لا تُعتبر لبنان دولة بالمعنى الحقيقي للدولة، فهي دويلة طوائف يسيطر عليها مجموعات مسلحة تُمثل كل طائفة، وهي دويلة أفسدها الاحتلال الفرنسي، والحرب الأهلية، والفساد، والطائفية.. ولهذا تظهر فيها المشكلات بصورة عميقة وممتدة.
ومن ضمن هذه المشكلات ـ وهو موضوع مقالنا ـ إغلاق المصارف اللبنانية أبوابها، ومحاولة المودعين استرداد أموالهم بالقوة، بعد تهرب المصارف من دفع أموالهم!
وقد ذكرنا ـ بفضل الله ـ في مقال: "العُملة الشرعية.. والربا" إن العملات المحلية في دولة مثل مصر ولبنان عملات غير شرعية، وباطلة؛ لأنها لا تحفظ قيمة الجهد والثروة. ولأن الناس تدرك هذا بالبداهة، فهي تضع مدخراتها بالدولار حيث قيمته ثابتة نسبياً، خاصة بعدما انهارت العملة اللبنانية لأكثر من 95 % من قيمتها.
وعندما يشعر الناس بالقلق تجاه النظام الاقتصادي، والنظام المصرفي.. فإنها تتجه إلى سحب أموالها خوفاً من انهيار النظام المصرفي، وعجز البنوك عن دفع أموال المودعين عندما يطلبونها..
والحقيقة إن كل البنوك في العالم أجمع إن طلب جميع المودعين أموالهم منها دفعة واحدة، ينهار النظام المصرفي، ومعه النظام الاقتصادي، وهذا ما نرى مؤشراته في لبنان!
حيث إن البنوك لا تحتفظ بأموال الموعودين كأمانة عندهم، وقتما طلبوها أخذوها.. إنما هي تُقرضها بالربا، وتُقامر بها، وتتصرف فيها كما تشاء، ولا تستطيع استيفاء أموال المودعين مرة واحدة، وإلا ينهار النظام المصرفي، فهو قائم على الربا، وعلى فرضية عدم طلب جميع المودعين لأموالهم مرة واحدة، بل على العكس إنما على فرضية زيادة أموال المودعين لوعدهم بزيادة أموالهم بالربا..
والذي يمنع النظام المصرفي من الانهيار هو قوة الاقتصاد، والثقة الشائعة نحو المصارف. عندما يضعف الاقتصاد نتيجة الأزمات والفساد، وتهتز الثقة في العملة المحلية، وفي النظام المصرفي، تبدأ موجات من الذعر، هذا الذعر ـ بلا مبالغة ـ إن استمر فإنه قادر على إنهاء وجود النظام السياسي، والاقتصادي معاً..
وما يحصل في لبنان من اقتحامات للمصارف لحصول المُودع على ماله بالقوة.. هو نموذج مصغر لما سيحدث في بقية دول العالم عندما تنهار العملة المحلية، ويضعف الاقتصاد، ويهتري النظام السياسي، حيث منظومة المصارف قائمة على التحالفات المالية والسياسية من أجل جني كد وعرق ملايين الشعوب، فالمصارف تربح من لا شيء مليارات الدولارات.. وتنفق أموال المودعين كيف تشاء، وتقوم بعملية تدوير المال في دورته الربوية المعروفة.. إن حصل وقرر المودعين إنهاء عملية تدوير أموالهم هذه، وقرروا سحب أموالهم مرة واحدة ينهار النظام المصرفي.. القائم على أموال المودعين. ويهرب أصحاب الملايين من مجالس إدارات البنوك، وكبار المستثمرين، ويتركون المودعين لمصيرهم.
والعالم كله غارق في ديون خيالية.. تمتد لأجيال لم تأت بعد! وذلك بسبب دورة الربا العالمية التي يقف ورائها يهود، ومن والاهم، ولأن هذه النظرية الاقتصادية العلمانية لا بد أن تكون هذه نهايتها الحتمية.
ولذا أنصح الذين يدخرون أموالهم في البنوك، خاصة في الدولة الضعيفة اقتصادياً، والمهترئة سياسياً، أن يجدوا البدائل عن هذه البنوك، حتى ولو لم يحصلوا منها على فوائد ربوية مُحرمة؛ لأن مرحلة التخلف عن دفع الودائع مرحلة حتمية لأي بنك، خاصة مع الأزمات المالية، كما أنصحهم بحفظ جزء من مدخراتهم بأصول ثابتة.
كما يجدر الإشارة إلى طبيعة الربا الذي تُقدمه البنوك ـ في عالمنا العربي ـ إنه ليس فساد الربا فحسب، بل هو ربا مزيف! يظهر زيفه مع العملات المحلية الضعيفة، فعلى سبيل المثال: وعد النظام المجرم بمصر المودعين بدفع (18%) فائدة سنوية على شهادات استثمارهم.. وبعدها بفترة قصيرة تنهار العملة المحلية لأكثر من (22%) عن الفترة ذاتها ـ ومازال الانهيار مستمراً ـ أي خسارة المُودع لـ (4%) من قيمة ماله، وليس زيادته! والنظام يتخبط في أي اتجاه لتوفير سيولة بأي شكل، ولأنه قائم على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، وبيع أصول الدولة وتسليمها لأعدائها، وقائم على الإفساد في الأرض، لا بد أن تكون هذه مآلاته.. وهي نتائج طبيعية مجرمة لمقدمات فسادة باغية، حيث النهم المتوحش في سرقة أموال الشعب، وكذلك سرقة القروض الأجنبية التي تأتي؛ لتتضخم أرصدة بضعة فجرة بالمليارات والشعب يتخبط في الفقر والغلاء والانهيار الاقتصادي.
ويصبح استقرار الدول الضعيفة ـ مثل بلادنا ـ هو قرار الدول الكبرى؛ بدعم هذه الأنظمة منعاً من: الانهيار، والفوضى، واضطراب أمن دولة بني إسرائيل، وظهور الجماعات المسلحة، وزيادة الهجرة غير الشرعية.. فبقاء النظام السياسي واستقراره في بلادنا هو قرار دولي، وليس عن قوة ذاتية، ولا تماسك وطني، وإذا انشغلت الدول الكبرى بنفسها، أو رفعت أيديها عنها.. خرت وتضعضعت، وربما مع تفاقم الخطر يأتيها الاحتلال العسكري المباشر؛ لإعادة السيطرة، وزيادة الاستثمار في الحروب العسكرية.
وهذه الأحداث والمشاهد.. تزيد من إيمان المؤمن، وتؤكد لكل عاقل معنى وقيمة إقامة الحياة على منهج الله، وفق شريعة الله.. حيث لا بغي، ولا إفساد في الأرض، ولا أئمة يدعون إلى النار على رأس منظومة الحكم والتوجيه. بل أئمة يهدون بأمر الله، على صراط الله المستقيم.
***
للمزيد من التفاصيل.. راجع حلقة المخبر الاقتصادي، لطفاً.. (اضغط هنا).