قائمة المدونة محتويات المدونة

07‏/01‏/2014

خطورة الفكر التوافقي

خطورة الفكر التوافقي على بعث الإسلام من جديد

الفكرة التوافقية: هي عملية فكرية تُنشأ سلوكاً ومنهجاً وطريق حياة؛ تحاول إصلاح الفساد والظلم والمشكلات القائمة في مجتمع أو دولة ما. وهي فكرة تحاول التقويم لا التطهير والاستئصال، فهي ليست فكرة ثورية.. وتعمل وفق الظروف القائمة، وبالقدرات المتاحة، ولا تُحدث طفرة نوعية أو قفزة إبداعية لإنشاء واقع جديد.

ومن معالم الفكرة التوافقية:

- محاولة البناء ببطء. 

- وضع أهداف مرحلية كثيرة. 

- التوافق مع الجميع. 

- الموائمة مع الأوضاع ومحاولة ترقيعها.

 - العمل داخل إطار النظام (الدولة) القائمة.

أين تنجح الفكرة التوافقية ؟

تنجح الفكرة التوافقية الترقيعية عند استقرار هوية الدولة، ومؤسساتها، واستقلالها وسيادتها ووجود عملية دفع نسبي للخير في المجتمع، واستقراره.. تأتي الفكرة التوافقية الإصلاحية بمنهجها لتدفع في جانب الخير وتغذيه، وتُقلل من جانب الشر، فتحافظ على الخير الموجود، وتكبح جماح الشر، وبهذا تحافظ على الدولة والمجتمع وترسخ وجودهما، وتكون الفكرة التوافقية الإصلاحية هنا نافعة ومفيدة وأفضل من الفكرة الثورية التي قد تقضي على الخير والشر معاً، وتفشل في تحقيق خير أفضل مما كان، فتكون الفكرة التوافقية الإصلاحية في معالجة الشر في دولة مستقرة هويتها ومؤسساتها ومستقلة وذات سيادة.. خير منهج وطريق.

واقعنا المعاصر

بدأ عصرنا الحديث بانهيار الخلافة، وورثها الاستعمار البريطاني الفرنسي الصليبي.. وراثة كاملة: الأرض والثروة، الروح والفكر، الدين ومنهج الحياة، وترك لنا الإسلام ديانة ذات شعائر وطقوس لا مشكلة في ممارستها طالما داخل حدود دور العبادة!!

واستمر هذا الاستعمار جيلاً بعد جيل، يمنع قيام الإسلام كرافض لكل الأوضاع الطاغوتية، وكثورة على الفراعنة والطواغيت !

وتكوّن النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وورثت أمريكا ميراث الاستعمار البريطاني وتولت القيادة.. تكوّن النظام الدولي بين مجموعة دول علمانية صليبية تسمى نفسها "القوى العظمى" ودولنا وبلادنا "العالم الثالث" الذي يتسول كل شيء الخبز والفكر، ولا يُنتج ولا يُسمح له أن ينتج شيء ذات بال يحقق سيادة ! فلا إنتاج لسلاح أو دواء أو غذاء..

وتم تثبيت أركان ذلك النظام الدولي بقوة عسكرية غاشمة داخل بلادنا تقمع شعوبها وتقتلهم بدم بارد، وقواعد عسكرية احتلالية تحيط بالأمة براً وبحراً وجواً ! ومجموعة من الحكام يعملون خدماً وسكرتارية لدى العدو، لا تملك من أمر نفسها ولا أمنها الشخصي شيء سوى من تحميه أمريكا وترضى عنه، ويتهافت الجميع عليها يسبح بحمدها ويُقدم فروض الولاء والطاعة والإحسان حتى ترضى عنه. فهم ليسوا إلا "عهدة وأداة للمحتل" لها وظيفة محددة !

حتى ثروات البلاد لا يملك أحد سوى العدو إدارتها وكيفية إنفاقها.. والتعليم حتى روضة الأطفال يتم بإشراف العدو، وتُحذف تلك الآيات، وتبقى هذه حسبما يقرر هو ويوافق هو.

وأما الإسلام كمنهج حياة فقد عنوا به عناية فاقت عناية أهله به، فدرسوه كما ينبغي أن يكون، وعرفوا مفاصله وهيكله؛ حتى تظل عملية الهدم فيه لا تتوقف لحظة، ثم تختار ما هو الإسلام المناسب لذلك الجيل، وما هي معالمه ! ثم تراقب كل فكرة وحركة ودعوة لعودة الإسلام كمنهج حياة فتسحقها سحقاً بكل وسيلة، وتقتلها بكل آلة..

ثم لا تدع الشعوب بين فقرها ومرضها وجهلها بل تُحيطهم بأفكار باطلة، وتنفخ فيها، وترسخها بكل وسيلة من خلال الآدب والفن والمسرح والسينما والكوميديا والجامعة والمراكز البحثية والفكرية، ثم تضفي حالة من "السعار الجنسي" المحموم لا ينتهي، حالة من العري والتعري النفسي والجسدي المستمر حتى تفسد فطرة ونفسية الشعوب فلا تقوى على النهوض..

ثم بعد كل هذا تتجسس لا على عملائها فحسب، بل تتجسس على العشوب كلها ! فلقد ذكرت بعض التقارير أن أمريكا تجسست على مصر بمعدل 1.9 مليار مكالمة شهرياً.

سيطرة كاملة في كل شيء، رقابة دائمة مستمرة، تحضير للبدائل متجدد، إجهاض لكل حركة، وحشية رهيبة في مواجهة كل نهضة.

هذا باختصار شديد جداً واقعنا المعاصر، وأحسب أن تفصيلاته وكوارثه تحتاج إلى مجلدات، وما خفي منها أعظم وأشد.

