لعل من يتابع مقالاتي يلحظ أنني أكرر كلمة "الصليب"
أثناء الحديث عن أمريكا وأوروبا والغرب عموماً.. وأنا أقصد هذا اللفظ تحديداً - "الصليب"
- وأقصد تكراره في كل مناسبة.. حتى ينتبه المسلم لـ "حقيقة الصراع" وأعرض
على القارئ الكريم الحقائق مجردة بلا مساحيق..
وبمناسبة تعرض المسلمين في أمريكا وأوروبا لحالات القتل والدهس بلا
أدنى سبب سوى "الإسلام" أريد أن أحذر كل الجاليات المسلمة في العالم
الغربي الصليبي !
وأقول لهم: نعم لقد رأيتم العدل، والمساواة، والفرص المتكافئة،
واحترام الإنسان، والنظام، والآدمية، وحرية ممارسة "شعائر" دينكم...
إلخ.
وهي لا شك أمور حسنة، لا توجد في بلدان المسلمين التي يحكمها
الطواغيت بالحديد والنار، والفساد والإفساد..
وما رأيتموه في بلدان الغرب الصليبي هو "وجه العلمانية"
إما العلمانية الليبرالية أو الملحدة أو المحايدة أو غيرها من أنواع العلمانية..
ولكن ما هي العلمانية، ومن أين نشأت ؟
إن العلمانية هي الوجه الآخر للصليب.. ولقد كان - قبل الثورة
الفرنسية - الصليب والامبراطور هو الذي يحكم ويقهر الشعوب، ولما ضاقت الشعوب ذرعاً
برجال الكنيسة، ثارت وحولت الحكم إلى الشعوب فيما يسمى بـ "الديمقراطية
والجمهورية والدولة المدنية" ولكن في كل الأحوال سواء في حكم الصليب ورجال
الكنيسة أو في حكم العلمانية ورجال الأعمال.. كان "الحقد الصليبي، والوحشية
الرومانية، واحتلال الشعوب" هو العقيدة التي لم تتغير أبداً..
ولقد تعرضت الديانة المسيحية لأخطر وأكبر تحولاتها بدخول
"قسطنطين" في المسيحية لأسباب سياسية لتوحيد مملكته.. بعد أن كانت
المسيحية ديانة مضطهدة ومُعذب أهلها.. دخل قسطنطين في المسيحية ليحولها إلى
"الوثنية الرومانية" وتم احتلال الشعوب، وسرقتها باسم المسيح المُخلّص..!!
وتصدى الإسلام وقتها لجميع الحملات الصليبية ورد كيد الصليب في نحره، ولما انتهت
حقبة الصليب بالثورات العلمانية - وانهارت بعدها خلافة المسلمين - وجاءت العلمانية
بدلاً عن الكنيسة، بقي الأصل.. وهو: "الحقد الصليبي على الإسلام"
و"الوحشية الرومانية في احتلال وسرقة الشعوب"..
وإن العلمانية الليبرالية تتعامل مع الإنسان والمجتمعات كأنهم قطيع
يجب أن يكون: منظماً، ومتكافئ الفرص، وحر الممارسة لما يريد؛ حتى يزيد إنتاجه،
ويكون متجانساً في مجتمعه محافظاً على "السلم الاجتماعي"!
وبعد أن قتلت أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية ما يقرب من
مائة مليون نفس ! بدأت في نزع أي أفكار من شأنها أن تثير الحروب فيما بينها.. ووجهت
وحشيتها نحو غيرها من الشعوب الضعيفة، ورسخت المبادئ العلمانية الليبرالية
والإلحادية والمحايدة في مجتمعاتها..
وعندما يذهب المسلم لهذه البلاد.. فإنه يُصطدم من حسن التنظيم،
والأدب، واعتدال أمزجة الناس، والفرص المتاحة في هذه الشركة الكبيرة التي تعمل
كالآلة، والعلاقات فيها كعلاقة الآلات ببعضها.. لا هم للجميع إلا "زيادة
الانتاج" وفي المقابل "زيادة المتعة واللذة"..
