قائمة المدونة محتويات المدونة

07‏/04‏/2014

هكذا ظهر جيل صلاح الدين

هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا عادت القدس كتاب للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، من الكتب التأسيسة الهامة في تشكيل وعي الشباب المسلم.
وإن الوصول إلى الحكمة ليس بكثرة الكتب، ولا الاستكثار منها بلا غاية؛ لأن الاستكثار من الكتب بلا غاية لهو تلهي يجب أن نترفع عنه. إن تشكيل الوعي والعقل المسلم يبدأ بالبحث عن الإجابة للتساؤلات المصيرية بدقة وفقه وعلم.. لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ وكيف نعود كما كنا من قبل؟
هذا التساؤلات المصيرية لا تجيب عنها الخطب العصماء.. بل لا يملك إجاباتها الخطباء، إنما "الفقهاء" الذين يفقهون السنن والقوانين في قيام المجتمعات والدول.
إن القراءة الصحيحة هي القراءة التي تبحث عن إجابة لمشكلة قائمة، لتنطلق وفق المعرفة المكتسبة للعمل وفق السنن الإلهية، أما القراءة التي من أجل التكاثر، ومن الأجل الاستظهار، ومن أجل التعالي فهي قراءة الجهلاء الأقزام.
وعندما يجد المرء إجابة سؤاله، فلم يعد بحاجة لمزيد من القراءة حتى يجّد له سؤال آخر، أو ليعالج مشكلة أخرى.. هذا هو الأسلوب الذي يؤسس للوعي الصحيح، فلا يتضخم العقل بمجموعة من الكتب لا يجمعها رابط، ولا تفضي إلى نتيجة، ولا تعالج واقع حي.
إننا بحاجة أن نؤسس الوعي المسلم وفق منهج فقهي سنني يتبع المنهج "التحليلي - التشخصي" لا منهج "الإدانة والحكم"! المنهج الأول: منهج دقيق يحتاج إلى دراسة الأمر من كل جوانبه، والإحاطة بكل ملابساته الفكرية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية...إلخ ويزن الأمور بموضوعية ودقة للوصول إلى نتيجة وحل، وأما المنهج الثاني: فما أسهله.. إطلاق الإدانة والحكم على المريض والمتخلف، وإلغاء وجوده، والتحذير منه ! إنه المنهج الهروبي الاستعلائي الإقصائي الذي يعمق المشكلات ويكرس التفرقة، ويزيد المصيبة !
في كتاب: هكذا ظهر "جيل" صلاح الدين.. أحسبه الكتاب الوحيد الذي تناول هذه الفترة من التاريخ الإسلامي من منظور "القوم" منظور اجتماعي - سنني، لا منظور البطل القائد الفذ الملهم الذي يُنسب إليه النصر وحده، فظهر القائد فجاءة، وحقق النصر.. وعند موته انتهى كل شيء ! هذا التناول والتعاطي مع التاريخ الإسلامي من المنظور الفردي، جعل الأمة تنتظر "صلاح الدين" ولم يجعلها تصنع "جيل" صلاح الدين! ويتشكل صلاح الدين في - العقل الجمعي - في صور شتى.. المخلص والمهدي المنتظر وأحداث نهاية الزمان، تتلخص كل مشكلات الأمة في بطل مغوار يحمل  عصا سحرية  لعلاج كل مشكلات الأمة، وليس مطلوب من الأمة سوى التصفيق الحاد، والإنشاد له، وحمل صوره !
هذا التصور في لا وعي الأمة من أخطر ما يقعدها عن النهوض، ومعرفة أسبابه، وفقه سننه، ويجعل الأمة في حالة من السلبية الشديدة.. ولا عجب إذ يظهر مثل صلاح الدين الذي يريد أن ينهض بالأمة.. ولكن وفق السنن، فإذا الأمة تلفظه، وتتنكر له ! لأنه ليس صلاح الدين الذي في مخيلتها.. صلاح الدين الذي في مخيلتها شخصية لن تكلفها شيء ولن تطلب منها شيء.. ستحل مشكلاتها بطريقة سحرية غامضة الأسباب! هذا التصور المنحرف يقطع الطريق على كثير من جهود الإصلاح والتغيير، ويستنزف جهود المخلصين من أبناء الأمة، عندما يتعاطون مع أمة تنتظر الخوارق ومعجزة من السماء.. لأنها تظن أنها ذات ميزة خاصة عند الله.!!