وصدق الله العظيم: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } [البقرة: 217]

فهل تنفع الفكرة التوافقية الترقيعية لواقعنا المعاصر هذا؟

ينخدع الكثيرون في (المنطقة الآمنة وخط الفاعلية) المنطقة الآمنة: هي المساحة التي يسمح بها الطاغوت الوظيفي، ومن وراءه سيده المحتل. وخط الفاعلية: هو الحركة والنشاط تحت هذا الخط فلا يقترب منه أحد فضلاً على أن يتجاوزه؛ فمن يتجاوزه يُسحق سحقاً، ووجود المنطقة الآمنة وخط الفاعلية الهدف منه عملية تفريغ للنشاط والسخط الفطري على الأوضاع المزرية والبائسة التي تعيشها الشعوب، فلا بد للشعوب أن تسخط وأن تعترض؛ ولذا فيعمل الطاغوت على توفير تلك الخدمة لها بالكيفية التي يريد فيحدد لها وقت الغضب، ومجاله، وحدوده، وحدته، ودرجته، ومدته. وهذا ما يسمى "هندسة الغضب وإدارته" حتى لا يخرج عن زمام السيطرة.

ولا مجال للفكرة التوافقية الترقيعية إلا في حدود المنطقة الآمنة، وخط الفاعلية.. بل في أحيان كثيرة يُوظف الطغاة أصحاب الفكرة التوافقية ـ من حيث لا يشعرون ـ في عملية تفريغ شحنات الغضب لدى الشعوب، وإيهام الشعوب بأنها حقاً تعترض وتصرخ وتملك قرارها... إلخ.

وعندما يتم نقد الأفكار التوافقية الترقيعية في واقعنا المعاصر هذا، وأنها لن تجدي نفعاً طالما أنها تتحرك في المنطقة الآمنة، وتحت خط الفاعلية.. يُدافع أصاحبها بمواقف من السيرة، ومن تاريخ الإسلام للاستدلال على صحة منهجهم! متغافلين عن طبيعة واقعنا المعاصر هذا، ثم خلطهم بين ما هو عقيدة، وما هو فقه، وما هو موقف استثنائي، وما هو منهج عام.

ولأن الأفكار التوافقية الترقيعية تحتاج هوية دولة لها استقلال وسيادة.. فإنهم لن يجدوا أفكاراً إصلاحية داخل بلادهم، فيبحثون عنها خارج بلادهم فتقع الكارثة! استيراد الأفكار الإصلاحية، ثم يُطعمونها بصبغة مزيفة وبألفاظ غريبة، ويقدمونها للأمة كأنها طريق الخلاص.. ومن أمثلة ذلك: "الديمقراطية" وكأنها طريق الأمة للخلاص، وكأن الله ـ سبحانه ـ لم يُخبر الأمة التي أخرجها للناس بصراطه المستقيم، وبطريق عودة الأمة!!

ثم يتحدثون عن أهداف مرحلية، وعملية بناء، وتحرير مؤسسات.. كأنهم يعملون والقوى العظمى نائمة، كأنهم يخططون والقوى العظمى غافلة، كأنهم يفكرون والمحتل، والقوى العظمى ساهية عنهم !! بينما هي تراقب أنفاسهم بدقة بالغة لحظة بلحظة حتى لا يخرج أحد عن مسار القطيع البشري، أو ينحرف على الإطار المرسوم!

ثم في النهاية تدفع الأمة الضريبة كاملة، من أجيالها وأبنائها ودمائها وثرواتها ودينها.. ثم تجد نفسها لم تتجاوز مكانها ! ومازال الاستعمار قائماً، ومازال هو من يحكم ويُقرر ويأمر وينهي.

***

مكمن الخطورة في الفكر التوافقي الترقيعي عند استعماله لواقعنا المعاصر:

-  الفكر يعمل داخل المنطقة الآمنة وتحت خط الفاعلية، لذا فهو فكر تحت السيطرة ولا خطورة منه على العدو الداخلي، والعدو الخارجي.

- يُستغل هذا الفكر في عملية تفريغ غضب الشعوب، ووعودها بآمال كاذبة.

- يستهلك هذا الفكر من عمر الأمة الكثير، وتدفع ضريبة باهظة بلا مقابل.

- يغفل هذا الفكر المرحلة القدرية التي عليها الأمة، وأن هذا الفكر لن يصلح لعودة سيادة الأمة وخلافتها الراشدة.

- يُجّهل هذا الفكر وعي الأمة بواقعها المعاصر، ويحجب رؤيته، وطريقة التعامل معه، ويُجهلها بمصيرها عند استمرارها تحت حكم الطغاة والمحتلين.

- يُضيع فرص التغيير على الأمة في اللحظات التي تصل فيها الأمة للكتلة الحرجة التي عندها تحدث الطفرات ويبدأ التغيير.

- يُغيب هذا الفكر الأمة عن طبيعة المعركة، وحقيقة الصراع، واستحقاقات تحول الأمة من الحالة الغثائية إلى الحالة الحية الفاعلة وتحقق الدور الذي من أجله أُخرجت للناس.

***

ملاحظة : في هذه السلسلة من "رصد الخلل الفكري " لا أقدم البديل، ولكن حتى لا يُصاب أحد بالإحباط بخصوص ما ذُكر في "واقعنا المعاصر" أُشير إلى أن الباطل مهما انتفش فهو باطل وإلى زوال، وعندما تحمل الأمة راية الإسلام، وإقامة الدين كمنهج الحياة، وتجتمع عليه، وتعرف عدوها.. فستكون معها معية الله وتأييده ونصره، وستسحق هذا الباطل وستكون هي الأعلى.. بإيمانها.