمامة الأمة المسلمة، وهيمنة هذا الدين على كل الرسالات قبله، ولذا فتحريره من دنس يهود، واستعادة القدس هو قضية من أهم قضايا الأمة المصيرية، التي يجب أن تحشد فيها أبنائها من أجل هذه المعركة الكبرى الفاصلة.
***
كيفية التحرير؟
بداية.. لا بد من التخلص من الأوهام التي تعيق إيماننا، ونياتنا، وحركتنا.. حتى ننطلق أحراراً في سبيل الله لهذه المعركة الكبرى، ومن هذه الأوهام:
ـ النظام الدولي، والمؤسسات الدولية.
لا بد أن نفهم أن النظام الدولي ليس صديقاً، ولا قاضياً عادلاً، ولا حَكماً منصفاً، بل هو عدو لنا، والمقصود بالنظام الدولي تحديداً (أمريكا والاتحاد الأوروبي) هذا النظام هو الذي صنع هذا الكيان، وغرزه في قلب الأمة المسلمة؛ ليضمن تخلّفها، وضعفها، وتحللها الداخلي، ويُعتبر قاعدة عسكرية للعدو، فالتعويل على النظام الدولي في استرداد إمامة الأمة المسلمة عبث لا يليق بالعقلاء.
وقد قامت أمريكا تحت إدارة "بايدن الديمقراطي" بدعم إسرائيل سياسياً في اليوم الأول من عدوانها الوحشي على قطاع غزة، ودعمها عسكرياً بتسليحها عبر جسر جوي؛ لتزويدها بالأسلحة المتطورة الدقيقة، ولعل ذلك مَثّل صدمة لدى البعض، ولكن ذلك لدى المسلم الواعي بواقعه، هو المنتظر والمتوقع من أمريكا، ومن ينتظر غير ذلك فهو في غفلة عن واقعه، وعن دينه كذلك، ولا فرق هنا بين الإدارة اليمينية، والإدارة الديمقراطية التي يظن بها بعض السذج خيراً، فهذه سياسة خارجية أمريكية ثابتة من عشرات السنين.. منذ وجود هذا الكيان اليهودي العدواني في بلاد الإسلام.
وأما الاتحاد الأوروبي فقد دعمت ألمانيا وفرنسا العدوان الإسرائيلي بمنتهى القوة، واعتبرته حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس ضد "الإرهاب" الإسلامي، وفرنسا ـ راعية الحريات! ـ قمعت مظاهرة للتضامن مع فلسطين بمنتهى الوحشية، وحذرت ألمانيا من أي مظاهرات فيها معاداة للسامية، ورفعت النمسا علم الكيان اليهودي الصهيوني على مبانٍ حكومية.. دعماً لإسرائيل!
ويجب أن يظل المسلم يتذكر هذه المواقف، ويعيها جيداً، حتى يُعد عدته بصورة ليس فيها غفلة أو سذاجة، ويعرف أن بضاعة "حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية" إنما هي مجرد أدوات للتسويق والدجل، واستغفال الشعوب، خاصة الإسلامية، وإن حسابات السياسة الغربية (الصهيوصليبية) قائمة على العداء التام للمسلمين، وعلى قمع أي حركة تحرير للقدس، أو تحرير للبلدان الإسلامية من الأنظمة الخائنة العميلة لهم.
ـ المعالجة العلمانية.
كثيراً ما يتم تداول قضية فلسطين من منظور علماني خالص ـ خاصة من طرف اليسار الرافض للإمبريالية ـ وهذا الرفض للاحتلال هو موقف جيد، ولكنه لا يخدم القضية ـ كما يظن البعض ـ ويكثر الحديث عن "الفصل العنصري ـ Apartheid" كأنه يسعى للاندماج مع يهود! ويعتبرها قضية كقضية السود والبيض في جنوب أفريقيا أو أمريكا سابقاً، والحديث عن القضية من مجرد منظور حقوقي إنساني بعيداً عن أي صراع إيماني بين الإسلام، ويهود، ويعتبرها مجرد قضية قومية، لا شأن للدين بها، و"اليسار الراديكالي" كان يشارك في الكفاح المسلح من أجل التحرير باسم القومية، و"اليسار الديمقراطي" يسعى من خلال المؤسسات الدولية، ومقاومة اللاعنف من أجل إقرار هذه الحقوق القومية..