ما يجب أن يتأسس عليه وعي الأمة والجيل الجديد من الشباب.. أن سنن الله سبحانه لن تحابي أحداً ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس أبلغ من دروس غزوة أحد حتى نفهم هذا المعنى. ( راجع: خطورة الفكر التبريري )
عندما يستوي في وعينا وعقولنا وقلوبنا أننا نمضي في هذه الحياة وفق سنن وقوانين.. وأن مسيرة التاريخ البشري كله تشير إلى أن هذه السنن تعمل بصارمة ودقة وثبات بلا محاباة.. ستيجه جهدنا إلى فقه هذه السنن في التغيير وفي قيام المجتمعات والحضارات والدول، وسنعمل جاهدين للوصول إلى أقصى درجات تحقيقها في عالم الواقع.
هذا الكتاب لا يتحدث عن شخصية صلاح الدين، ولكن يبحث في الظروف الاجتماعية والفكرية التي مهدت لظهور جيل صلاح الدين.. وهذا ما يجب أن ندركه بكل وعي وبكل دقة.
إن الله سبحانه قد حدد طريق التغيير.. ( حتى يغيروا - أي القوم "المجتمع" - ما بأنفسهم ) من أفكار وتصورات وقيم وموازين التي هي جذور الشعور الذي يُنتج في النهاية "السلوك" أو الثمرة التي نراها على السطح، وإذا أردنا تغيير هذه الثمرة علينا بالجذور. هذا قانون التغيير في سنن الاجتماع البشري، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
تحدث الكتاب عن مدرسة الإحياء الإسلامي التي جمعت بين الزهد والفقه.. زهد حقيقي في الحياة الدنيا والرغبة في الآخرة، وفقه حقيقي قائم على تحقيق الحق والعدل الرباني، فقامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين: الأولى: التخلص من الشهوات الدنيوية، والثاني: التطهر من العصبية المذهبية، فالأولى ستعمل مع الزهد على التجرد لله سبحانه، وكسب ثقة الأمة، والبعد عن مواطن الشهبات أو طلب المنصب والجاه، والثانية ستعمل على توحيد الأمة والتجرد لله سبحانه، والبعد عن القضايا الصغيرة الضيقة، والخروج من ضيق المذهب إلى سعة الإسلام، ومن كلام الرجال إلى الكتاب.
وهكذا كانت بداية مدرسة الإحياء الإسلامي بقيادة الشيخ "أبي حامد الغزالي" والتي مهدت الطريق وانتشرت وتفرعت حتى خرج جيل فيه من الزهد الحقيقي، والانتصار للإسلام وحده، ولعموم المسلمين.
فكانت دعوتها للتوحيد دعوة اجتماعية لا فلسفة نظرية باردة.. توحيد قائم على التكافل الاجتماعي وتحقيق الكرامة الإنسانية، ومراعاة حقوق الله سبحانه في المال المستخلف في أيدي عباده، فانتقلت دعوة التوحيد من الألسن إلى القلوب، ومن النظريات إلى واقع الحياة، وشتان بينهما مدرسة جعلت من "التوحيد" فكرة فلسفية نظرية؛ وقسمته إلى أقسام وفروع، وتأويلات، ومذاهب، وصراعات، وحكم على الناس.
وبين مدرسة جعلت من "التوحيد" فكرة حية للحياة؛ تواجه الطغيان والاستبداد والفراعنة بالتوحيد، تواجه الكبر والجشع والطمع بالتوحيد، تواجه طغيان المادة والمال بالتوحيد، تواجه القوة والسلطان الأرضي بالتوحيد.. وترد الأمر كله لله؛ فتتحول الحياة إلى الصورة التي أرادها الله.
