قائمة المدونة محتويات المدونة

02‏/10‏/2015

روسيا والتدخل العسكري

في البداية أُذكر أن الصحيفة اليهودية "يدعوت أحرنوت" كانت صاحبة السبق في معرفة هذا التدخل العسكري - قبل ثلاثة أسابيع - مما يكشف لنا عن يقظة العدو على "المستوى الإعلامي" فما بالنا بما هو أعلى منه من مستوى استخباراتي وعسكري ؟! وهذه أمور يجب أن ترفع من مستوى إحساسنا بالمسؤولية، ومدى خطورة العدو الذي نواجه، الأمر الذي لا يصح معه تواكل أو رعونة أو سفه !.

روسيا قبل التدخل العسكري:
قبل التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، كانت روسيا تدعم "النظام السوري" بالسلاح والدعم الاستخباراتي، والدعم  السياسي الدولي.. وكذلك الصين من وراء روسيا.
وهذا الدعم تلقى الابن البار للنظام الدولي والكلب الوفي بشار، أضعاف مضاعفة من الغرب ذاته ! فهو صنيعة الاحتلال الصليبي الفرنسي منذ نشأته، ولكنه لم يكن يتلقى - فيما يبدو - دعماً عسكرياً من الغرب.. لكن الغرب ( أمريكا وأروبا ) لم تكن حريصة على سقوط نظام بشار، بل هي تداعبه حيناً، وتحنو عليه حيناً، وتعاتبه حيناً آخر ! فهو - كغيره - يؤدي مهمته على أكمل وجه في: سحق الشعب، وحماية إسرائيل، ومحاربة الإسلام وأهله !.
ماذا تريد أمريكا ؟ وهل فشلت في استراتيجيتها ؟
أمريكا لا تريد سقوط نظام الأسد ( النظام العلوي النصيري ) ربما هناك إشكالية على شخص "بشار الأسد" بسبب الحرج الدولي في كونه قتل فقط 300 ألف إنسان، ولكن الغرب يرى في مثل هذه الأرقام مجرد "أضرار جانبية" أمريكا تريد تغييراً سياسياً وجغرافياً لمنطقة الشرق الأوسط كلها، تكون فيها أكثر ضعفاً، وأشد تبعية، وأكمل علمانية.
وكيف تحقق استراتيجيتها هذه ؟ وهل هي فشلت أم نجحت ؟
السياسة الأمريكية سياسة "مرنة جداً" وهي تريد أن تكون موجودة في جميع الاختيارات الواقعية، فإذا افترضنا أن هناك قوى إسلامية، وعلمانية، واشتراكية، وليبرالية، ووطنية، وقومية... إلخ، فالسياسة الأمريكية تُفضل أن تكون موجودة في جميع هذه الاختيارات الواقعية - بل والمفترضة ! - وتجيد "توظيفها" جميعاً لتحقيق مصالحها العليا في النهاية، وتملك من "الصبر الاستراتيجي" لتحقيق ما تصبو إليه، ولديها "حرية الفشل" و"حرية النقد" في تصحيح الأخطاء التي تقع فيها أثناء العبث بمصير الشعوب وثرواتها ومقدراتها ودينها وهويتها !.
ومن ثم فإن أمريكا تنظر إلى الوضع السوري المعقد من خلال "سلم الأولويات" فقد تدعم اليوم فصيلاً جهادياً، وغداً فصيلاً معتدلاً، وبعد غد فصيلا علمانياً.. وتعد الجميع، ولا تختار إلا في لحظات الحسم، وعند النقاط الفاصلة، وقبل ذلك تترك مساحة من "التآكل الذاتي" بين الخصوم على الأرض، دون تدخل أحياناً، وبدعم لهذا التآكل في أحيان أخرى، وهي في النهاية تستهدف "تقسيم سوريا" تقسيماً طائفياً إلى ثلاث دول: ( علوية، سنية، كردية ) وربما رابعة درزية في الحدود مع إسرائيل.
وهل نحجت أو فشلت حتى الآن ؟
يبدو للناظر أن أمريكا وتحالفها الدولي الذي يستهدف بالأساس "الدولة الإسلامية" باسم "محاربة الإرهاب" وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الدولة الإسلامية، فهي لم تقتل 300 ألف إنسان خلال أربع سنوات كما فعل بشار، ولم تقتل مليون طفل عراقي كما فعلت أمريكا ! هذا "التحالف الستيني" يبدو أنه فاشل حتى الآن في تنفيذ مهمته بالقضاء على الدولة الإسلامية، وذلك لعدة عوامل:
-                 عدم القدرة على حسب المعركة من الجو، وعدم وجود قوات داعمة له على الأرض.
-                 ربما رغبة التحالف في إطال أمد الصراع في المنطقة لأجل غير مسمى، لأن "صناعة الحرب" تمثل دخلاً قومياً لأمريكا.
-                 ربما للرغبة في ترسيم الحدود - من الجو - ووقف التمدد عند حدود الدول المزمع تقسيمها.
-                 ربما لعدم وجود أهداف واضحة على الأرض من شأنها أن تؤثر في مسار الحرب، أو تلحق الهزيمة بالدولة الإسلامية.
-                 ربما لأن الدولة الإسلامية كانت مستعدة - أو متوقعة - لهذه الضربات.
وعليه، فإنه من المبكر تحديد النجاح أو الفشل في استراتيجية العدو الأمريكي ! لأن العبرة بالنهاية، وإذا هم اعتبروا - من البداية - أنها حرب مفتوحة طويلة الأجل، فإن الرؤية المحدودة الآنية لحدث هنا أو هناك لن يكون كافياً في تحديد نجاح الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة بأثرها.