والقضية بالنسبة للمسلم، هي قضية إسلامية خالصة، من أهم وأخطر قضايا الأمة المصيرية، ينظر إليها من منظور إسلامي خالص، ويتحرك فيها بنية خالصة لله وحده؛ من أجل تحرير الأمة، وتحرير المسجد الأقصى، وتحرير الأرض، وهو جهاد خالص، يتسلح فيه المسلم بكل قوة، ويتعلق فيه بالله وحده، وبالأمة الصابرة المحتسبة المجاهدة في سبيل الله.
ـ دعاة السلمية.
يخدع دعاة غُلاة المدنية المسلمين، بقولهم: إن عنفهم هذا سيُضيع حقوقهم، وينزع عنهم التعاطف الدولي! وعليهم أن يمضوا في طريق السلمية المطلقة حتى نهايته، وحتى نفضح العدو الصهيوني! ونحرجه أمام المؤسسات والمجتمع الدولي! وهذا العبث الذي لا يستحق الذكر، يروجه هيئات وأقلام ملء السمع والبصر، والتحذير من هذا الغش والدجل والتدليس على المسلمين ضرورة؛ لحماية عقولهم وتحصينها من دجل الكذبة، فإن النظام العالمي كله يقوم على "موازين القوة" وإنما "الصور السياسية" ما هي إلا تعبيراً عن مقدار هذه القوى بأشكالها المختلفة، وكل من يحاول أن ينزع عن المسلمين قوتهم، أو يزهدهم في جدوى جهادهم، فهو من أعدى أعدائهم، وعلى الأمة الحذر والتحذير منهم.
ـ خونة الداخل.
في مرحلة ما، يجب توحيد الداخل الفلسطيني بعيداً عن الحركات العلمانية، التي تعمل ـ وبصورة علنية ـ جواسيس لصالح يهود باسم "التنسيق الأمني"، وقد قمعت "حركة فتح" مظاهرة للتضامن مع غزة، مثلما يفعل يهود تماماً، والتخلص من هؤلاء العملاء والجواسيس مسألة حتمية، ومسألة وقت.. يجب التخطيط لها جيداً، ومحاولة إتمامها بأقل التكاليف الممكنة، التي تحقن دماء الأبرياء، وتُحيد البسطاء، وتقطف رؤوس الخيانة والعمالة، وتتخلص من المستوطنات الفاصلة بينها وبين بقية أرض فلسطين؛ ولقد عمل الكيد اليهودي على جعل الضفة مجرد سجن كبير محاط بالمستوطنات اليهودية، وفصله عن غزة بهذه الحيلة، حتى لا يكون هناك اتصال بري بينهما! وغزة كذلك هي الأخرى سجن بمساعدة خونة مصر، وفتح المعبر المصري لهم يتم بإذن وتنسيق من "دحلان" عميل الصهاينة (اليهود والعرب) الأول، فرغم هذا الوضع الجيوسياسي الذي يُعتبر نظرياً يساوي صفر لغزة، وصفر للضفة؛ نظراً لمحاصرتهم بصورة وحشية متقنة ومخطط لها بدقة، استطاعت غزة تحقيق معجزة الصمود والمقاومة!!
ـ الأنظمة العربية.
أنظمة الحكم في بلادنا العربية لا تستمد شرعيتها من (كتاب الله)، ولا من (اختيار الناس ورضاها)، ولا من (مستوى الإنجازات المادية)، إنما تستمد شرعيتها من حماية "الكيان الصهيوني"، والدفاع عنه، وعن مصالح النظام الدولي، وهذا الكيان بالنسبة للأمة المسلمة هو علامة انهزامها، وفقدانها السيادة، وخضوعها للهيمنة، وجهاد هذا الكيان وأعوانه وتابعيه ضرورة وجود وحياة وإمامة للأمة المسلمة.
