قائمة المدونة محتويات المدونة

14‏/10‏/2013

الصفر السياسي والرقمي

انتصار الشرعية وكسر الانقلاب:
الشرعية: تعني أحقية الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي في العودة إلى الحكم. 
كسر الانقلاب: يعني عودة الأوضاع العسكرية السياسية إلى ما قبل يوم 3 يوليو 2013.
حُلم جميع مؤيدي الرئيس محمد مرسي هي عودته إلى الحكم، وانتصار شرعيته.. فهل هذا يعني الكثير؟!
لنعود بالذاكرة إلى يوم 18 فبراير 2011.. اليوم الذي خدع فيه العسكر الشعب المصري، وأوهمه بانتصار مزيف مثل انتصار 1973 !
مبارك يتنحى عن الحكم لتبقى الدولة. ألا يمكن عودة الرئيس مرسي لتبقى الدولة أيضاً ؟!
لنُعّرف أولاً ما هي الدولة المصرية؟
الدولة المصرية هي: طبقة الرأسماليين العسكريين الناشئة من رحم الاستعمار؛ لتحافظ على هوية الدولة القومية العلمانية القادمة من قلب الوحشية الأوربية، وتمنع أي تغيير في تركيبة النظام الدولي بين دول المركز "الغرب" ودول الهامش "الشرق الأوسط" هذه الطبقة تملك السلاح التي تستطيع به قمع أي معارضة، وتملك المال الذي به تحدد طبيعة الحياة ومستقبلها.. تحت طبقة الجنرالات العسكرية، وأجهزتها الأمنية من (أجهزة مخابرات متنوعة ومؤسسات أمنية مختلفة ) طبقة من الطفليين والمتطفليين والمتزلفين من رجال الأعمال والإعلام والقضاء، تتقاطع مصالحهم بصورة وجودية مع الرأسماليين العسكريين.. ولهذا فلا عجب أن يملك جنرالات الجيش 40% من الاقتصاد المصري، وتملك طبقة رجال الأعمال والإعلام والقضاء بقية تدوير باقي الاقتصاد المصري، وبقية الشعب على هامش الحياة.. مجرد ديكور اجتماعي !
هذه الطبقة ( الرأسماليين العسكريين - الأجهزة الأمنية الملحقة والتابعة - رجال الأعمال - الإعلام - القضاء ) هي مصر الحقيقية المتحكمة في كل كبيرة وصغيرة في مصر.. داخلة بتوحش في كل شيء، تحمي "الهوية العلمانية" للدولة المصرية، وتبقى تابعة لدول "المركز" وتحمي مصالحه، وتنفذ أوامره، وتدمر معارضه.. ولا تخرج عن تركيبة النظام الدولي وأهدافه قيد أُنملة.
هذه الطبقة - أو بمعنى أدق - هذه الدولة أكبر من رأس مبارك نفسه، وإن كانت هي تحب رجالها وتحترمهم على طريقة فلسفة المافيا في حماية أتباعها.. لكن لا يمكن تهديد هذه الدولة لمجرد سقوط رأس قد أينعت وشاخت.
وهكذا يبدو لماذا بعد قيام ثورة يناير بثلاث سنوات لم يستطع أحد كائناً من كان أن يُقيل جندي من منصبه أو يُحدث أي تغيير حقيقي في بنية الدولة المصرية.. لأنها دولة يحميها السلاح والمال، ويُخدم عليها رجال أعمال وإعلام وقضاء !
ولما سقط مبارك.. لم يكن يعني سوى إحالته على المعاش، ولكن الدولة باقية ثابتة راسخة كما هي. فهل عودة الشرعية بعودة الرئيس مرسي تُمثل شيئاً ذا بال ؟!
الحقيقة لا، عودة الرئيس مرسي أو وجود من هو أفضل منه آلاف المرات لا يستطيع أن يقترب من هذه الطبقة من الرأسماليين العسكريين وأتباعهم ومؤسساتهم.. طالما أنه لم يتم القضاء على هذه الطبقة وإعادة تفكيك وبناء الدولة المصرية من جديد.. وهذا سيتطلب صراعاً عنيفاً جداً ومصطدماً مع دول المركز، وضواريهم في الداخل.. فالثابت في حالة سقوط مبارك، أو افتراض عودة مرسي هو: "بقاء النظام والدولة.. وعلى رأسها طبقة الرأسماليين العسكريين".
وإن المطالبين بعودة الرئيس مرسي، على نُبل هدفهم.. فهو لا يعدو مثل المطالبة من قبل بإسقاط حسني مبارك، ورغم أن قطاع كبير من المصريين كان يدرك أنه يُريد إسقاط النظام، إلا أن التضحية بمبارك كان كفيلاً بعدم العودة مرة أخرى للحديث عن إسقاط النظام ذاته ! فمجرد عودة مرسي دون تفكيك دولة الرأسماليين العسكريين السابق ذكرها، لن يُغير قيد أُنملة في واقع الحياة المصرية أي شيء ذات بال.
لماذا حدث الانقلاب ؟!
للانتقال من حالة "الصفر السياسي" إلى مرحلة "الصفر الرقمي".
الصفر السياسي: هي حالة اللا وجود واللا تأثير في عالم السياسة، ولكن هذا الصفر يسمح بوجود "هوامش" حوله تسمح بممارسة عبث سياسي، أو ديني، أو اجتماعي.
