كلام في الثورة

التعريف العملي للثورة، وبعيداً عن طبيعة الراية التي تحملها، أو الأهداف التي تنشدها، أو العقيدة التي تفكر بها، فإن الثورة هي: "الانقلاب على النظام الحاكم، والإمساك بزمام مواطن القوة الباطشة فيه، ثم السيطرة على مكامن القوة الناعمة التي تحميه".

 

هي: الضرب في سويداء قلب القوة الباطشة للنظام، بلا تردد، ولا خجل، ولا خوف، ولا رحمة.

التعريف العملي للثورة: لا يهدف إلى إبادة جماعية للنظام الحاكم، إنما يهدف إلى "الإحلال" الكامل محله، وحتى يتم هذا الإحلال لا بد من القضاء على "قيادات الصف الأول" جميعها وليس رأسها فقط.. ولا بد من "تطهير" عوامل قوة النظام الباطشة مثل: قيادات الجيش، وقيادات المخابرات، وقيادات قوى الأمن الداخلية.. هذه الثلاثة تقريباً هي محور الارتكاز للقوة الباطشة للنظام، والتي بها يقهر الشعب، وبها يحمي النظام.. إذن، فالتعريف العملي للثورة هو: "الإطاحة بهذه القيادات، وتفريغ النظام من عوامل قوته، وإحلال قيادات ثورية جديدة محله".

ثم يأتي دور "القوة الناعمة": وهي تتمثل في الثورة بــ: (فكرة وروح الثورة، الشرعية الشعبية الأخلاقية، خدمة مشروعيتها، المظلومية، الإجماع الوطني، قوة رموزها). وفي النظام بــ: (الإعلام، القضاء، الأحزاب الموالية للنظام، الفئة المنتفعة من النظام) وفي الفترة الأولى من الثورة لا بد من "ترسيخ" أهداف الثورة وغاياتها، و"تشبيع" العقل الجمعي بمبادئها، و"القضاء" المعنوي ـ وليس الوحشي ـ على أعداء الثورة الذين يمثلون القوة الناعمة للنظام، ومن ثم التوجه نحو تفكيك منظومة الإعلام سواء أكان رسمياً أو خاصاً، وتفكيك منظومة القضاء، والمحاكم الدستورية خاصة؛ لأنه من الممكن أن تلتف على الثورة، وتصدر قرارات مضادة للثورة، وحل الأحزاب الموالية للنظام بقرارات قضائية، وتحييد الفئات المنتفعة من النظام بصورة سلمية.

وهذا يأخذنا إلى "تطعيم ـ تحصين" الثورة ضد عوامل "الثورة المضادة".. ومصطلح "الثورة المضادة" مصطلح غير دقيق، إنما الصحيح هو "عودة النظام" إلى الحياة، وفي هذه الحالة تكون الثورة قد وَجهت له "طعنات غير مميتة" أو "طعنات صغيرة" وبالتالي سيكون "عودة النظام" كارثة كبرى، إذ سيعود أشرس وأشد وأسوأ مما كان.

أولى التحصينات ضد عوامل الثورة المضادة هو: "الحرس الثوري" فلا يوجد ثورة بلا حرس ثوري، إذ لا يمكن أن يكون رجال الثورة وقادتها.. تحت رحمة رجال أمن النظام القديم، فهؤلاء سيظل ولائهم للنظام القديم كامن في نفوسهم، وستكون كل حساباتهم.. ماذا سيكسبون وماذا سيخسرون مادياً؟

وأهم شيء لتكوين الحرس الثوري هو السرعة لإعطائه "الشرعية الثورية والدستورية والقانونية" حتى لا يتحول إلى "مليشيات مسلحة" يتم تفكيكها فيما بعد. أهمية الحرس الثوري ليست هي بث الأمن والأمان في ربوع الوطن، فهذه ليست مهمته الأساسية، مهمته الأولى: هي "حماية" النظام الجديد ورجاله من أي محاولة اغتيال أو انقلاب مضاد أو حصار من الداخل، وتطهير النظام الجديد من عوامل التجسس، وتسريب المعلومات للداخل والخارج.