الجهاد الذي لا يعبأ بالأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية والحقوقية، ولا يهتم لحل الدولتين (الحل المستحيل) ولا المفاوضات ولا الوساطات... إلخ من هذا العبث الذي يُضيع الجهود، ويُشتت الأراء، ويعمي عن طريق تحرير القدس كاملة، والأرض كلها.. جهاد أصحاب البأس الشديد الذي يمضي في وعد الآخرة: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء (7)] وكل من يمضي في هذا الطريق، ويُمهد له فهو ابن "الأمة المسلمة"، وكل من يُعوق هذا الطريق، ويَحول دونه فهو من "عبيد صهيون".
***
ومع التخلص من هذه الأوهام يكون قد تم مرحلة كبيرة على طريق تغيير ما بأنفسنا من تصورات وقيم وموازين، وتأهلنا لحدوث التغيير الواقعي كما وعد ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد (11)]
وصمود غزة خطوة رئيسية في طريق التحرير، فهي الأمل الباقي، و"صفقة القرن" تستهدف غزة بالذات.. وتستهدف المقاومة المسلحة خصوصاً، وهذه الصفقة مستعدة لِأن تجعل من غزة "لاس فيجاس" أخرى لو شاء الفلسطينيون! وتحقق لهم أكثر مما يحلمون به بكثير، في سبيل نزع سلاح المقاومة، وانتهاء منطقها وشرعيتها من الأساس، ويتحول ما تبقى من أرض فلسطين إلى مجرد محافظات أو ولايات فيدرالية تابعة ليهود..
هذا الصمود يمثل الآن الركيزة الأولى لمنع "صفقة القرن" أن تتم على نحو ما خطط يهود والصهاينة الأمريكان ـ ومعاونة ومباركة خونة العرب ـ وتخطيطهم في هذا متوقع، فقد استطاعت المقاومة ـ بفضل الله ـ وهي تحت الحصار المزدوج من جهة يهود (من فوقهم) ومن جهة نظام الخيانة بمصر (من أسفل منهم) أن يُطوروا قدراتهم الصاروخية ليصل مداها إلى (250) كم، ووصلت إلى عاصمة يهود! وكذلك الطائرات المسيرة، فما بالنا إذ لم يكونوا تحت الحصار؟! لذلك فصفقة القرن لا تستهدف فقط نزع سلاح المقاومة، إنما إلغاء فكرة المقاومة من أساسها، لتصبح مثل "حركة فتح"، مجرد "سمسار" للصهاينة، وشرطي وعين لهم على قومهم!!
وبينما فشلت الجيوش العربية في تطوير شيء من السلاح، ليس لعجزها وقلة حيلتها، بل لأن عقيدتها القتالية بالأساس هي "محاربة الشعوب"، و"حماية يهود والتنسيق الأمني معهم".. وقد وقف المقاتل المصري يؤدي التحية العسكرية على خط إنتاج "الجمبري"!! ليُبين مدى العبث الذي أصاب هذه الجيوش، وتَحوّلها إلى مجموعة مرتزقة من التجار، التي تستأسد على شعوبها المسالمة، وتخدم أعداء الدين والأمة والأوطان بكل حب وأريحية وإحسان! وحق فيهم قول القائل: كلبٌ عليّ أنت مسعور ... وفي الحروب فأر مذعور!
***
وقد سمعت أن خائن مصر الأكبر سوف يخصص مبلغ (500) مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وأتمنى أن يكون هذا الخبر للاستهلاك الإعلامي فقط، ومحاولة خداع الشعوب، لأنه إن صح هذا الخبر، فهذا المال ـ إن قبلته غزة ـ سيكون ـ والعياذ بالله ـ لعنة عليها، فالنظام المصري لا يجود بهذا المال إطلاقاً، فهذا الخائن أفقرها، وجعلها مُستدانة، فدين مصر العام هو (116%) من الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم فهذه الأموال ـ فيما أرى ـ هي أموال إماراتية أو يهودية غرضها، دخول قطاع غزة، للسيطرة عليه، وكشف شبكات أنفاقه، وأسرار المقاومة العسكرية، وكيف استطاعت تطوير هذه الصواريخ، وأماكنها، ومنصات إطلاقها... إلخ، وخلق بنك أهداف جديد للعدو، يساعد في القضاء التام على المقاومة! لذا نحذر إخواننا في غزة من النظام المصري خاصة ـ ومن الأنظمة العربية عموماً ـ فهي من ألد الأعداء للإسلام والمسلمين، ولا تكره الأنظمة العربية شيئاً مثل كراهيتها لمسلم حر، أو مقاوم، أو رافض لبغيهم وعدوانهم..
