كتبتُ
من قبل مقالين عن "الجهاد السوري" غيرة على الإسلام، وغيرة على الجهاد،
وغيرة على مشروع الأمة التي كنت أشعر أنه سيُولد في سوريا.
المقال
الأول كان بعنوان: "كلمة في الحالة
الجهادية السورية" وتحدثت فيه عن خطة الغرب، والمصير المشترك لمشروع
الجهاد كله.
المقال
الثاني كان بعنوان: "أسباب اقتتال
المجاهدين" وتحدثت فيه بصفة عامة عن أمراض الأمة التي تعاني منها - ومن
ضمنها سوريا - وهي: ( التكفير - الإرجاء - خلط العقيدة بالسياسة - الاختراقات
الأمنية - أمراء الحرب - البغي ).
في
هذا المقالين كتبت ما تعلمته وما أعرفه عن الحالة العامة للأمة، ولم أذكر أي فصيل
بكلمة خاصة، احتراماً لأمانة الكلمة، واحتراماً لنفسي، وأنني لستُ على أرض سوريا
أشاهد الحقيقة بنفسي. بل إنني أزعم أنه يصعب على الشخص العادي وهو داخل سوريا
يجاهد، أن يرى الحقيقة كاملة ! لتشابك الأوضاع، والأمراض، والخيانات، والمؤامرات
لأقصى درجة.. وأحسب أن من يعرف الحقيقة هناك هو من يرى الحقيقة على أرض الواقع، ويراها
في صورتها الكاملة بإطارها الكلي.
لم
أكتب نصرة لتنظيم على حساب آخر، بل أكتب للجهاد وللأمة. وأعترف أنه لا يوجد مصادر
يمكن الاعتماد عليها والاستناد إليها في النظر والحكم والتحليل، وللأسف وقع كثير
ممن كنا نحسبهم عقلاء في هذا الأمر! يجد منشور على قناة مشبوهة أو خبر على شبكات
التواصل الاجتماعي، ثم يطير يُشنع على هذا الفصيل أو ذاك، وكأنه أوتي جوامع الكلم،
واتاه الخبر اليقين..!!
فمن
يكتب ويحلل ويُنظر اعتماداً على خبر هنا أو هناك، فلا قيمة لما يكتبه.. وإنها
لجريمة كبرى أن نكتب عن الدماء والأرواح ومشروع الأمة من خلال خبر مشبوه من هنا أو
هناك. هناك أجهزة استخباراتية متخصصة في نشر الشائعات والأكاذيب، بل وإنتاج
الأفلام لتطعن وتدلس وتبث الفتنة. إذن نحن أمام حرب إعلامية على أعلى مستوى، نجد
فيها من كنا نظنهم عقلاء تحولوا إلى أدوات فيها !!
أنا
أيضاً لا أملك مصدر موثوق اعتمد عليه في النظر والحكم، وليس المطلوب مصدر موثوق
فحسب.. بل المطلوب رؤية شاملة كاملة للحالة على الأرض؛ حتى يستطيع أحد أن يحكم على
هذا الفصيل أو ذاك، بعيداً عن الهوى والأمنيات والأكاذيب والشائعات.
ولقد
أخذت على نفسي ألا أتحدث عن فصيل باسمه وعينه، دون رؤية حقيقية على الأرض في
صورتها الشاملة، وما أقدمه - في هذا المقال - هو تحليل لمسألة الخطأ ومكامنه في
الحالة السورية استناداً للمقال الثاني العام الذي كان بعنوان "أسباب اقتتال
المجاهدين" ونفرق بين الثغرات والخطأ والرعونة وبين الخيانة والعمالة.
وللأسف
ليس من طبيعتنا تحليل الأخطاء بدقة، والوقوف على النقاط الحرجة فيها، وتقييم مستوى
الأخطار، وطرح الحلول البديلة، والتمييز بين الخطأ والشخص، وبين الشخص والمجموعة، وبين
المجموعة وباقي المجموعات، وبين المجموعات بالنسبة للدولة، وبين الدولة بالنسبة
للنظام العالمي.
في
الفصائل المجاهدة بسوريا: ثغرات - انحرافات - أخطاء - اختراقات - خيانات، كل منها
يؤثر سلباً في الجهاد. ولكن لا يمكن أن يتساوى الخطأ والانحراف بالخيانات
والعمالة.
فما
هي الأخطاء والثغرات، وما هي الخيانة والعمالة؟
الأخطاء
والثغرات:
*
الادعاء أنك الطائفة المنصورة الوحيدة: وهذه الثغرة يدخل منها العدو ليُحرش
على باقي الفصائل المجاهدة، والتي لها رؤى أخرى.