إذن الثورة هي: عملية "هدم" لقوى النظام القديم، و"بناء" لقوى النظام الجديد.. وهذه العملية تتطلب "السرعة" القصوى لإنجازها، فأي تردد أو خوف أو شك يعني انهيار الثورة، فالأمر أشبه بـ"حيوان متوحش" تريد ذبحه، فإما أن تقضي عليه.. أو يستفيق هو فيفترسك بلا رحمة.

والثورة: هي "لحظة فارقة" أي خطأ في حساباتها، وأي تهاون في تفويت فرصتها.. يعني أنها انتهت ولن تعود خلال جيلها على أقل تقدير، فالثورات يتكون مخاضها في عشرات السنين، وربما تأخذ جيلاً على الأقل، وليس صحيحاً أنه يمكن أن تحدث ثورتين في توقيت متقارب أبداً، لأن الشعوب لا تنتفض بسهولة. كما أن الثورة تأخذ سنتين على الأقل حتى تُنهي عملية التطهير ويبدأ البناء.. ولا يمكن أن تستمر ثورة لساعات يمكن أن يسقط فيها نظام.

مُحددات الثورة

الشعوب لا تقود الثورات

 ليس صحيحاً أن الشعب يقود ثورة.. الشعب هو "رداء الثورة" ولا بد للثورة من "قيادة" و"رجال" توجه الثورة، وتكون "رأس" الثورة.. الشعب هو "الرداء" الذي يحمي قيادة الثورة وأهدافها، ويصبر (لمدة محدودة لا تطول) على تكاليف الثورة، فإن فشلت.. استسلم وحَن للنظام القديم!! الشعب يقوم بدور مساعد في تحطيم الصف الأول من قيادات النظام الباطشة، فهو بثورته ونزوله الشوارع "يُخلخل" المنظومة الأمنية للنظام الغير قادرة على التعامل مع ملايين البشر.

بالنسبة لقيادات الثورة، فإن أغلب الثورات الناجحة عبر التاريخ، تشير إلى أهمية ـ بل وجوب ـ أن تكون قيادات الثورة ذات "أيديولوجية ـ عقيدة" واحدة، وليس مجرد أهداف واحدة.. لأن تفسير الأهداف وكيفية تحقيقها سيختلف من أيديولوجية إلى أخرى، ومن ثم فإن "التوافق الأيديولوجي" هو التوافق المطلوب، وليس مجرد التوافق على أهداف.

فضيلة السلمية

تنخدع الثورات عندما يتم الإشادة بها على أنها "سلمية" وهذا غير صحيح، فليس المهم أن تكون الثورة سلمية، أو مسلحة، فلو افترضنا أن الثوار استخدموا السلاح النووي في ثورتهم، ثم كانت النتيجة أن بقي النظام الذي قامت عليه الثورة كما هو.. فهذا يعني أن الثورة فشلت بكل المقاييس! الثورة هي الإمساك بعوامل القوة الباطشة والناعمة للنظام، وإقامة نظام جديد وفق مبادئ الثورة.. هذا هو الهدف إن تحقق بالسلمية فبها ونعم، وإذ لم يتحقق بالسلمية فباستخدام القوة المناسبة التي تُسقط النظام، ولا تهدم مقومات ومكونات الدولة.

وأي خوف أو خجل أو تردد في استخدام القوة.. فهذا يعني أن النظام القائم سيذبح كل الثوار بلا رحمة، فإذا أَعلنت الثورة فأتمها للنهاية بأي تكلفة، أما أنصاف الثورات فهي مقبرة للشعوب، تأتي مثالية الثورات في استخدام "الجرعة المناسبة" من القوة.. واستهداف مواطن قوة النظام بعناية، الأمر الذي يجعل النظام يستسلم، ويُقر بالهزيمة.

السيطرة على العاصمة

العاصمة هي قلب النظام الحاكم، وهي تُمثل "شرعية النظام" داخلياً وخارجياً، ويكون بها جميع مؤسسات الدولة، التي يجب أن تكون خاضعة لروح وفلسفة الثورة، وبدون السيطرة على العاصمة، فلا نجاح للثورة مهما استطاعت السيطرة على بعض أطراف الدولة.. ولقد يَستسهل البعض، ويرى هشاشة الأطراف فتُغريه السيطرة عليها، وقد تسقط بالفعل لحين، لكن طالما "العاصمة" مازالت متماسكة، فهي تستطيع استعادة جميع ما تم فقده، ولو بعد حين.. السيطرة على العاصمة هو أساس خطة الثورة، والأطراف إنما هي دعامة للهدف الرئيس..

