عاشت
الحركة الإسلامية عقودها الأخيرة في الهامش.. الهامش السياسي والدعوي، فكان السياسي:
وهم التغيير عبر الديمقراطية، والدعوي: وهم التغيير عبر الخطب.
عاشت
الحركة الإسلامية في هذا الهامش، ومنه خرج فقه الهامش، وحركة الهامش، وفكر الهامش،
وتبرير الهامش.. وانبرت الحركة الإسلامية تُأصل للهامش، وتدافع عنه، وتختلق الأعذار
الشرعية والفقهية له.. وأياً ما كانت صحتها، وأياً ما كان تبريرها، فقد أفقدت الحركة
الإسلامية أهم عامل قامت من أجله، وأهم خطوة يطلبها الإسلام. !
وفقدت
الحركة الإسلامية قدرتها على الرؤية والتخطيط والتقويم الاستراتيجي "المستقبلي"
لها، فلقد انكفأت على نفسها وتقوقعت في هامشها، فأصبحت تحت التهديد، وتحت السيطرة،
بل وتحت التوظيف لصالح العدو في بعض الحالات.
وفقدت
الحركة الإسلامية في هامشها استقلالها عن الواقع السياسي العلماني، والذي من المفترض
ما قامت إلا من أجل استئصاله واسترداد هوية بلادنا الإسلامية بديلاً عن العلمانية.
وفقدت
الحركة الإسلامية في هامشها قدرتها على الاستعداد، والتطوير، والتطبيق، والريادة..
فأصبحت جزءاً من الواقع الذي تعيشه، وتعيش على فرضية "الحفاظ على المتاح"
وطلب المزيد، ولا يأتي المزيد أبداً، بل ويأخذ العدو من المتاح.. حتى لا يترك لهم إلا
الفشل.
وفقدت
الحركة الإسلامية في هامشها قدرتها على المبادرة، واقتناص الفرص، وفرض الواقع الجديد،
فضيعت الفرص الفارقة، والمنح الربانية، ولحظات التبدل والتغيير العالمي، وفرص الخروج
من الهيمنة الصليبية العلمانية.
وفقدت
الحركة الإسلامية في هامشها قدرتها على حشد طاقات الأمة، وإحياء رسالتها، وانبعاث المجتمعات
الإسلامية على قاعدة شرع الله، وإقامة الدين..
وفي
هذا الهامش نشأت العصبية بديلاً عن الوحدة، والتفرق في الدين بدل الاجتماع به وعليه،
والأحزاب والجماعات بدلاً عن القاعدة الصلبة والكتلة الحرجة في المجتمع، والفقه التبريري
بدلاً عن الفكر النقدي، والفكر القدري بديلاً عن الفكر السنني.
وفقدت
الحركة الإسلامية في هامشها مصداقيتها، وأهداف رسالتها، فوقفت في منطقة هلامية رمادية..
أضرت بفكرتها الأصيلة، وقدمت التنازلات.. ولم تأمن في النهاية مكر عدوها.
ثم..
انهار
هذا الهامش بفعل أمرين:
الأول:
تطور العلوم الاجتماعية والسياسية والنفسية وتحولها من الصورة الكلامية التعبيرية التي
لا يمكن قياسها إلى العلوم الرقمية الدقيقة التي تستطيع القياس الرقمي لحال المجتمعات
والأوضاع السياسية؛ وتضع نسباً دقيقة قائمة على الدراسات الميدانية وعلوم الإحصاء،
والسلوك، والتأثير... إلخ، بحيث تعرف بالضبط حجم الهامش، ولجمه عن التمدد، وإلغاءه
في أي لحظة أرادت. مما دفع النهم الصليبي في السيطرة على كل شيء! وخذره من انفجار
الهامش وتمدد أثره.
الثاني:
قيام الثورات العربية، والمواجهة بين المشروع الإسلامي، والمشروع الصليبي العلماني..
وأي مشروع إسلامي يطلب أمرين: (1) السيادة. (2) تحكيم شرع الله، وحمل الرسالة، وإقامة
الدين. وكلاهما مرفوض تماماً ومحارب بكل الصور من قِبل المشروع الصليبي.
وهنا
انهار الهامش وجاءت المواجهة سافرة وحشية عنيفة من قِبل المشروع الصليبي العلماني..
ودون وجود أي هوامش وأصبحت المعادلة صفرية، والصراع وجودي.
ومن
ثمرات انهيار الهامش.. انهيار المنظومة التكوينية لـ "قمقم الهامش" وضيقه،
وانكسر القمقم.. وانطلق العقل المسلم، يفكر بحرية، ولا يبحث عن تبرير.. بل يبحث عن
إنشاء واقعه، والإمساك بقضيته كاملة، وأنه لا سبيل إلا المواجهة، والاستعداد لها.
ومن
ثمرات انهيار الهامش.. التوقف عن الاستنزاف العقدي والسياسي والمادي والإنساني
في هامش مهما بلغ لن يغير في واقع الأمة شيء، وإذا كان لا بد من ضريبة، فلتكن فيما
قامت من أجله الحركة الإسلامية أول مرة وهو استرداد الخلافة، واسترداد هوية الدولة
الإسلامية صافية خالية من العلمانية الصليبية.
ومن
ثمرات انهيار الهامش.. الحرية في النظر والتفكير والتخطيط بعد أن كان حبيس الهامش
وحدوده وخطوطه الحمراء.
ومن
ثمرات انهيار الهامش.. ميلاد أجيال جديدة لا تعترف بالهامش، ولا ترضى به، ولا تُعول
عليه. بل تريد سيادتها كاملة، وحريتها كاملة، وشرع ربها لا يعلو عليه.
ومن
ثمرات انهيار الهامش.. توقف التذبذب، والتردد، والتشكك، والأمل القريب في إصلاح
بلا تكاليف، توقفت فتنة "الأثر الإيجابي" الذي كان يغري به العدو "أهل
الهامش" فيظنوا أنهم على الطريق الصحيح، ولا داعي لتغييره، أو تعجل ثمرته ! كم
ضيعنا في انتظار التغيير، ولم يأتي؟!
وإذا
كان هذا هو الهامش وفتنته، فإن فتنة انهيار الهامش هي عدم التحرر منه، والتمسك به.
وعدم القدرة على الخروج من أسره، وعدم الإعداد لحتمية المواجهة.
انهار
الهامش وأصبحت المعادلة صفرية، والصراع وجودي.. إما الإسلام، ومحاولة أهله صياغة مشروع
إسلامي يحقق السيادة، ويحكم شرع الله. وإما العلمانية الصليبية ومحاولة أهلها صياغة
مشروعها الكفري الذي يحقق الهيمنة، ويُحكم شرع الشيطان.
لا
مجال إلا لطرف واحد من أطراف الصراع. أي لا مجال للتفاوض، لا مجال للتوافق، لا مجال
للتصالح.
في
المعادلات الصفرية: يجب أن تكون كل الاختيارات مفتوحة، وكل الاختيارات قيد الإعداد
والتطوير والتطبيق. ومن يحاول أن يتبرأ من "اختيار ما" فهو يتأمر على نفسه
قبل غيره.
انهار
الهامش.. وبقي أمام التمكين للإسلام، التحرر من وهم الباطل، وتوحد المسلمين.. والمضي
في طريق سنن الله. هذا وعد الله، والله - سبحانه - منجز وعده.. بنا أو بغيرنا.
فاللهم
استعملنا ولا تستبدلنا.
27/04/2014م