رغم اختلافي مع "جماعة الإخوان المسلمين" (حركياً) و(منهجياً)، ورغم اعتقادي بأنها لا تصلح بمنهجها الحالي لمواجهة أعداء الداخل أو أعداء الخارج، ولا تملك المقومات الفكرية الصحيحة لهذه المعركة الفاصلة الكبرى ـ رغم ما تملكه من إمكانيات مادية كبيرة، وموارد بشرية هائلة، ورغم تاريخ طويل عظيم من النضال والتضحيات والاشتباك مع الواقع ـ رغم كل ذلك فإن بيان "هيئة كبار العلماء السعودية" عنها هو "بيان الضلالة"..
وقد بلغني إن
خطبة الجمعة الموحدة على مستوى السعودية بتاريخ (13 / 11 / 2020م) ـ بأمر من وزير الشؤون الإسلامية ـ انقسمت قسمين..
القسم الأول: تَعبيد الناس للطغاة الفجرة من أئمتهم. والقسم الثاني: تلاوة بيان
هيئة كبار العلماء السعودية التي قالت عن جماعة الإخوان: "إنها جماعة إرهابية
ضالة مجرمة!" كما صدر تصريح يؤيد بيان الهيئة من مفتي المملكة أيضاً. والمضحك أنهم جعلوا طاغوتهم هو "إمام المسلمين" رغم
إنها دولة قومية!
وخطباء الجمعة لا يملكون أن يقولوا حرفاً واحداً من واقع ضميرهم، وعقولهم.. بل حتى دعاء الخطبة يأتي إليهم مكتوباً! ولم يتكلموا بحرف واحد نصرة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قضية الرسوم المسيئة حتى أذن لهم الطاغوت، وتكلموا بالقدر الذي سمح به وأراد، وغداً سيباركون التطبيع مع الصهاينة بنفس طريقة تحريف الكلم عن مواضعه!
فقد حوّلوا منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى منبر السلطان.. يتكلمون فيه بما يُرضي "السلطان اللئيم" لا "الرسول الكريم"!
***
وهناك فرق بين نقدين لجماعة الإخوان:
الأول: النقد الذي يهدف إلى تقويم المعوج من الفكر؛ بغرض الانطلاقة الصحيحة لمواجهة أعداء الداخل، والخارج، والخروج من فكر الوهن والاستضعاف والبراجماتية.
والثاني: النقد الذي يهدف إلى شيطنة الإخوان؛ بهدف تَعبيد الناس للطغاة الفجرة الفسقة، والطعن في الدين، والشريعة.
وشتان بين المنهجين.. وأذكر أنني في الفترة التي كتبت فيها نقداً عن الإخوان بعد الانقلاب، اتصل بي مندوب لأحد الجرائد التابعة لنظام الفجرة بمصر، يريد استخدام هذا النقد في ضرب الإخوان، ولكن الموافقة على ذلك تعتبر "خيانة" للمنهج الصحيح، فنقدي للإخوان كان بهدف الإصلاح، لا الهدم، ولا لمباركة الباطل، ولا لتأييد الطغاة الفسقة.. حتى ولو اعتبرت الإخوان كل نقد لها جريمة! وحتى ولو سارعت الإخوان ـ بعد ذلك ـ في هذه الأنظمة تطلب ودها، ورضاها! يجب أن يظل المسلم مستمسك بأخلاق الإسلام في "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"، مستمسك بأمانة الرسالة.
بيان "هيئة كبار العلماء" هو بيان الضلالة لأنه ببساطة "بيان السلطان" إنهم يناقضون وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال: "دُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ "، فإذا هم "يدورون مع السلطان حيث دار"!
عندما "رضي" السلطان عن الإخوان: كانوا هم العلماء المجاهدون الأبرار الأتقياء، وكانت كتبتهم تُطبع على نفقة وزارة التعليم! وتفسير "في ظلال القرآن" يُقرأ في إذاعة القرآن الكريم السعودية! و"معالم في الطريق" يُطبع تحت اسم وزارة المعارف السعودية! وكان "جمال عبد الناصر" كافر بالإجماع على صدر "صحيفة عكاظ" التابعة للنظام السعودي..