ولا تصدق غزة "الدجل الإعلامي" و"الألاعيب السياسية" التي يجيدها طغاة العرب، ولنعلم.. أن من يخن الله، ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلن يعز عليه أن يخون مجموعة من المسلمين ينظر إليهم بازدراء واستحقار واستهزاء، ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة.. ولربما فعل النظام المصري ذلك كمناورة سياسية مع الإمارات التي تريد أن تستحوذ على رصيد الخيانة كله، وتتجرعه لوحدها (دون مشاركة مصر)مناورة كمثل مناورة المصالحة مع تركيا، فلعل النظام يريد بمثل هذه التصريحات أن يقول: إنه مازال "سمسار" جيد للقضية الفلسطينية.. وكذلك مغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة ـ التي تضغط في ملف حقوق الإنسان ـ وإثبات قدرته على التأثير في هذا الملف الحساس، وهذا ما يفسر سعادة الخائن الغامرة باتصال الرئيس الأمريكي به بعد تجاهله له.
ولو كان النظام المصري حقاً يؤيد المسلمين في غزة.. ما قام بعمل الحصار الوحشي على القطاع على هذا النحو طوال هذه السنوات (14 سنة من الحصار!) فالحصار جريمة إسلامية، وجريمة عربية، وجريمة أخلاقية، وجريمة إنسانية، وقبل كل ذلك خيانة مكتملة الأركان، ولو لديه ذرة من إنسانية ما قام بهذا الحصار، الذي تفنن فيه؛ إذ أغرقوا بالماء كل الأنفاق التي تتزود منها المقاومة بالسلاح والمؤونة مع رفح، وأنشأوا على حدود مصر مع غزة، سوراً يمتد تحت الأرض عدة أمتار من الإسمنت المسلّح والفولاذ، ويعلو فوق الأرض ببضعة أمتار، ومزوّد بأجهزة الرصد والمراقبة، ونقاطٍ للحراسة، ويمتد طولا لحوالي 14 كلم! ومن قبل (عام 2009) قاموا بتعذيب شباب غزة، حتى وهو جريح، لصالح الصهاينة. [المصدر] وأفرغوا رفح المصرية من سكانها وهدموا البيوت والمساجد لصالح الصهاينة أيضاً، وشددوا الرقابة على البحر الأحمر لمنع تهريب السلاح لغزة!!
ولكن ـ كما أسلفنا الذكر ـ هذا هو المتوقع، ويجب أن لا نتوقع غيره، ونكون على حذر دوماً من خيانتهم التي تجري في دمائهم مجرى الدم من العروق. [راجع مقال: التصعيد على غزة: هكذا يتلاعب السيسي بالجماهير، نون بوست]
استمرار الصمود.
على هذا القطاع الصابر أن يُصابر ويحتسب ويرابط ويستمر في الصمود، وفي تطوير قدراته الصاروخية، ويحاول ـ قدر وسعه وطاقته ـ تطوير الأسلحة النوعية، التي يمكن أن تساعده في الحرب المستقبلية.. لأن الحرب مع يهود، حرب دائمة مستمرة، ويهود منذ بعثة النبي ـ عليه السلام ـ وهي تكيد للمسلمين بكل وسيلة، ولا تدخر جهداً ولا حيلة في ذلك، وصدق الله العظيم: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...﴾ [المائدة (82)]
***
تحرير مصر.
