قائمة المدونة محتويات المدونة

31‏/12‏/2014

الرسالة الإعلامية

في ظل هذا الواقع المعقد.. الشديد التعقيد، من أفكار شتى، ومذاهب مختلفة.. وروافد تربوية وفكرية ومذهبية لا حصر لها، ومن خلال أنماط متعددة من التربية والفكر، والتصاق كل فرد بما نشأ عليه واعتقده، تصبح الرسالة الإعلامية الناجحة مسألة صعبة تحتاج إلى حرفية عالية، ووعي راقي.. بطبيعة الأفكار السائدة، وأحوال الناس النفسية، وطريقة التأثير الفعال والناجح، ومهارات التأثير الإعلامي يُقيد لها عباقرة في هذا التخصص، للدخول على المتابع من كل طريق، وكسب أتباع جدد لـ "الرسالة الإعلامية" المراد "تمليح - تشبع - المجتمع بها"، وعندما تدخل أجهزة المخابرات الفكرية على خط الرسالة الإعلامية؛ تصبح المهمة أشد صعوبة، ودقة، وحذر.. للوصول إلى الرسالة الصحيحة المطلوبة..

وأهم شيء في الرسالة الإعلامية هو: (1) تحديد الفئة المخاطبة. (2) تحديد الغرض المطلوب من الرسالة. (3) صياغة أنسب وأقصر عبارة للوصول إلى الهدف والتأثير المطلوب.
(1) تحديد الفئة المخاطبة: ليست أيضاً بالشيء السهل، فتجد أنك أمام صنوف شتى من البشر، وصنوف شتى داخل المجتمع الواحد، وصنوف شتى داخل الجماعة الواحدة، وصنوف شتى في طريقة الاستيعاب والفكر والفهم.. ثم فوضى في ترتيب العقل، والسطحية في النظر إلى الأمور، وهذا يجعل تحديد الفئة، واختيار المجال، واختيار الطريقة مسألة تحتاج إلى جهد كبير وطويل.
(2) تحديد الغرض من الرسالة: وهو إجابة للسؤال الذي يطرحه الإعلامي على نفسه.. ماذا أريد من كلمتي هذه؟ وماذا أريد للقارئ أن يفهم في النهاية؟ وفي هذا التحديد حماية للرسالة من أن يفهمها القارئ على هواه.. فتحديد الغرض ونطاقه، يقلل من عملية "الفوضى" الفكرية والنفسية.. في خضم فيضان هائل لا يتوقف من المعلومات ومن الرسائل الإعلامية، والرسائل المضادة، والرسائل المفخخة.
(3) صياغة أنسب وأقصر عبارة للوصول للتأثير المطلوب: فقد تكون على الحق، لكن تختار عبارة غير موفقة؛ فتصد الناس عنك، وتنفرهم منك.. قد تكون على الحق، وتختار عبارة تحتمل أكثر من معنى وفهم.. فيعبث بها من يريد بك الشر، ويقلب الرسالة الإعلامية ضدك ! لذا فإن الصياغة الدقيقة المُحكمة القاطعة السهلة الواضحة المباشرة، تقطع الطريق على من يريد العبث برسالتك، لأنك لست وحدك.. بل هناك عدو ينتظر أي هفوة أو ذلة أو خطأ - مقصود أو غير مقصود - للنفخ فيه، وقلب رسالتك ضدك.
إن المجال الإعلامي - في واقعنا المعاصر - لا يقل أهمية عن المجال العسكري من حيث: التخطيط، والاستراتيجية، والخطط البديلة، والأسلحة المختلفة، ودقة التنفيذ، وكشف الألغام الإعلامية، والرسائل التي قد تنفجر فيك وأنت لا تشعر !!
*   *   *