ولكن.. أيها المسلم: لن تسير الأمور - في المستقبل - كما رأيت، فإن وجه
التاريخ كله حتماً سيتغير.. وستنقلب العلمانية على نفسها، وسيتمزق وجهها المزيف،
وسينكشف الوجه الحقيقي للصليب، وسينفث سمومه على الجاليات المسلمة التي تعيش في
دول الصليب.. وسيصبح المسلمون هناك كأنهم أسرى حرب..!
لا تصدقوا من سيخرج من المنافقين من بني جلدتنا الذين سيتكلمون عن
سماحة الغرب، وقيم الديمقراطية، وأحلام الليبرالية، ولا تصدقوا كذلك من سيتكلم من
الغربيين في الدفاع عن العلمانية، ومبادئها، والعودة إلى سابق عهدها.. وذلك لأن:
الإسلام الآن يخوض "حرب العقيدة" براية واضحة المعالم..
لن تستطيع العلمانية أن تصمد أمامها، ولن تستطيع العلمانية أن تخوض "حرب
العقيدة" هكذا، لا بد للعودة إلى وجه "الصليب" الحقيقي.. الذي يستطيع
أن يحشد أبناءه تحته، حتى تستكمل الحرب بين الإسلام والصليب.. بدلاً عن الحرب بين
الإسلام والعلمانية.. فالعلمانية قد تحارب الإسلام لأنه يهدد مبادئها الإلحادية
والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولكن كل هذه المسوغات ضعيفة أمام رجال تقاتل
على "الدين".. ولذا لا بد من عقيدة تواجه عقيدة..
وهذا بالفعل ما ستكشف عنه الأيام.. أن يظهر الوجه الحقيقي للصليب
شيئاً فشيء - كما تحاول الآن "الأحزاب اليمينية في الغرب" تزكية ذلك -
ولكن نحن لا نريد أن يظهر وينكشف الحقد الصليبي بدماء المسلمين، إنما نريد أن
نعرفه من خلال "نور الوحي" الذي أخبرنا.. بأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع
ملتهم !
ولعل الصليب يؤخر الكشف عن وجهه القبيح، حتى يستخدم "الخراف
والعبيد" من بني جلدتنا في حربه ضد الإسلام وأهله.. حتى إذا نفقت الخراف
والعبيد، أتى بجنده ورايته !!
فانتبهوا أيها المسلمون: ولا تغرقوا في أوهام العلمانية
والديمقراطية.. ففي لحظة المكاشفة، واشتعال الصراع، ستعرفون ماذا يعني "الحقد
الصليبي" تجاه الإسلام وأهله ؟ ووالله.. هو حاضر الآن في كل مكان؛ في العراق
وسوريا وفلسطين ومصر ولبنان وبروما وأفريقيا الوسطى والمغرب العربي والجزيرة
العربية...إلخ.
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يهدد العلمانية الغربية كلها،
والغرب لا يقبل أي شيء يهدد ثقافته أو يُغيرها.. والإسلام ليس فقط يهددها، بل
سينسفها نسفاً إن شاء الله..
إن العلمانية والديمقراطية تقبل الإسلام كخادم لهما، ولا تقبل من
الإسلام إلا حرية ممارسة الشعائر لأفراده.. ولا تقبل من المسلمين إلا التماهي في
حضارتهم، وأن يكونوا مجرد "روافد" دعامة.. ودماء متجددة، وأسر مستقرة،
بدلاً عن التفكك الأسري لديهم، أي مجرد "سواعد" تبني في "حضارة
الغرب" فإذا ما تم تهديد حضارة الغرب برسالة الإسلام التي ستحل محلها، هنا لن
يرحم الغرب المسلمين هناك.
* * *
موضوعات ذات صلة:
* * *