يجب على القطاع الصمود حتى يتم تحرير مصر من نظام الخيانة والعمالة، ويُحبط ـ بكل احتساب وإخلاص لله ـ مكيدة "صفقة القرن"، التي باركها خائن مصر في حضرة سيده ترامب من قبل، وتستهدف صفقة القرن: [إلغاء حل الدولتين، وإلغاء القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.. وجعلها خالصة لإسرائيل، وإلغاء قرارات الأمم المتحدة السابقة، وعدم عودة اللاجئين، وإنهاء فكرة المقاومة كلياً، ونزع سلاح المقاومة، واعتبر المتبقي من فتات أرض فلسطين مجرد ولاية حكم ذاتي بشرطة محلية بدون أي سلاح ثقيل، وربط غزة بالضفة عبر جسر بري، وفتح باب التطبيع مع كل الدول العربية] وفي ذلك تدمير كلي للقضية، والمقدسات، والأرض، والإنسان.. وتوحش يهود أكثر فأكثر.
وإنَّ تحرير مصر شرط أساسي لتحرير بيت المقدس ـ فيما أرى ـ لأنها الملاصقة له، والقريبة منه، والمؤهلة لأن تقوم بهذا الدور، شرط استعادة هويتها الإسلامية، وتحررها من الخونة والطغاة والفسدة، واستعادة عقيدتها القتالية نحو العدو الجاثم على أرض الأقصى الشريف..
وهذه مهمة أهل مصر، وقضية حياتهم.. وعلى كل من يحاول التغيير في مصر، أن يعرف أنه يحمل أمانة "الأقصى، والقدس" وأمانة استعادة إمامة الأمة المسلمة.. ومن ثم استعادة العالم الإسلامي ـ من جديد ـ ورده إلى الوحدة، والريادة، والسيادة.
وحتى ذلك الحين ـ وإنه لقريب بإذن الله ـ سلامي على أهلي في فلسطين عامة، وفي غزة خاصة، تَقبلكم الله، وشكر سعيكم، ونصر جندكم، وهزم عدوكم، وعدونا.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف (21)]
***
تعقيب (1):
انزعج بعض الأخوة من شكر "حركة حماس" لإيران على دعمها إياها بالمال والسلاح، وانزعاجهم هذا له وجاهته؛ فإيران ساعدت في قتل إخواننا في سوريا، وقد قتل الطاغوت اللعين "بشار" فيها ما يزيد على نصف مليون إنسان، ودمر ثلث البلد، وهجر نصف شعبه، ودعمته إيران بكل قوة! ولكن.. هل تتحمل حركة حماس جرائم النظام الإيراني؟
الحقيقة لا.. لقد دعم النظام الإيراني المقاومة المسلحة في فلسطين، وهو يتخذ من قضية القدس وفلسطين مُدخلاً إلى بقية العالم الإسلامي، للظهور بمظهر المُدافع عن المقدسات الإسلامية ـ ولا ننكر أن مواجهة يهود، وتحرير القدس جزءاً من الأيديولوجية الثورية الإيرانية طبقاً لمؤلفاتهم ـ بينما أنظمة عربية سُنية تفرط في كل شيء لصالح يهود، ولصالح بقائهم في السلطة! وإنَّ الإنسان لا يستطيع أن يشترط على من يدعمه أن يكون على نفس موقفه تماماً، أو يؤيده تماماً؟ فحماس لم تشكر إيران على قصف سوريا، أو تدمير العراق.. إنما شكرتها على ما قدّمته من مساعدات مالية وتسليحية وتقنية! وهذا الشكر لا يعني التأييد في كل مواقفها، أو مباركة أفعالها الأخرى ـ وإنْ فعلت المقاومة ـ فلا شك أن ذلك جريمة كبرى، يجب إنكارها، فالمسلم لا يرضى بظلم، ولا يُعين ظالماً..
ويجب ممارسة حرية إنكار المنكر، والأمر بالمعروف دون مصادرة لرأي.. فهذا صمام الأمان ضد الانحراف، والاستبداد، واستسهال التنازل عن الثوابت والحق. .
وبالجملة: أي دعم مشروط بظلم أو عدوان، أو ارتهان وتبعية فهو مرفوض.. وأي دعم خالص لا يأتِ على حساب الدين، والحقوق، والمبادئ، والاستقلالية، ويُساعد في حرب يهود، فهو مشكور ومقبول.
