أثناء
فترة حكم الرئيس مرسي، وفي معرض الحديث عن عملية "التطهير الثوري" كان دوماً
يقول - وبلا استثناء - أنه سيتبع المسار القانوني وليس هناك أي اجراءات استثنائية
!
وكتبت
أنا في كتاب "شرع الله حق الله على العبيد" من العام نفسه: "أما
الخطيئة الكبرى: فهي أن الثورة قامت لمكافحة الظلم والفساد، وإذ بنا نجد أنفسنا نستخدم
نفس ذات القانون الذي يحمي ويُقر الظلم والفساد.. إذ بنا نستخدم هذا القانون
لتطهير الظلم والفساد.. أي أننا نعالج أنفسنا بنفس الداء الذي نريد أن نتطهر منه!!
وننادي باحترام القانون الذي حمى وأقر الظلم والفساد، أو ـ في أحسن أحواله ـ لم
يدفع الظلم والفساد، ونسأله كيف الخلاص؟ وأين الطريق؟!
فتحولنا
من فكرة ثورة إلى مجرد برامج سياسية لأحزاب.. تتعامل مع نظام لم يتغير".
وبالأمس
يقول السيد يوسف ندا في برنامج "بلا حدود": نفس ما قاله الرئيس مرسي، بالتحاكم
إلى القانون!
وكأن
هذا القانون أُنزل من السماء، ويا ليت الشريعة لها نفس هذا التقديس، وتلك الحفاوة
!
ما
هو هذا القانون؟ وما هي هذه المنظومة القضائية التي يتحاكمون إليها؟ وهل نفعهم هذا
القانون؟
فالقانون:
مخالف لشرع الله جملة وتفصيلاً.
والمنظومة
القضائية: من أفسد النظم عالمياً، وأصغر نظام قضائي في أقاصي الأرض أفضل من النظام
القضائي المصري الذي أصبح فيه القضاة الخصم والحكم، وهم مجموعة من ضباط أمن الدولة،
وضباط الشرطة، وأبناء الطبقة الوضيعة التي تسلّقت في عصر الانفتاح.
نعم..
هناك قضاة شرفاء، ولكن ما علاقة ذلك بالحديث عن كامل المنظومة القضائية، فالاستثناء
يثبت القاعدة ولا ينفيها !!
إن
عقلية الإخوان لم تتغير، والعقلية التي كانت تدير المشهد قبل الانقلاب، هي نفسها التي
تدير المشهد الآن أثناء محاولة كسر الانقلاب، وأيضاً هي نفسها التي ستدير المشهد بعد
كسر الانقلاب - إن شاء الله - إن استطاعوا.
عقلية
الإخوان المعاصرة غير قابلة للتغير، فإما أن تستطيع الانتصار بهذه العقلية - إن استطاعت
- أو تفنى !
لكن
عوامل الفناء لا تأتي عليها.. لأن لها روافد حية ومستمرة من خلال رصيدها الدعوي الضخم،
وعندما تُحطم وتستهلك رصيدها الدعوي بكوارثها السياسية، فلا تلبث أن يمتلأ الرصيد الدعوي
بدماء أجيال جديدة، ولو توقف هذا الرصيد الدعوي عن دعم السياسي لفنت الجماعة سياسياً..
لأنها لا ترى في نفسها الخطأ مطلقاً، ولديها حساسية شديدة تجاه النقد، وإن بلغت الكوارث
الأفاق قالت على مضض وتردد: "نعم هناك أخطاء، وليس من المناسب الحديث عنها الآن،
واجتهدنا فأخطأنا"!
وهذه
العلاقة بين الرصيد الدعوي، واستهلاكه سياسياً يجعل الناظر إلى الجماعة المعاصرة الآن
في حيرة شديدة، وكلما أمسك بتصور عنها يشعر بأن هناك شيء مفقود، والرؤية غير صحيحة
ومكتملة.. ذلك لأن التجاذب بين الرصيد الدعوي وخطابه الحماسي، واستهلاكه سياسياً في
صورة برجماتية تجعل الناظر لا يعرف إلى أي جانب من الصورة ينظر، وما هي المحصلة النهائية
من هذا النظر، ثم ما هو الموقف المترتب على هذه النظرة !!
هذه
الصورة من التعقيد أنتجت:
(1)
المنشق عن الجماعة، فجور في الخصومة وعداوة شديدة.
(2)
المطرود من الجماعة، وهو المعترض والناقد للقرارات.
(3)
الفرد الباقي في الجماعة، وهو الجندي الذي يسمع ويطيع ويسلّم.
(4)
القيادات الدعوية: التي ترفع من الرصيد الدعوي للجماعة.
(5)
القيادات السياسية: وهي شبه علمانية، خطابها ليبرالي ديمقراطي توافقي برجماتي متغير
حسب الحاجة، ومصلحة الجماعة.
هذه
التناقضات والتجاذبات داخل الجماعة تجعلها في حالة من اضطراب الهوية، ويجعلها تنتهج
المنهج التبريري لكل فعل، ولذلك لا تتعلم من أخطائها ! لكنها لا تتوقف عن النمو بسبب
رصيدها الدعوي !. (راجع: خطورة الفكر
التبريري)
وكونها
- كما تقول عن نفسها - جماعة إصلاحية دعوية لها ذراع سياسي، هذا يعني أن هوية كل صراعتها
هي هوية إصلاحية فلا تستطيع القيام بثورة حقيقية بهذه العقلية، ولا تستطيع القيام بعد
الثورة بالتطهير الثوري، ولا تستطيع حسم مسألة هوية الدولة لصالح الإسلام.
إن
العقلية الإخوانية المعاصرة مُصصمة لأن تعمل في جو من السلام والوئام والتوافق والحب،
لا جو من الحرب والمفاصلة والتطهير والحسم والقضاء على الفساد. ولهذا فشلّت في الحكم،
وستفشل في كل مرة بهذه العقلية.
لماذا
هذا الكلام الآن؟
لكل
مسلم على أخيه المسلم حق: ( الحب - النصح - النصرة ) وأنا أكتب لأجل هذه الحقوق، أكتب
لأكشف الغطاء عن أشياء ربما لا يراها الإخوان من الداخل، وبالتأكيد ربما تكون رؤيتي
قاصرة وغير كاملة.
والمطلوب:
هو المكاشفة والمصارحة والنقد المستمر، والمراجعة المستمرة.. والأفضل أن يكون الناقد
لها من خارجها.. لأن العقل الإخواني سيعجز عن رؤية أخطاءه !
وتصحيح
هذه الأخطاء واستدراكها ضرورة قصوى.. فالجماعة رصيد ضخم للأمة كلها، وإذا تم تصحيح
مسارها، واستدراك أخطاءها؛ سيكون له عظيم الخير على الأمة كلها.