بعض الدول يكون لديها "عاصمة إدارية"، و"عاصمة اقتصادية"، وفي هذه الحالة يجب أن تكون الخطة مزدوجة للسيطرة على كل منهما، وعين الثورة دوماً على مقرات الحكم والأجهزة الأمنية الرئيسية، وقطع إمدادات النظام القديم عن العاصمة بعد السيطرة عليها.

دعوات المصالحة

 في لحظات موت النظام، يتجه إلى "خدعة" المصالحة، والتوبة، والرغبة في المشاركة والبناء.. وهذه الدعوة قد تخدع الأطفال فقط، أما رجال الثورات فيدركون أن عليهم توجيه "طعنة" مميتة في سويداء قلب النظام، طعنة لا تجعله يتحرك بعدها أبدا، حتى تستطيع الثورة أن تكمل طريقها، فإن النظام ـ مهما طال الزمان ـ سيظل في قلبه ثأر تجاه الثورة، وما أن يملك القوة سيتوجه ـ بلا تفكير ـ لذبحها.. فإما أن تذبحه الثورة، أو يذبح النظام الثورة.

الخطر من قيادات الثورة، لا من الثوار

يُخبرنا التاريخ أن خطأ واحد في حساب القيادات، قد يُفشل الثورة كلها، وإن "فتور" الثورة في لحظة ما قد يُفشلها كذلك.. لذا فهي معادلة خطيرة حساباتها جد دقيقة لا هزل، ولا رعونة، ولا سفه فيها، وإلا فقد دمرت نفسها، ومن قام من أجلها. ولا بد للقيادات أن تكون مفعمة بالروح الثورية، ومؤهلة للقيادة الثورية، وليس التوافقية الإصلاحية، ومؤمنة إيماناً خالصاً وكلياً بما يجب أن تقوم به، وقادرة على حشد الشعب، والمضي به نحو الثورة الكاملة.

لا تقبلوا التوبة

الثورة لا تعرف قبول "التوبة" من النظام الذي ثارت عليه، ولا تعترف بـ "مشاركة" أحد في ثورتها من النظام.. فالثورة في بدايتها يتم شيطنتها، ثم إذا اشتد عودها بدأ الحياد تجاهها، ثم إذا انتصرت سعت مكونات النظام إلى تأييدها، والمشاركة فيها.. فلا توبة ولا مشاركة، حتى تظل الثورة طهارة من لوثة النظام القديم، وقادرة على بناء نظامها الجديد.

التحصين ضد العوامل الخارجية

في الدول التي تكون خاضعة لهيمنة النظام الدولي، وليس لديها استقلالاً حقيقياً تاماً ـ مثل بلادنا ـ فإن النظام الدولي يحضر من أول يوم في الثورة ـ إن لم يكن قبلها ـ وفي هذه الحالة، سيعمل النظام الدولي على إفشال الثورة في البداية، ثم الحياد أيضاً إذا اشتد عودها، ثم التدخل لتحويل نجاح الثورة نحو تحقيق مصالحه الخاصة حسب كل دولة، وجعلها لا تخرج على خطوط النظام الدولي وأوامره..

والتحرر من النظام الدولي مرحلة متقدمة، لا يمكن أن تنجح، حتى يتم النجاح التام في ثورة الداخل. وما يجب التأكيد عليه في هذه الجزئية.. أنه لا أصدقاء للثورة على الإطلاق في الخارج.. الجميع أعداء الثورة حتى وإن تغنوا بها وصفقوا من أجلها، ولا يغترن أحد ببعض الطيبين في الخارج الذي ينفعلون بثورات الشعوب، فالعبرة برجال النظام الدولي، وهؤلاء لا هَم لهم إلا قهر واستعباد الشعوب الضعيفة.