(1) عندما تتحدث عن عقيدتك: ليس هناك من داعي لشتم الآخرين.. أو سب مشايخهم.. أو التقليل من شأنهم، أو حتى لمزهم.. فهذه رسالة إعلامية فاشلة.. لأنك بهذه الطريقة (أ) لا تكسب أنصار جدد، إنما تنادي على من هو على نفسك معتقدك. (ب) أنك تخسر أتباع المشايخ.. والاتباع لا تمحص أدلة، ولا تملك ناصية الفكر والبحث.
تستطيع أن تتحدث عن عقيدتك بطريقة "رجال الدولة" فتتكلم من منطق: ( الثبات - القوة - الحُجة - الدليل - الاحتواء - السعة - الثقة - الانضباط - الهدوء ) فتجذب بأسلوبك - قبل صحة عقيدتك - الناس، وفي أقل الأحوال تجعل الناس مُجبرة على احترامك، والاستماع إليك، وانتظار رسالتك.. وقد يظن البعض أنه بمجرد قول الحق أو إطلاق رسالة ما؛ سوف يستجيب الناس، ويتبعوك ! هذه أحلام وردية.. الحقيقة أنت تواجه ألغام نفسية واجتماعية وفكرية ونفسية وشيطانية ومخابراتية تحيط بالإنسان من كل جانب، وكون أن نجاك الله منها، فليس هذا معناه أن "كل" الناس مثلك، فالناس بحاجة إلى من يطهر حقول الألغام التي تحيط بها، وتفكيكها دون أن تنفجر ! والناس حتى تستجيب تحتاج إلى "تراكم" للحق، حتى يتجذر في نفوسها - لا سيما عندما تكون الحرب عالمية والكل يهدم - وقد تنجح في فك تسعة ألغام، والناس تترقب وسعيدة لذلك، ثم تأتي للغم العاشر، فتُفجره في وجوه الناس! فتهرب منك، أو على أقل تقدير تتشكك فيك !!
(2) وعندما تتحدث عن شيء تراه باطلاً: ليس هناك من داعي للحديث حول "الأشخاص" فالحديث حول الأشخاص يدمر الفكرة.. فالأشخاص لا بد ولهم أتباع ومحبين ومريدين.. وعندما تبدأ النقد بالقدح فيهم، فقد انتهت القضية قبل أن تبدأ، وجعل الصراع.. مجرد صراع حول "أشخاص".. وسينبري "الاتباع" - بدافع الحمية واعتقادهم أنهم على الحق - للطعن في شخصك كذلك.. وتتحول المعركة إلى الطعن والدفاع عن "أشخاص" لا عن "فكرة".. وينحرف هذا، ويقسو ذاك، ويَظلم هذا، ويُظلم ذاك، وفي ظل هذه الفوضى الفكرية والعلمية.. سيضيع الحق، وسيتوقف الطريق !
(3) إن للنقد العلمي المنهجي أصول يجب أن تتبع، منها: (1) تحديد عنوان وموضوع النقد. (2) تحديد علة النقد ومحل الخلاف. (3) ذكر جميع الأقوال والأدلة حول هذا النقد. (4) تمحيص الأقوال وبيان حجتها وقوتها والموهم منها والمعتبر وغير المعتبر. (5) إسقاط التفصيلات الفرعية، والآراء الارتجالية، والتجارب الشخصية. (6) الترجيح بين الأقوال. (7) الخلاصة.. والرسالة المطلوبة في النهاية. وبذلك تستطيع أن تقف بحجتك قوية راسخة متينة.. تجذب الناس بجمالها، وتناسقها، وأسلوبها، والحق الذي فيها.. كل ذلك دون الحاجة للطعن في "الأشخاض". وبذلك تتفتح العقول المتعصبة المغلقة السطحية على أسلوب الفهم والفكر والاتباع.. ويكون بحق منهجاً ربانياً يدور مع الكتاب حيث دار.. ليس هو قائماً على الخصومة أو الحزبية أو الطعن والقدح المستمر.. فمجرد بيان الحق - على الوجه الصحيح - يدمغ ( يقتل ) الباطل ويزهقه.
*   *   *