*   *   *
روسيا والتدخل العسكري:
التدخل العسكري الروسي في سوريا، يعتبر انقلاباً في موازين القوى في المنطقة.. وعودة قوية لروسيا، فقد نجحت من قبل في أوروبا عبر أخذها - وبالقوة - جزيرة القرم، ولم تنس "نكهة الديمقراطية" بإجراء استفتاء على انفصالها، وصفعت أوروبا صفعة لم تستطع الرد عليها !.
التدخل العسكري الروسي في سوريا، بدا وكأنه تحدياً وخلقاً لواقع جديد يخالف ما كان عليه "التحالف الستيني" وصدمت الأنظمة الخادمة والتابعة لأمريكا في المنطقة من هذا التواجد الروسي في المنطقة، فهي لم تعط له الولاء، فقِبلة الأنظمة العربية عند "البيت الأبيض" وكل الرهان عليه.. والتواجد الروسي في المنطقة العربية، شيء يوحي بالقلق لديهم - ليس على سوريا - بل على "التوازن السياسي" في المنطقة العربية.
أهداف التدخل العسكري الروسي:
قلنا فيما سبق إن أمريكا تجيد التعامل مع الجميع، وتزكي تآكل الجميع، وتنتظر حتى اللحظة المناسبة الحاسمة الفاصلة لتختار الأنسب.. أما روسيا فلا تعرف مثل هذه السياسة، لقد أعلنت أنها تستهدف جميع الفصائل المسلحة بما فيها الإرهابية - على حد تعبيرهم - الدولة والنصرة، والمعتدلة وغير المعتدلة، الجميع مستهدف عدا "الجيش الحر" وهو وحده مدعو لـ "عملية سياسية" وصرّحت روسيا أنها تريد سوريا "علمانية" مُوحدة ! أي لا مجال لـ "المنطقة الرمادية" ولا لـ "الإسلامية المعتدلة" ولا لـ "الإسلامية السياسية" ولا لـ "الديمقراطية الإسلامية!" كل هذا الهراء - الذي يخدع كثير من الطيبين والبسطاء - أراحت روسيا الجميع منه، وأعلنتها "سوريا علمانية موحدة".
وأنشات مركز عمليات واستخبارات يضم: العراق الشيعية + إيران الشيعية + سوريا العلوية النصيرية + روسيا الصليبية، وتدعو المرعوبين من الأنظمة العربية الانضمام إليهم للقضاء على خطر "الجهاد" - الإرهاب بتعبيرهم - لتجد الأنظمة العربية - والخليجية خاصة - أنها إما بين نيران الجهاد، أو نيران إيران والشيعة، ولا أظنها تفعل شيئاً سوى التوسل وتقديم القرابين عند "البيت الأبيض".
واعتبرت روسيا هذا التدخل "حرباً مقدسة"، مثلما قالها بوش من قبل إنها "حرب صليبية".. وليس في قولهم مزيد بيان، فالقرآن الكريم - من قبل - أخبرنا بذلك.
القواسم المشتركة بين أمريكا وروسيا:
رغم الصراع على النفوذ الدولي بين أمريكا وروسيا.. إلا أن هناك قواسم مشتركة تجعلهم على قلب رجل واحد ذلك عندما يكون المستهدف هو "الإسلام وأهله"، وأمريكا ليس لديها أصدقاء من أهل الإسلام إلا أن يكونوا خدماً لهم أو حرباً على الإسلام ذاته، وهي - في الحقيقة - لا تعرف إسلاماً معتدلاً، ولا إرهابياً.. هي فقط تضطر لضرب المعتدل بالإرهابي - بزعمهم - لتتخلص من الجميع.
وأما الرؤية السياسية حول البدائل، فقد يكون هناك شد أو جذب في بعض المواقف، لكنه لا يصل إلى درجة التقاتل، طالما العدو هو الإسلام، والحرب هي على "أرض الإسلام".
تحالفات المنطقة:
الأنظمة العربية يجرها الأمريكي من سلسلة كـ "الكلب" ولا تملك من أمرها شيئاً؛ فقد سلّمت شرفها ودينها وأوطانها وثرواتها وشعوبها لأمريكا من أجل "الملك والسلطان" وهي راضية بذلك، ولا تخجل حتى من الاستعلان بذلك، فهي رأت في أمريكا "الإله" المستحق للعبادة والانقياد والاتباع والتسليم، ولم تر في روسيا المفككة - بعد سقوط الاتحاد السوفيتي - ما يجعلها تستحق العبادة مثل أمريكا.
ولكن اليوم ينشأ واقع جديد.. فروسيا تنهض، وتجد في إيران خير حليف لها، ومن ورائهم الصين ودول أخرى.
فأصبح هناك تحالفين في المنطقة: (1) أمريكا وخدمها وعبيدها من الأنظمة العربية، (2) إيران، ومليشياتها وجيوبها + روسيا + الصين... إلخ.
وستصبح المنطقة حقل تجارب، وشعوبنا فئران تجارب لكل شيء.. فالصراع على أرضنا وبدمائنا وثرواتنا. ونتذكر هنا تحليلات الدكتور أكرم حجازي.. فيما يخص الوضع السوري، وكونها من مرابط النظام الدولي، والصراع فيها ليس كأي صراع.
الحل لمواجهة الحروب الصليبية الأمريكية والروسية:
هو: توحد المسلمين، وجهادهم، وعدم مظاهرة العدو على إخوانهم من المسلمين، واتباعهم لسنن الله التي لا تحابي أحداً.
*   *   *
موضوعات ذات صلة:
- أكرم حجازي ومسارات الفتنة. ( نُشر بتاريخ: 08 / 06 / 2014 ).
*   *   *