وأظن لو وجدت حركات المقاومة دعماً حقيقياً من الأنظمة العربية السُنية، ما لجأت إلى إيران. والمقاومة تعيش في "جغرافيا مستحيلة" أدعو الجميع للنظر إليها على الخريطة! ولو أنني على مشارف الموت، وذهبت لأخي أطلب منه شربة ماء وما أتقوت به، فامتنع مني، فقابلتي بغِي في الشارع، فأرادت أن تساعدني وتصنع لنفسها شرفاً ـ بهذه المساعدة ـ لاستحقت شكري على هذه المساعدة، أما سلوكها ونيتها فهو لها، وليس لي علاقة به.. وفي نفس الوقت لا أشهد لها شهادة زور.
وننبه إلى أن الأنظمة العربية المتصهينة تتخذ من مساعدة إيران لحركة المقاومة وسيلة للسب والطعن والتشكيك في المقاومة، وتفشيلها، وتخذيلها، وتعويقها، ويجب ونحن نحاول معالجة ذلك الأمر، أن لا نمضِ على طريقة هذه الأنظمة وأدوات إعلامها في حرب المقاومة، فيكون خطابنا مستقلاً، وغير قابل للتوظيف من أنظمة الخيانة والعمالة. [راجع مقال: المقاومة وتحديات المواجهة، م. محمد إلهامي]
كما يجب أن لا يُنسينا الصراع اليهودي الإسلامي على أرض فلسطين، الظلم الحاصل لإخواننا في سوريا وجرائم طاغوتها اللعين، ولا ننسى جرائم النظام السعودي وقتله العشوائي لأهل اليمن، ولا ننسى أحوال إخواننا في تركستان الشرقية وجرائم النظام الشيوعي الصيني معه، ولا ننسى أحوال إخواننا الروهينغا، وجرائم النظام البرومي معهم، ولا ننسى الأَسر الواقع فيه الأمة المسلمة تحت أنظمة الاستبداد الفاجر وجرائمه... إلخ، فـ "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ" كما جاء في الحديث الشريف.
***
تعقيب (2) بتاريخ: 31 / 05 / 2021
أهداف تحركات النظام المصري الآن في فلسطين:
ـ محاولة تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية؛ ومحاولة تصدير دحلان بديلا عن "أبو مازن" (رئيس التنسيق الأمني المقدس!!) كما صرّح بنفسه.
ـ محاولة نزع سلاح حماس، وتحجيم قدرات المقاومة ومنع تطويرها؛ كما ذكرت وسائل الإعلام الصهيوني، وغرض زيارة رئيس مخابرات السيسي.
ـ اتخاذ إعادة الإعمار لغزة وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، وزرع الجواسيس، وعمل انقسام داخلي، وشرط إعادة الإعمار بإفساح المجال لسلطات التنسيق الأمني مع يهود.
ـ تمرير "صفقة القرن" دون ذكر اسمها واستبدالها "بحل الدولتين"؛ ومحاولة تسليم غزة لدحلان والسلطة الفلسطينية.
ـ يستخدم النظام المصري أذرعه الإعلامية ليكسب بعض نقاط الوطنية وليثبت قدرته على التأثير المحلي والإقليمي لهذا الملف؛ وليغطي على خيانته بحرصه على حقوق الشعب الفلسطيني.
ـ النظام المصري مخلص للصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم.. والجميع يعرف ذلك، ويجب أن يكون التخطيط على هذا الأساس.. وعذراً لمن يضطر أن يقول على النظام المصري وفجرته "الإخوة المصريون"، حتى لا يتحدث الناس أن غزة تعادي مصر!! وما مصر بأقل حاجة للتحرير من فلسطين.. ولذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة (73)]
ـ تتعرض كافة حركات المقاومة ـ كل يوم ـ لاختبار "الغفلة" "والتعويق"، ومتى كانت يقظة، استطاعت أن تصل إلى أهدافها ـ بإذن الله ـ وما نجاح أي مقاومة إلا نجاح في "اليقظة، والنفير" ومعرفة خريطة العدو حق المعرفة، وإعداد العدة المناسبة لمواجهته، حتى تصل إلى مرحلة النصر والتمكين، والانتقال من حالة "المقاومة" إلى حالة "الدولة" ذات الشرعية والسيادة.
***
راجع ـ إن شئت ـ مقال:
***