الصفر الرقمي: هي حالة اللا وجود واللا تأثير في عالم السياسة، ولكن هذا الصفر لا يسمح بوجود أي هوامش حوله تسمح بفعل أي شيء. [ راجع - إن شئت - رقمية الصراع بين دول المركز والهامش، د/ أكرم حجازي ]
النظام الدولي بأكمله يتجه نحو عولمة متوحشة دقيقة يمكن قياسها في كل العالم بدقة رقمية محددة في عالم السياسة والاجتماع، ولا تترك مجالاً للظنون والاحتمالات والتأويلات.. وهو قادم نحو ترسيخ وعولمة العلمانية ترسيخاً كاملاً وتفتيت كل الهويات الأخرى أياً كانت إسلامية أو غير إسلامية، وتفتيت المجتمعات والدويلات إلى مجموعات عرقية أو طائفية أو إثنية صغيرة، وتفيت دويلاتها إلى قطع صغيرة يسهل السيطرة عليها تماماً، وغير قابلة للنمو أو الاتحاد.
هذا الانتقال الذي فعله الانقلاب بتحوله من الصفر السياسي إلى الصفر الرقمي الذي لا يسمح بوجود هوامش كانت تكاليفه باهظة، ولكن كان لابد منه للمحافظة على هوية الدولة العلمانية.. المسألة التي لا تقبل أي عبث أو خطر يتهددها. فهل تستمر مصر في الانتقال للصفر الرقمي أم العودة إلى الصفر السياسي تحت ضغط الشارع الرافض للانقلاب ؟ هذا القرار لصاحب الأمر وهو "دول المركز - الغرب".
السيناريو المحتمل:
الأول: الإلتزام بخارطة طريق الانقلاب، وفيها الإفراج عن كل المعتقليين، وإعادة أموالهم، وأحزابهم، والمشاركة في عملية سياسية صورية لا تُقدم ولا تُأخر في أي شيء.
الثاني: هو فرضية جديدة تفترض أن طبقة الرأسماليين العسكريين عندها تحفظ على أداء الفريق السيسي.. ليس تحفظاً على الدماء والأرواح هذه هوام لا قيمة لها.. ولكن تحفّظها على عدم قدرته على ضبط الإيقاع والسيطرة الكاملة على الشارع، مما تسبب في خسارة اقتصادية لهم، واحراج على مستوى بعض الدول.
ولهذا فهذا السيناريو يُفضل خروج الفريق السيسي من المشهد بكل احترام ( اجتهد فأخطأ ) وأن يعيش في أحد قصور دبي مع مجموعة من مليارات الدولارت، وأن يعود الرئيس مرسي بصورة مؤقتة لمدة عام مثلاً - وتنتهي كل فاعليات وتظاهرات الشوارع - يجري خلالها انتخابات رئاسية أو يُكمل مدة حكمه، ولكن في كل الأحوال لن يحكمها أحد لا الرئيس مرسي، ولا الرئيس المنتخب القادم، فالطبقة الحاكمة الحقيقية راسخة في الدولة المصرية منذ 60 عاماً ولا تقبل أي عبث أو مساس بمصالحها، ولعلهم يُفضلون انتخابات رئاسية برضى الجميع، حتى يتم هذه المرة السيطرة التامة على الانتخابات ونجاح مرشح "الطبقة العسكرية" بأي طريقة كانت سواء شراء الأصوات أو شراء الصناديق نفسها.. ومعهم الطبقة الحامية من رجال الأعمال التي تدفع، ورجال الإعلام التي تُزيف، ورجال القضاء التي تحكم لهم. وفي هذه الحالة لن يستطيع أحد أن يفتح فمه بالشرعية والديمقراطية، فها هي الشرعية، وها هي الديمقراطية.. وستنتهي عندها الأزمة، وتبقى الدولة - سواء في ثورة يناير أو انتصار الشرعية - باقية راسخة، لا يُغيرها أصوات صادقة زاعقة.. فهي بالنسبة لهم هوام وهوامش لا قيمة لها.
كلا الاحتمالين لا يُهدد بنية الدولة المصرية الحالية في أي شيء، وانتصار الشرعية.. لا يُمثل أي تهديد حقيقي لبنية الدولة والسيطرة عليها، إلا أنه كان يُمثل إزعاجاً وصداعاً للطبقة الحاكمة الفعلية لعدم توافق القصر الرئاسي بوجود الرئيس مرسي وتناغمه مع الطبقة الحاكمة.. وهم قد عرضوا على الرئيس مرسي أن يكون منهم ومعهم، وأن يترك تلك الأحلام والأوهام، إلا أنه لصدقه ونبله أبى، فكان مصيره السجن والتخلص منه، وسواء رجع الرئيس مرسي أو تمت انتخابات رئاسية برضى الجميع.. من يأتي على غير تناغم وتوافق مع الطبقة الحاكمة الفعلية للبلاد فمصيره الهلاك بأي صورة كانت.
إن قانون الواقع: من يملك القوة والسلاح هو الذي يسن القوانين، وهو الذي يحكم فعلياً لا صُورياً، هذا هو القانون الحاكم لكل دول العالم.. ولا قيمة لحق أو عدل أو إنسانية. وحتى تعود مصر دولة حقيقية ذات سيادة على أرضها، ومُتحكمة في ثرواتها، ومحافظة على هويتها الإسلامية، وسيادة الدولة بتحكيم الشريعة.. لا بد من تفكيك تلك الطبقة الحاكمة والقضاء عليها نهائياً.. دون ذلك فنحن ما بين الصفر السياسي والصفر الرقمي.. لا وجود، لا تأثير، لا شيء.
   كُتب في
19 / 09 / 2013