المدرسة الأولى: انتجت فرق ومذاهب وصراعات وفلسفات وأيدولوجيات، واستخدمها كل طاغوت في عصره ليحمي بها عرشه ويُخدّم عليه الكهنة.!!
المدرسة الثانية: انتجت - في فترات ازدهارها - إحياء الأمة، وفاعليتها، وتألفها، وقدرتها على النهوض وصد العدوان والخطر.. هذه هي مدرسة الإحياء الإسلامي التي خرج منها "جيل" صلاح الدين.
وانطلقت هذه المدرسة تواجه بكل قوة وحسم الأفكار المنحرفة في المجتمعات المسلمة، وهي تحمل الزهد الحقيقي.. ولا تطلب أي مغنم من وراء دعوتها، فبدأت في مواجهة الأفكار المنحرفة السادة وقتها كالفكر الباطني والفلسفي بدقة وحكمة وإحاطة، وتأتي بركة الزهد والتجرد مع الفقه بالمنهج المنحرف لإبطال هذا الفكر تدريجياً؛ حتى انكشف طريق الحق للمسلمين.
كما أن هذه المدرسة لم تهادن الحكام والسلاطين بل صدعت بالحق في وجوههم، ولم تقبل أن تكون من "فقهاء السلطان" ونأت بنفسها على أن تكون أداة من أدواته! وأبتعدت عن أي موطن للشبهات، ولم تستعجل الثمرة..
ثم تأتي ثمار تلك التربية وتغيير ما بأنفس القوم ثمارها وأكلها تدريجياً وفق سنن الله سبحانه، ولم يخرج جيل صلاح الدين فقط لحسن إيمانه وتقواه بل لتحقيقه سنن الله التي لن تحابي أحداً؛ فاجتمعت صحة الأفكار مع القوة مع الثروة، ودارت القوة والثروة في فلك الأفكار، وزهد الناس في الدنيا وأمنوا بالرسالة بحق.
عوامل كثيرة أو بالأحرى قوانين اجتماعية دقيقة هي التي أخرجت الجيل الذي استطاع القائد أن يحرر به مقدسات الأمة، ويعز الله به الإسلام والمسلمين.. تلك القوانين الثابتة التي تمضي وفقها حركة التاريخ البشري، لا يمكن القفز فوقها أو الاصطدام بها.. بل تحقيقها حتى نبلغ ما بلغ به جيل صلاح الدين من النصر والتمكين.
إن الأمة قبل جيل صلاح الدين كانت تعاني مما نعاني منه الآن أو أسوأ.. وبدأت حركة الإحياء بإيقاظ الأمة بعلماء الآخرة وفقهاء السنن لا بعلماء الدنيا وفقهاء السلطان، واستطاعت خلال فترة قصيرة بالنسبة لتاريخ الأمم أن تخرج جيل صلاح الدين رغم التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية.. لكن التهديدات الخارجية لجيل صلاح الدين كانت تتلخص في الغزو العسكري الخارجي.. لكننا اليوم أما غزو من كل الأنواع لم يعرفه جيل صلاح الدين: غزو الدين والهوية، والغزو الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري.. إلخ. ولكن هذه التهديدات والتحديات أدعى لمزيد من الجهد.. مزيد من الزهد ومزيد من الفقه، وأدعى إلى التخلص من الشهوات الدنيوية والعصبيات الجاهلية، وعند استفراغ الوسع، وبذل كل الطاقة والجهد، ستكون معية الله سبحانه، وعسى أن تأتي عوامل الانحلال والتفكك على الدول التي تهددنا من الخارج، ونكون تهيأنا لأن نحمل رسالة الله سبحانه إلى العالمين.
هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا عادت القدس.. الجيل قبل صلاح الدين، فلنُحي هذا الجيل، ونعمل على إخراجه من بين رفات الأمة المتوفاة. وسبحان من يخرج الحي من الميت !
لتحميل الكتاب ( اضغط هنا ).
لقراءة الكتاب ( اضغط هنا ).
06 / 04 / 2014م