*
الادعاء أنك أصبحت دولة: وإن مجرد الرغبة المثالية في قيام دولة إسلامية،
لا يعني أنها قامت بالفعل، ولا يعني أن على الجميع الانصياع لها، وإعطاء الولاء
العام لها.. حتى الآن كل المجموعات الجهادية المقاتلة ما هي إلا ( ألوية )
من ينتسب لها ينتسب إلى لواء جهادي يدافع عن الإسلام، ويعطي البيعة والسمع والطاعة
لأميره، ويكون المسلم المنتسب إلى اللواء أمين على لوائه ومطيع لأميره، وإذا أراد
حل البيعة والخروج من هذا اللواء، لا حرج عليه.. على أن يحفظ سر إخوانه، ولا يُحدث
بما عرف وسمع، ومن حقه أن يلتحق بغيره من الألوية. وهذه ثغرة يدخل منها العدو
ليُوقع الفتن والخلافات، والتخويف. وهو كذلك مدخل لأطلاق أحكام الكفر على المخالف،
ثم بعدها استحلال دمه وماله!
*
استعجال تصحيح الأوضاع: والضغط على الناس، وعدم اعتبار ضعفهم وجهلهم، وفرض
عليهم أوضاع لا يفهموها أو يدركوها. وهذه ثغرة يدخل منها العدو لتخويف الناس من
حكم الإسلام، ومن تصرفات أتباعه.
*
التهاون في معالجة الأخطاء الداخلية: إما نتيجة عدم الاعتراف بأنها أخطاء،
أو محاباة أصاحبها.. وهناك - في مسيرة القيام لدولة الإسلام - أخطاء عند ارتكابها
تكون بآلاف الأخطاء؛ لحساسية الموقف، وتربص العدو، وقد تكون وقود للفتنة من حيث لا
يشعرون.
***
الخيانة
والعمالة:
*
التعاون مع العدو: ومنها المسارعة للعدو الصليبي الأمريكي بأشكاله
المختلفة، وطلب موافقته، والتفاوض معه.
*
التعاون مع أدوات العدو: وهي الأدوات الاستعمارية وحكومات الدول الوظيفية،
وهي لا تخرج عن مخطط العدو الأصلي، وهو بقاء بلادنا في فلك التبعية والهيمنة
والعلمانية.
*
قبول مساعدات من حكومات العدو وأدواته: ولا يدفع أحد شيء مجاناً، وإنما
يحاسب من يدفع، وتُنفذ خطة من يدفع، ومن يدفع من هؤلاء لا يرجو للإسلام والمسلمين
خيراً.
*
الرعونة التي تؤدي للخيانة: الرعونة التي يتهاون فيها البعض حين لا يعرف
عقيدة الولاء والبراء، ويحسب حسابات سياسية علمانية، يحسب أنه يحسن صنعاً، فيجد
نفسه في النهاية خادماً لعدوه، ثم بعد انتهاء وطره منه؛ يقذفه عدوه في أقرب مزبلة.
ولا
يتساوى الخطأ والخيانة أبداً، ولا يتساوى التأويل الفاسد والثغرات مع العمالة.
وعلى هذا يجب المعالجة والتصحيح والتسديد والتقريب والنصح والعمل.
وأما
العدو فيرحب بكل شيء.. يرحب بالأخطاء والثغرات والخيانة والعمالة، ويستخدم كل منها
لأقصى درجة ممكنة، وما أكثر حيله، وما أخبث مكره، وما أشد دقته وحشيته، ومن أدواته:
1-
الاختراق: تدرس أجهزة المخابرات العالمية أدبيات كل
الفصائل المجاهدة، وتعمل على زرع عملاء لها على أعلى مستوى ممكن.. مثال:
اختراع شخصية لبنانية تعيش في أمريكا اللاتينية،( وما يعيش في أمريكا اللاتينية من
اللبنانيين ضعف من يعيش بلبنان نفسها، وحتى الجد السابع ) يحفظ كل أدبيات الجهاد،
يحفظ آيات الجهاد، يحفظ الحديث، يدرس بعض المسائل الفقهية، يسافر إلى المناطق
الساخنة، يصنع سمعة له، وغالباً ما يكون شخصية قيادية، واعية، ذكية.. ثم هو في
النهاية ضباط أو عميل لمخابرات أجنبية.
2-
الإعلام: وما أسهله عليهم، فتقريباً كل أجهزة الإعلام
المسموعة والمقروءة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي كل تحت رقابته، وتحت
إدارته، وما أسهل تزوير الحقائق، وما أسهل تقديس فصيل، وشيطنة الآخر.