الإعلام

يعمل إعلام الدولة الرسمي والخاص ـ الذي يكون تابعاً بصورة أو بأخرى للنظام ومؤيد له ـ على إرباك مفاهيم الثورة، وتشويه صورتها، وبث عوامل الفرقة بين الثوار، وتفريغ الثورة من محتواها، وهذا الإعلام يعتبر من أشد وألد أعداء الثورة، ويجب القضاء عليه، وإخراسه تماماً دون الخوف من الاتهام بتقويض حرية الإعلام، وكرامة الإنسان... إلخ من هذه الشعارات، فالثورات لا تعرف مثل هذا العبث، إنها لحظة حرجة.. لحظة ميلاد من وسط مخاض وعذابات عشرات السنين، والظرف لا يحتمل مثل هذه الشعارات التي تُفسد عملية الولادة وتُربك "طلقات الولادة" وإلا مات جنين الثورة في رحم الشعوب، وتسممت بموته! وكما أنها لحظة ميلاد، فهي كذلك لحظة ذبح النظام.. ولا بد أن تتم كاملة تامة.

وحرية الإعلام، وكرامة الإنسان.. هدف نبيل، لكن لا بد أن يقوم على قواعد من الحق والعدل، والشفافية والمساواة والصدق، ولا يُتخذ من حرية الإعلام وسيلة لهزيمة الثورة.

الوقت

الشعوب لا يمكن أن تظل ثائرة، ولا تستطيع وليس في مقدرتها.. الشعوب هي "رداء مؤقت" لقيادات الثورة، والثوار.. ويجب خلال "شهور" الثورة الأولى القضاء على قيادات الصف الأول جميعها في القوة الخشنة الباطشة للنظام، وفي الشهور التي تليها تكون السيطرة على القوة الناعمة للنظام، وكلما كان الإسراع بتطهيرها منذ الأيام الأولى من الثورة كلما كان أفضل.

كما لا يُفضل المبالغة في الوعود أمام الشعوب، لأن تحقيقها يتطلب وقتاً طويلاً.

التحصين ضد الحرب الأهلية

في الثورة ضد الأنظمة المستبدة خاصة، فإن احتمال استخدام القوة ضد هذه الأنظمة هو الاحتمال الأرجح بكل تأكيد؛ لأن النظام سيضربها بكل قوته، بل وقد يقصفها بالطائرات! ولا يمكن مواجهة القوة إلا بالقوة (هذه سنة الحياة)، وقد يسعى النظام إلى استغلال عوامل الاختلاف داخل الشعب، لتحويل المسألة إلى "حرب أهلية" يتقاتل فيها الشعب ضد بعضه البعض، ومن ثم سيكون بقاء النظام هو أفضل بديل، ولا بد من التحصين الداخلي للثورة ضد عوامل الاقتتال ـ وهذه من أهم وأخطر مراحل الثورة ـ وتحويل القتال فقط ضد قيادات الصف الأول ومحاولة الوصول إليها والقضاء عليها، ومحاولة تحييد الجند وصغار القادة، لتجنب أن تكون تكلفة الدماء باهظة، وكلما ارتفع الوعي، قلّت فاتورة الدماء، ويمكن أن تنجح الثورة بقليل من القوة إذا بلغ الوعي والاتحاد إلى المستوى الذي يُسقط شرعية النظام كله.

النظام القديم يَتبنى الثورة!

تحت ضغط الثورة، قد يضطر النظام للتضحية برأسه، وبعض رجاله؛ ليضمن هو لنفسه البقاء، ويخلخل الثورة من داخلها، ويُوهمها بأنها نجحت، بل ويتبنى النظام نفسه الثورة ـ في لحظة من اللحظات! ـ وكل ذلك محاولة للالتفاف على الثورة، وتقويضها من الداخل، والدليل: إن النظام يضحي برأسه، ليأتي هو برأس جديدة من عنده، وربما يختار بعض قيادات الثورة ليجعلها في الواجهة كدليل على انتصار الثورة، والدليل الوحيد على انتصار الثورة: هو الإمساك بزمام القوة الباطشة، والناعمة داخل النظام، والقدرة الفعلية والشرعية على إنشاء "حرس ثوري" يَدين بالولاء للثورة، والقدرة الفعلية على تغيير قيادات الجيش خاصة قيادات الصف الأول، وشرط أن يكون تغييرها ثورياً لا مجرد تصفية حسابات وصراعات بين قيادات الجيش، وعدم ترك النظام القديم يدير أي عملية انتقالية للسلطة؛ لأنه سيُفسد كل شيء، وينقلب على الثورة في نهاية المطاف، بعدما يكون نزع عنها شرعيتها، وأهدافها، ويتركها جثة هامدة لا حراك فيها.