ولما "غضب" السلطان عن الإخوان: أصبحت هي جماعة إرهابية مجرمة ضالة، ليست من أهل السنة والجماعة، من رحمها خرجت الجماعة الإرهابية، والعنف، والتطرف!! وأصبح اقتناء كتب الإخوان جريمة يعاقب عليها القانون السعودي.. بل قال اللعناء الفجرة ـ المُتزين بزي العلماء ـ إن "التعاطف" في حد ذاته.. التعاطف فقط جريمة، ولو استطاعوا أن يشقوا عن قلوب الناس ـ خدمة لطاغوتهم ـ لفعلوا، وهم بالفعل يفعلون ذلك! عن طريق ما يسمى "الأمن الفكري"؛ عندما حَوّلوا بسطاء الناس، إلى جواسيس! من يقول كلمة حق، أو يبدي تعاطفاً فطرياً، أو إيمانياً مع مظلمة الإخوان ـ ومن على شكالتهم ـ يتم التبليغ عنه، والتحذير منه، والتربص به..
وما قالوه في رضى السلطان، وغضبه هو مردود عليهم، لأنه كان من أجل السلطان لا الله، كان ابتغاء وجه السلطان، وتنفيذاً لأمره، لا موقف أخلاقي، ولا رسالي، ولو أنهم قالوا ما قالوا بإرادة حرة، وغيرة إيمانية صادقة لكن لقولهم مقالاً ـ حتى ولو ظلموا الإخوان! ـ لأن النية الخالصة الصادقة تشفع لأصحابها، وترشدهم بإذن الله ـ في النهاية ـ إلى العمل الصالح، والصراط المستقيم.. أما هؤلاء فلا نية لهم سوى وجه السلطان؛ ولذلك ما يُقال حقاً أو باطلاً مردود في وجوههم بإذن الله.
هؤلاء اللعناء الفجرة من "الأئمة المضلين" يقومون بدور "يهود" باحتراف، بل تفوقوا عليهم.. فهم يقولون الكذب وهم يعلمون، ويَحرّفون الكلم من بعد مواضعه التي وضعها الله له، الله.. الذي جعل طاعة الرسول وخلفاءه الراشدون هي الموضوع الصحيح لآيات وأحاديث الطاعة.. ولكن الفجرة حرّفوها عن مواضع الرشد إلى مواضع الضلالة.. حرّفوها عن مواضع الخلافة الراشدة إلى الحكم الجبري.. حرّفوها عن أئمة الإيمان إلى أئمة النفاق!!
ولا غيرة لهم، ولا حمية إلا للسلطان.. وكيف يكون لهم غيرة على الدين، وهم الأئمة المضلين؟! الذين حذر منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقد كان دعهم للحركة الإسلامية سابقاً بتوجيه أمريكي لضرب المد الشيوعي القومي العربي الذي كان منتشراً وقتها، ووقت نشوب الحرب الباردة بين القوى العظمى "أمريكا وروسيا"، وملابسات الثورة الإيرانية.. وكانت السعودية داعمة للحركة الجهادية ضد السوفيت فكرياً ومادياً ومعنوياً ـ وعلى أعلى المستويات ـ خدمة لأمريكا، وتنفيذاً لأوامرها..
واليوم.. نفس الشيء بحذافيره؛ إنهم يحاربون كل ما له علاقة بالإسلام.. حاربوا الإخوان، ودعموا الانقلاب عليهم بمصر ـ وغيرها ـ وأصدروا بياناً بعد الانقلاب العسكري في (2013) باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية.. التعاطف معها جريمة، والحديث عنها بإنصاف يناقض عقيدة (الولاء للسلطان، والبراءة من الإخوان)..