3-
تلويث الألوية: يكون هناك فصيل جهادي ذات سمعة طبية بين
الناس، وذات شجاعة وتخطيط وبسالة، ويصعب اختراقه لانضباطه، ولمجالس الشورى، ولوعيه
الراقي. فيأتي إليه فصيل مقاتل مجهول، أو ظهر حديثاً يطلب الانضمام إليه، ولأن
المجاهدون يكونون في حالة احتياج دائم للنفوس وللدعم، يقبلون انضمام هذا اللواء،
ويكون انضمامه لهم شكلياً وصورياً، ثم بعدها يرتكب فظائع وجرائم باسم اللواء صاحب
السمعة الطيبة والانضباط الحركي، ولأن طبيعة الناس التعميم، فتتلوث سمعة ذلك
الفصيل !!
4-
تلويث الجهاد: وإذا كانت الألوية والفصائل بالوعي
الكافي مما لا يسمح باختراقها، ارتكب العدو الجرائم والفظائع بنفسه، وألصقها بهذا
الفصيل أو ذاك، وهو يملك ألة إعلامية قادرة على قلب الحقائق، بل وخلق واقع جديد
ولو من الخيال.
5-
الفك والتركيب: عندما يوجد ألوية تابعة للعدو، أو تسارع
فيه.. ثم لا تبلي بلاء حسناً على الأرض، وتفقد شعبيتها؛ يعملون على تفكيكها،
وانضمامها تحت كيانات ومسميات جديدة؛ حتى يُلبسون على الناس، ويخدعونهم بالشكل
الجديد.
6-
التمويل: ولأن الأمة مازالت غافلة عن فريضة العزة، فريضة
الكرامة، فريضة الحرية، فريضة الاستقلال، ولأن الجهاد يتولى أمره مجموعة من أهل
الغيرة على الدين، وليس لهم دولة تتبنى فكرتهم أو تعاونهم، فيكونوا في أشد الحاجة
للدعم، ولأن العدو العالمي يراقب حركة كل دولار عبر العالم، فحتى تبرع عامة المسلمين
لا يصل إلا بشق الأنفس، فعندما يأتي تمويل سهل لفصيل يتساهل في هذا الأمر، وما أن
يأتي هذا المال الملوث؛ إلا وتأتي معه الفتن والاختلافات والانشقاقات.. وهذا لا
يحدث عفوياً بل يتم بصورة دقيقة ومراقبة، تحدد تدفق المال، وتوقيته، ومن يتولى
أمره، حتى يُحدث المال أقصى درجات الخلافات والفتن. وفي النهاية - وباختيار ذاتي -
يُنفذ أجندة عدوه.
7-
تصفية أهل الرأي: تُخصص وحدة مخابراتية لتحديد
وتصفية القادة المؤثرين من أهل الرأي والعقل والمشورة، ويتم تصفيتهم من خلال
الشرائح الإلكترونية من خلال عملائهم داخل الصفوف، كما حدث مع العديد من القادة
التاريخيين.
8-
الألاعيب السياسية: ولأن لأي مشروع جهادي حقيقي
تصور سياسي، وغالباً ما لا يكون هذا التصور السياسي ومشروعه، بالعمق والإدراك
الكافي للواقع وللمجتمع، تأتي الألاعيب السياسية لتُدخل الفتن كالحديث عن دولة
ديمقراطية وحكومة توافقية، وتبرعات دولية، واعترافات أممية.. إلخ فيسارع فيها ضعاف
النفوس، ومنعدمي الإيمان، وأهل الجهل عن الإسلام والتصور الإسلامي. ومن هنا منبع
الفتن والكوارث والهزائم، وفي النهاية فهو ليس تصور سياسي علماني أو إسلامي! بل
مجرد ألاعيب لإفشال أي محاولة للانعتاق من الهيمنة ومن التبعية للنظام الدولي.
وغيرها
الكثير مما أجهله ولا أعرفه.. وما ذكرته هنا مجرد أمثلة للتوضيح.
إن
كل الفصائل الجهادية مفترض أنها ما قامت إلا لتُحرر الأمة من المستعمر وأدواته
أولاً، وتحرر الإنسان من الآصار والأغلال ثانياً، وتقوم بالدين والشرع والحق
والعدل الرباني.. وليس لها من عملها إلا رضى الله وجنته، لا تنتظر جزاء ولا شكورا،
ولا مقابل مادي أو معنوي في هذه الدنيا.. تُحرر الأرض والإنسان، وتشاركه في بناء
دولته وعودة أمته، وما هي إلا جيش يحمي الحقوق، وجزء من أهل الحل والعقد. فلا تستبد
بالناس أو تتجبر عليهم، ولا تظلم أحداً، ولا تقاتل إلا عدو الله، ولا تستعجل الثمرة..
وخلصت
نفوسهم من كل حظ، حتى من رؤية النصر على أيديهم.
هذا
هو المجاهد الذي تنتظره الأمة، وهذا هو الذي سيرفع لواء الإسلام وينصره الله تعالى.
راجع
إن شئت:
كُتب
في 17/ 01/ 2014