الانقلاب

تحدث الانقلابات نتيجة ضعف أو خلل في العمل السياسي التوافقي الإصلاحي، حيث تقوم بعض قيادات الجيش بالاستيلاء على الحكم، واعتقال رجال العمل السياسي الإصلاحي، وتغيير الدستور، وخلق شرعية جديدة، والسيطرة على الإعلام والقضاء، ومصادر الثروة، وخلق نظام سياسي جديد، وغالباً ما تقع الانقلابات بعد "انتخابات ديمقراطية" ينجح فيها رجال التوافق والإصلاح في الوصول للحكم عبر صناديق الانتخاب (سواء بعد ثورة أو بدونها)، ولكن وصولهم هذا يهدد "الهيكل السياسي الحقيقي" الذي تقوم عليه الدولة.. خاصة في الأنظمة العسكرية والمستبدة، وباختصار: الكيان الذي يتم الانقلاب عليه هو ـ ولا شك ـ كيان ضعيف، غير محصن من الانقلابات، ولم يفهم المعادلة السياسية القائمة بشكل جيد، ويتم خداعه بسهولة، من خلال: (1) ثقته في الهيكل السياسي للدولة، وإنه سيتنازل بسهولة وطواعية عن "السلطة والثروة". (2) ثقته في الغرب المحتل، وتصريحاته في دعم الديمقراطية، بينما هو الممول الأول لكل الانقلابات، وهي يتحرك وفق مصالحه بصورة مطلقة من أي مبادئ أخلاقية أو وعود أو شعارات، وانتظار نُصرة الغرب لهم في جريمة اغتصاب الديمقراطية، بينما الغرب هو القواد الذي أشرف على الاغتصاب! (3) ارتباك رجال العمل السياسي التوافقي الإصلاحي في مواجهة الانقلابات، وانتظار النصرة من خارجهم سواء من قيادات الجيش الأخرى، أو من الخارج، والحل دوماً في الداخل. (4) التعويل على الأزمات الاقتصادية في سقوط الانقلابات. (5) الفشل في تحديد مسار الانسحاب، ومسار الهجوم، والتردد في ذلك يؤدي إلى الفشل والموت. (6) عدم بناء القوة التي تحصنه من الانقلابات، وتكشفها قبل تنفيذها.

الأيديولوجيا

حالة التجانس في الأيديولوجيا بين الثوار، من أهم عوامل نجاح الثورات.. فإن كانت أيديولوجيا الشعب والثوار "علمانية" مثلاً.. فيجب أن تظل هكذا متجانسة لا يدخل عليها أي مدخلات أخرى تفسد تجانسها واتساقها، والأيديولوجيا تُكوّن "العقيدة" التي يضحي من أجلها الشعب ويحافظ عليها، والعقائد لا تقبل التضاد ولا تقبل المشاركة، وأي انقسام في الأيديولوجيا يعني انقسام في الثورة، الأمر الذي يُنشأ "التحارب" الداخلي بين الثوار، ويؤدي إلى القضاء الذاتي على الثورة.

وفي حالة الشعوب الإسلامية: فإن العاطفة العامة للشعوب "إسلامية"، ولكن هويتها مضطربة بفعل عوامل الاختراق والاحتلال الثقافي والسياسي، ولكن تظل العاطفة تجاه الإسلام كامنة في القلوب، وهي المحرك الأكبر للتضحية لخصوصية الإيمان باليوم الآخر، وانتظار الجزاء الأخروي في حالة كون الثورة إسلامية، ولن تنجح ثورة للشعوب المسلمة إلا أن تكون "ثورة إسلامية" فلا بد لهذه الثورة أن تكون إسلامية خالصة.. فلا يمكن القيام بنصف ثورة، ولا نصف إسلامية..

وأي محاولة لإدخال العلمانية عليها ستُفشل كليهما، فالإسلام بطبيعته لا بد وأن يعلو، والعلمانية تريد أن تكون بديلة عن الدين عموماً لا سيما في الحياة العامة.. والحياة العامة والسياسية هي بالأساس "موضوع الثورة".

*   *   *