وحاربوا حديثاً
الفكر السلفي الذي قامت عليه المملكة.. وداسوا عليه بأحذيتهم وسخروه منه، واعتقلوا
كل شريف، ونَصّبوا كل وغد مُضل جبان مخادع.. كل ذلك تنفيذا ـ أيضاً ـ لتعليمات
أولياء أمورهم الصهاينة والأمريكان، وهم يفعلون ذلك ليس تنفيذاً للأمر فحسب.. بل
يفعلوه بكل حب وإخلاص وإحسان وزيادة!! ولا عجب ـ إذن ـ أن تكون "دولة يهود الصهاينة" مِن أول مَن يرحب ببيان هيئة العلماء، وتباركه، وتشيد به! وقالوا: "يُسعدنا رؤية هذا المنهج في المملكة" تشابهت قلوبهم!
وحاربوا الإسلام ذاته.. باسم محاربة "الإسلام السياسي"!! واعتبروا الإسلام السياسي جريمة وعقبة تقف في وجه العالم العربي! هكذا بكل فجور ووقاحة واستعلان للنفاق.. والإسلام السياسي في المفهوم الغربي أصبح اليوم هو التمسك ببعض شعائر الإسلام، وفي المفهوم العربي هو محاولة التمسك بشرائع الإسلام..
والطغاة لا يكرهون شيئاً كما يكرهون الإسلام الذي: يُسقط شرعيتهم، ويحارب فجورهم، ويُقوض ملكهم.. وهم يعلمون أن الإسلام يغرس في قلوب أصحابه العزة، والاستعلاء بالإيمان، ويُطهر قلوبهم من شرك الطغاة، ويُغريهم بمقاومتهم ـ ولو بالقلب ـ ولذلك هم يكرهون هذا الدين، ويحاربون أولياءه!
وإنهم يحبون "الدين المحرّف ـ دين الملك".. الدين الذي صنعه لهم "الأئمة المضلين"، الدين الذي يخدم عروشهم، ويؤيد بطالهم، ويشرعن فجورهم ونفاقهم وعصيانهم.. ويسب أولياء الله، ويبارك أولياء الشيطان، وهذا هو ما يدعو إليه الأئمة المضلون، وما هذا بالإسلام إنما هو نتاج: (تحريف الكلم عن مواضعه، وبيع آيات الله بثمن قليل، والانسلاخ من آيات الله، والخلود إلى الأرض، واتباع الهوى، وتدسية النفس إلى أسفل سافلين).
ولا يحسبون ببيانهم هذا ـ هو وغيره ـ أنهم صانعون شيئاً.. إنهم يسقطون، إنهم منهزمون، وإن انتفاشهم إلى حين بإذن الله، ولو كانوا حقاً يعقلون ما يقولون: لاحترفوا النفاق بصورة أفضل من هذه الصورة الفجة القبيحة..
لقد كانت "السلفية" القوى الناعمة للسعودية التي تتمدد بها عالمياً، والتي أصبحت بها في نظر كثير من بسطاء المسلمين هي النموذج والمثال! ولكن سفيههم الصغير وأشقاها العنيد مزق هذه السلفية في وجوههم، ودمر القوى الناعمة للسعودية ـ ولعل في ذلك خير للمسلمين أن تستفيق من الغفلة، والتيه، والدجل، والخداع، وتعرف أهل العلم والفضل، وأهل الجهالة والضلالة ـ واستبدلها بالفجور، والانحلال، وعلمنة المجتمع بصورة مقيتة، قبيحة، مصطنعة، متكلفة..
وإنَّ كل هذا يجعل المسلم الحق في تمسك بدينه، في حرص عليه، في حذر من مكر كل طاغوت، وجبار، ومفسد، وعنيد.. متحفز لأي ضلالة من ضلالتهم، فهم "دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا" فاللهم عصمتك، ونورك، وهدايتك، وتقواك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
***
راجع ـ إن شئت ـ مقال: